ماذا يريد الدبيبة من إيران؟

ماذا يريد الدبيبة من إيران؟

لا يخفي عبدالحميد الدبيبة رغبته في الاستمرار في السلطة إلى أجل غير مسمّى بالاعتماد على جملة من التوازنات الداخلية والخارجية، وبالكثير من الصفقات مع القوى التي يعتبرها قادرة على التأثير في مصيره السياسي.

في السنوات الأخيرة، وبسبب التطورات الداخلية في ليبيا، لم يكن لإيران سفير مقيم في طرابلس، وإنما كان رؤوف الشيباني، سفير إيران في تونس، مسؤولا عن شؤون إيران الدبلوماسية في ليبيا كسفير معتمد. وكانت هناك شكوك في قيام نظام الملالي بمحاولات التغلغل في المجتمع الليبي عبر نشر التشيّع بواسطة لبنانيين وسوريين وعراقيين وغيرهم، وترويج ما يسمّى بثقافة المقاومة بين بعض الميليشيات والجماعات المسلحة في وجه الحضور الغربي، وخاصة الأميركي.

في يوليو الماضي، كلّف الدبيبة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بزيارة طهران، مستفيدا في ذلك من تطورات الأحداث المتصلة بتطبيع العلاقات بين إيران والسعودية. وعبّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عن ترحيبه وترحيب حكومته البالغ بالزيارة التي تأتي بعد 17 عاما من أخر زيارة قام بها مسؤول ليبي رفيع المستوى إلى طهران. في ختام الزيارة تم الإعلان عن اتفاق الطرفين على تطوير التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، بما في ذلك تفعيل اللجنة العليا المشتركة، وتشكيل لجنة التشاور السياسي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، والتعاون العلمي والتكنولوجي، وإقامة المعارض الخاصة، وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للتطورات التي شهدتها العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك رفع التمثيل الدبلوماسي لليبيا في طهران إلى مستوى سفير، وعودة السفير الإيراني إلى طرابلس، واستئناف الخط الملاحي بين البلدين.

◙ الدبيبة يسعى إلى تنويع علاقات للضغط على العواصم الغربية التي تعلّم ألاّ يثق فيها ثقة عمياء، ولذلك اتجه في الفترة الأخيرة إلى تطوير علاقاته مع روسيا وإيران وإلى فتح جسور التواصل مع إسرائيل

اعتبر الدبيبة تلك الاتفاقيات مكسبا مهمّا لحكومته التي يحاول بكل قوته تحويلها إلى نسخة مشوّهة من الحكومات الخليجية. هو يعتقد أن الأمر يمكن تلخيصه في نفط وغاز واقتصاد ريعي وعلاقات متشعبة وأسرة تحكم، وأنه يستطيع الحصول على أهدافه بعقد صفقات مع الجميع، وبخاصة في مواجهة منافسيه على السلطة في الداخل المضطرب والمتذبذب.

المعروف عن الدبيبة أنه يتصرف في السلطة بمنطق رجل الأعمال، وهو يعتبر أن لا علاقات دولية دون مساومات من تحت الطاولة، وأن مصلحته الشخصية ومصلحة حكومته تكمن في أن يكون مرتبطا بعلاقات جيدة مع مختلف القوى الفاعلة إقليميا ودوليا، ولو من خلال اللعب على حبل التناقضات. عندما وصل إلى السلطة في مارس 2021 بعد انتخابه من خلال ملتقى الحوار السياسي المنعقد في جنيف، كان الدبيبة يحمل جملة من القناعات، أولها أن المال يمكن أن يشتري الأصوات والمواقف والمصالح، وثانيها أنه ليس مطالبا باتخاذ مواقف مبدئية من هذه القضية أو تلك، أو بالتحالف مع هذا المحور أو ذاك، وإنما يمكنه بيع الكلام للخارج والأوهام في الداخل وفق أجندات يشتغل عليها مستشارون أكفاء.

بعد شهر واحد من زيارتها إلى طهران، اهتزت ليبيا في أغسطس الماضي لنبأ الاجتماع الذي انعقد في روما بين المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين بحضور عدد من الشخصيات القريبة من الدبيبة والتي كانت حاضرة لتمثيله ولجس نبض الإسرائيليين حول موقف تل أبيب من حكومته المنتهية ولايتها ومن دوره المستقبلي في المشهد الليبي. عندما قام الإسرائيليون بتسريب الخبر عبر وسائل الإعلام في سياق الصراع السياسي الداخلي الذي تخوضه حكومة بنيامين نتنياهو، لم يجد الدبيبة أمامه سوى الإنكار وتحميل الوزيرة وحدها مسؤولية اللقاء والإعلان عن تشكيل لجنة للتحقيق معها بعد أن تم تمكينها من مغادرة مطار معيتيقة في طائرة خاصة مع مكافأة مجزية مقابل صمتها عن التفاصيل إلى أجل غير مسمّى.

كل المؤشرات اللاحقة أكدت أن الدبيبة كان على اتصال في مناسبات عدة مع المسؤولين الإسرائيليين، وقد عمل إقليميا ودوليا على إقناع العواصم المؤثرة بأنه على استعداد كامل للتطبيع مع تل أبيب، وأنه الوحيد القادر على ذلك، وأن خطوة كهذه لن تتحقق في ليبيا إلا عن طريق حكومته التي تحتاج إلى الاستمرار طويلا في الحكم لتحقيق الديمقراطية وتكريس العقلانية وتثبيت الليبرالية واجتثاث التطرف بكافة أشكاله وألوانه، سواء كان إسلاميا وافدا أو قوميا موروثا عن الحقبة السابقة.

عمل الدبيبة على تطوير العلاقات مع إيران بدعم من تركيا وقطر، واستطاع أن يتجاوز عقبة كأداء كان يمكنها أن تعرقل خطاه في هذا الاتجاه، هي عقبة الصادق الغرياني المفتي المعيّن من قبل المؤتمر الوطني العام في 2012 والذي لا يزال معتمدا في هذا المنصب إلى الآن من قبل سلطات طرابلس رغم قرار عزله الصادر عن مجلس النواب في نوفمبر 2014. كان الغرياني أحد أبرز المناهضين لمحاولات التغلغل الإيراني في الداخل الليبي منذ العام 2011. وفي مناسبات عدة، حذّر من محاولة إيران التدخل في الشأن الليبي الداخلي، وذلك لقيام طهران بنشاطات مشبوهة ومشينة للتشيع داخل ليبيا، معتبرا أن الإيرانيين يستدرجون الشباب الليبي وعامّة الناس بدعوات مجانية لزيارة طهران ومنحهم إقامات في فنادق فخمة بزعم أن دولتهم تساعد ليبيا، وفق تعبيره.

◙ الدبيبة لا يخفي رغبته في الاستمرار في السلطة إلى أجل غير مسمّى بالاعتماد على جملة من التوازنات الداخلية والخارجية، وبالكثير من الصفقات مع القوى التي يعتبرها قادرة على التأثير في مصيره السياسي

حاليا، أصبح الغرياني يدور في فلك الدبيبة ويحصل منه على تمويلات مجزية لمشاريعه التعليمية والإعلامية التي تغطي غرب البلاد، والمقربون من الدبيبة يعلمون أنه عرف بمساعدة الأتراك والقطريين كيف يكسب ولاء المفتي المتشدد، وكيف يحيّده عن القضايا المهمة بما في ذلك العلاقة مع إيران، ويكسبه نصيرا في معركته التي يخوضها من أجل البقاء في السلطة.

الأسبوع الماضي، دعا وزير الإسكان والتعمير بحكومة الوحدة الوطنية الموقتة أبوبكر الغاوي الشركات الإيرانية للمشاركة في مشروعات إعادة الإعمار والتنمية ضمن خطة “عودة الحياة” المعلن عنها من قبل الدبيبة، وأكد خلال لقاء جمعه مع القائم بأعمال سفارة إيران لدى ليبيا عين الله سوري، موقف الحكومة باستئناف اللجنة المشتركة الليبية – الإيرانية عقد اجتماعاتها وتطوير التعاون في المجال الصحي والتقني، وتشجيع الصادرات والتعاون في المجال الصناعي، وتبادل الزيارات الرسمية.

من الثقافة والإعلام إلى الطاقة والإعمار والتجارة والصناعة وغيرها، يسعى الدبيبة إلى توطيد روابط علاقة حكومته مع طهران وهو الذي لديه معطيات عن وجود علاقة سرية بين منافسه اللدود في المنطقة الشرقية الجنرال خليفة حفتر ونظام الملالي التي يمكن اعتبارها امتدادا لعلاقة الرجل القوي في بنغازي مع موسكو ودمشق. بالإضافة إلى أن الدبيبة يعرف كيف يربط المسائل بين مستقبله السياسي وعلاقاته بالجار الجزائري المتحالف بدوره مع إيران، ولا يجد مانعا في ذلك من الراعي التركي الذي يتقاسم مع الروس أهم مراكز النفوذ الفعلي في ليبيا .

يسعى الدبيبة كذلك إلى تنويع علاقات للضغط على العواصم الغربية التي تعلّم ألاّ يثق فيها ثقة عمياء، ولذلك اتجه في الفترة الأخيرة إلى تطوير علاقاته مع روسيا وإيران وإلى فتح جسور التواصل مع إسرائيل عساها تساعده على إثناء العواصم الغربية عن أيّ مخطط للتخلّي عنه، وخاصة في علاقة بالقوانين الانتخابية والبند المتعلق بتشكيل حكومة مصغرة على أنقاض حكومته والحكومة الموازية المنبثقة عن مجلس النواب لقيادة المرحلة القادمة والإشراف على إدارة وتنظيم الاستحقاقين الرئاسي والبرلماني.

العرب