غزّة وحروب الآلهة: هولوكوست ذرّي… واغتيال نتانياهو

غزّة وحروب الآلهة: هولوكوست ذرّي… واغتيال نتانياهو

“حضرة رئيس الوزراء، اسمك واردٌ متقاطعاً مع كلمتَيْ: “القاتل يغتاله”. هذا ما أكّدته الشيفرة السرّية للبيبل (الكتاب المقدّس) . إسمح لي أن ألفت انتباهك إلى أنّ اغتيالات أنور السادات وجون وروبرت كينيدي، وردت أيضاً بالطريقة نفسها، وإلى أنّه في حالة السادات، كشفت الشيفرة نفسها اسم القاتل وتاريخ الاغتيال حتى… أعتقد أنّ حياتك بخطر”…

هذا ملخّص الرسالة التي نقلها الكاتب الأميركي مايكل دروسنين إلى إسحق رابين، في 1 أيلول 1994.

لم يصدّقه رئيس وزراء إسرائيل. ولم يُعِره انتباهاً.

في 4 تشرين الثاني 1995، بعد سنة وشهرين وثلاثة أيام على الرسالة النذير، اغتيل رابين.

بعدها، صدّقه شيمون بيريز كما نتانياهو طبعاً. فاجتمعا به وناقشا معه إنذاراته الشخصية والنووية. واستمعا إلى أسراره كافّة. وكلّفا قيادات إسرائيلية عليا متابعتها…

قصّة مايكل دروسنين مع رابين وبيريز ونتانياهو صارت كتاباً تحوّل إلى صاحب أفضل مبيعات لعام 1997. “البيبل: الشيفرة السرّية”

هي ليست المرّة الأولى التي تتدخّل فيها الكتب والمعتقدات الدينية في الأحداث السياسية في هذه المنطقة.

كانت تلك من المرّات النادرة المعلنة والموثّقة. بعدها حدث أمر مشابه ومثير في عدوان 2006 على لبنان. والآن ها هي مرّة ثالثة في غزّة. فهل تكون الثابتة، حيث بموازاة صراع الأرض والبشر، ثمّة صراعُ سماوات وآلهة، بين قراءة أحمد ياسين القرآنية، وخوف الصهاينة من نبوءة العقد الثامن التلمودية؟

هي رواية مذهلة من الأسرار والألغاز والرموز والأحاجي، يؤمن بها البعض، ويتعلّق بها وبهم مصير شعوب.

****************************

قصّة مايكل دروسنين مع رابين وبيريز ونتانياهو صارت كتاباً تحوّل إلى صاحب أفضل مبيعات لعام 1997. “البيبل: الشيفرة السرّية”.

بعد نجاحه ورواجه، صار جزءاً ثانياً وثالثاً لأحداث لا تنتهي.

يعترف الكاتب الصحافي أنّه ليس خبيراً دينياً ولا لاهوتياً. ولا مؤمناً حتى. لكنّه اشتغل على ما اعتُبر اكتشافاً لاثنين من علماء الرياضيات الذائعين: إلياهو ريبس ودورون فيتزتوم. وهو اكتشافٌ أطلقا عليه تعبير تسلسل الحروف المتوازي (EQUIDISTANT LETTER SEQUENCES). وهي تقنيّة تقضي بأخذ نصّ معيّن، والعمل على مجموع حروفه بواسطة الكومبيوتر. بحيث يتمّ اختيار حرف واحد كلّ قفزة. ثمّ تُجمع الحروف للبحث في ما إذا كانت تُظهر كلمات جديدة معيّنة.

اشتغل العالمان على الأسفار الخمسة الأولى من التوراة. أو ما يسمّى الخماسية أو “بنتاتيك”. أخذا نصّها العبري الأوّل. فكان مجموع حروفه 304,805 أحرف، متّصلة لا فراغات فيها. وزّعاها على 64 سطراً، كلّ منها مؤلّف من 4,772 حرفاً. هكذا صارت أمامهما لوحة ضخمة هائلة من الرموز. ثمّ بواسطة الكومبيوتر راحا يبحثان عن الكلمات المخبّأة في هذه اللوحات، بالقفز 20 حرفاً أو 30 أو 50…

في كلّ مرّة كانت تظهر كلمات ما. مثل تقاطعات شبكات الكلمات المتقاطعة.

هكذا ظهر لدروسنين اسم إسحق رابين متقاطعاً مع “القاتل يغتاله”.

بعد تاريخ الاغتيال المذكور، باتت للكاتب صدقية معيّنة. أو رهبة على مسؤولي الكيان. فدأب على متابعة الأبحاث في شبكات أحرفه المتقاطعة.

ذات يوم من عام 1996، اكتشف رسالة سرّية أخرى، تقول إنّ إسرائيل ستكون عرضة لهجوم نووي، أو أنّ “هولوكوست ذرّي” قد يضربها.

طار إلى تل أبيب فوراً. ونقل الرسالة إلى رئيس الوزراء شيمون بيريز الذي خلف رابين. في 26 كانون الثاني 1996 التقى الرجلان. كان بيريز مثل سلفه متشكّكاً غير مؤمن. لكنّ عبء تحذير الكاتب سابقاً، بأن رابين سيتمّ اغتياله، فرض على المسؤول الإسرائيلي أن يلتقيه ويستمع إليه.

اللافت أنّ قراءة ياسين تتطابق في حساب الروزنامة، مع فوبيا العقد الصهيوني الثامن. أمّا شيفرة دروسنين فتنبّأت باغتيال نتانياهو قبل سنة 2000. لكنّ الكاتب أضاف أنّها كانت نبوءة غير قاطعة، وأمكن تجنّب تحقّقها… حتى اليوم

هولوكوست ذرّي سيضرب إسرائيل

أخرج الكاتب لوحاته المطبوعة وشبكاته المتقاطعة. وشرح لزعيم حزب العمل اليساري “العلماني”، كيف تعمل شيفرة البيبل السرّية. وخلص إلى عرض لوحته – الخبطة: هولوكوست ذرّي سيضرب إسرائيل. أو هجوم نووي وشيك ستتعرّض له.

سأله بيريز من هو مصدر التهديد. أجاب دروسنين: تُظهر اللوحة التهديد متقاطعاً مع اسم ليبيا.

أيضاً لم يهتمّ بيريز كثيراً. بدا مستخفّاً بكلام ضيفه. انتهى الاجتماع بما يشبه أخذ العلم لا أكثر.

لكنّ المفاجأة كانت في اليوم التالي. أعلن معمّر القذافي في 27 كانون الثاني 1996، دعوته “العرب المهدَّدين من قبل إسرائيل، إلى شراء أسلحة نووية بأيّ وسيلة ممكنة”.

فجأة تبدّل التعاطي مع هذا الزائر الأميركي الغريب الأطوار. كُلّف مدير الموساد بمتابعة القضية معه. وبدأ البحث المعمّق. في الصحاري والدول المجاورة والمعطيات المخابراتية. فيما دروسنين يتابع أبحاث أحرفه وشبكاته. حتى جاءهم ذات يوم بشبكة جديدة: لقد حدّدت تاريخ الهجوم. إنّه 13 أيلول 1996.

كان بيريز قد سقط بعد “عناقيد الغضب”. وجاء نتانياهو. وكان دروسنين قد قرأ في شبكاته سقوط الأوّل وفوز الثاني. التقى نتانياهو. وعرض عليه تهديد الخطر النووي…

مضت الأيام. مرّ 13 أيلول من ذاك العام. ولم يحصل شيء. العلميون ضحكوا من أوهام دروسنين. فيما أوحى هو بأنّ التهديد لوحق، والهجوم أُحبط، والمعالجة كانت جذرية… حتى مقتل القذّافي بعد 15 عاماً!

المرّة الثانية التي تداخلت فيها النصوص والمعتقدات الدينية بالأحداث السياسية والعسكرية، كانت خلال عدوان إسرائيل على لبنان في تموز 2006

2006: لماذا لم تدخل إيران الحرب؟

المرّة الثانية التي تداخلت فيها النصوص والمعتقدات الدينية بالأحداث السياسية والعسكرية، كانت خلال عدوان إسرائيل على لبنان في تموز 2006.

في حمأة تلك الحرب وبعد أسابيع قليلة على اندلاعها، أعلنت طهران تحديد يوم 22 من ذاك الشهر، للردّ على طلب الأمم المتحدة منها وقف تخصيب اليورانيوم.

كانت المهلة الأممية للجواب الإيراني حتى نهاية الشهر. لكنّ نظام الملالي يومها، مع محمود أحمدي نجاد المتشدّد دينياً، قرّر أنّ الجواب سيُعلن في 22 آب بالذات. وهو ما أثار تساؤلات: لماذا هذا النهار لا سواه؟ ولماذا قبل 9 أيام من المهلة؟

سالت التحليلات والقراءات. لكنّ أكثرها غرابةً وسورياليةً جاء من برنارد لويس. المفكّر الأميركي الصهيوني الشهير.

في بحث له طويل معمّق في صحيفة وول ستريت جورنال، شرح لويس مفهوم الحروب الرؤيوية الأبوكاليبسية لدى المتديّنين. من هرماجدعون إلى هاجوج وماجوج، انتهاء بعودة المهدي لدى الشيعة. هي عودة يؤكّد لويس أنّها تتزامن في اعتقاد أصحابها، مع ذكرى الإسراء والمعراج، التي شاءت مصادفةُ الروزنامة أن تكون ذلك العام في 22 آب بالذات. وهو ما جعل لويس يخلص إلى احتمال أن يكون جواب إيران، حرباً نووية تنطلق من الردّ على عدوان إسرائيل على لبنان، مؤيّداً استنتاجه باستشهادات خمينيّة من كتب إيران المدرسية، تؤكّد أنّ الخيار واضح، فـ”إمّا أن يصافح واحدنا الآخر احتفالاً بانتصار الإسلام في العالم، وإمّا أن ندخل جميعنا الحياة الأبدية شهداء. وفي الحالتين النصر والفلاح سيكونان من نصيبنا”!

مضى 22 آب 2006 بلا نهاية عالم. لكنّ العالم ظلّ مهجوساً بنهايته…

غزّة: نهاية دولة إسرائيل؟

الآن، مع حرب غزّة تندلع حرب ثالثة بين النصوص والمعتقدات الغيبيّة. من جهة، اعتقاد بعض الصهاينة بلعنة العقد الثامن انطلاقاً من مقولة أنّ التجربتين التاريخيتين السابقتين لقيام إسرائيل، مع الملك داود وفترة الحشمونائيم، لم تتخطّ كلّ منهما 80 سنة. وتفكّكت كلّ منهما وزالت في عقدها الثامن. وها هي دولة إسرائيل التي أُعلنت قبل 75 سنة، على مشارف عقدها الثامن ونبوءة زوالها.

فيما كان الناشطون الإسلاميون يعيدون نشر حديث تلفزيوني لمؤسّس حماس، الشيخ أحمد ياسين، من عام 1999، يؤكّد فيه اعتقاده بأنّ إسرائيل لن تكون موجودة سنة 2027. وذلك استشفافاً للقاعدة القرآنية بأنّ الأجيال تتغيّر كلّ 40 سنة. الأربعون الأولى، يقول ياسين، من 1947 حتى 1987 كانت لجيل النكبة. بعده جاء جيل الانتفاضة والثورة. ثمّ يخلفه جيل الانتصار…

إقرأ أيضاً: بعد المأساة يلوح شبح تهجير قسري آخر

اللافت أنّ قراءة ياسين تتطابق في حساب الروزنامة، مع فوبيا العقد الصهيوني الثامن. أمّا شيفرة دروسنين فتنبّأت باغتيال نتانياهو قبل سنة 2000. لكنّ الكاتب أضاف أنّها كانت نبوءة غير قاطعة، وأمكن تجنّب تحقّقها… حتى اليوم.

هكذا هو الأمر إذن. هي حرب آلهة وسماوات، بواسطة البشر وعلى أرضهم. وما علينا نحن عبيد الآلهة، إلا قبول الموت لأجلها، بفرح ونشوة عظيمين. رحم الله نيتشه، أو لعنه. كم كان غريباً عن أرضنا وبشرنا ومنطقتنا ومنطقنا، حين أعلن أنّ “الله قد مات”، متوهّماً بذلك أن يحيا الإنسان!

أمّا فلسطين، فقضية إنسانية أوّلاً وأخيراً. قضية إنسان مدرك أنّ على أرضها “ما يستحقّ الحياة”. وهو وحده سينتصر.