حصار غزة والتداعيات الإنسانية: جريمة حرب مكتملة الأركان

حصار غزة والتداعيات الإنسانية: جريمة حرب مكتملة الأركان

تحول قطاع غزة تدريجياً منذ 2007 إلى “سجن كبير”، تزيد أعداد قاطنيه يوماً بعد يوم لتصل إلى 2.3 مليون نسمة، بينما تقل مساحته تدريجياً بفعل ممارسات الحكومة الإسرائيلية الاستيطانية مخالفةً لقرارات الأمم المتحدة.

غزة هي شريط ساحلي محاط برياً بمستوطنات غلاف غزة وممر بري بينه وبين مصر، لا يملك أي مقدرات اقتصادية ، ويعتمد في إمداداته بمقومات الحياة على معابر وممرات تتحكم فيها إسرائيل. ولأن الأخيرة اعتادت انتهاك القوانين الدولية وعدم الاكتراث بقرارات الأمم المتحدة، مارست سياسات خانقة على القطاع وأهله على مدار 16 عاماً، حتى أصبحت الحياة فيه خانقة وصعبة، بل وتتصف بكل مظاهر الممارسات الاستعمارية والاستيطانية التي باتت جزء من سرديات التاريخ في كل العالم، عدا “غزة” ومدن أخرى من فلسطين المحتلة، لتبقى غزة عنوان ونموذج “الاحتلال الاستيطاني الأخير” في العالم.

وعقب التحرك العسكري المفاجئ الذي قامت به “كتائب القسام” باتجاه “مستوطنات” مدن غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023، ومن ثم قيام إسرائيل بإعلان حالة الحرب والاستنفار العام وشن ضربات صاروخية شديدة العنف على قطاع غزة لمدة 10 أيام – حتى كتابة هذا التقرير-قررت حكومة إسرائيل فرض “حصار” كامل على قطاع غزة، وهو ما يعني تحول غزة من “سجن” يسمح بتمرير الكهرباء والطعام والعلاج بصعوبة إلى “صندوق” مغلق تماماً بلا ماء أو كهرباء أو طعام أو دواء، بداخله 2.3 مليون إنسان تحت القصف المتواصل والعشوائي – مع عدم وجود ملاجئ آمنة-بما يعنى مزيداً من القتلى والجرحى دون مرافق أو خدمات للموتى ولا الأحياء.

هنا يثور التساؤل عن حجم التداعيات الإنسانية لهذا الحصار المفروض من قبل حكومة إسرائيل اليمينية المتشددة وبمباركة وتأييد الولايات المتحدة.

كما يفرض سؤال آخر نفسه في خضم هذه الأحداث الكبرى: ما مدى قانونية فرض حصار على هذا الكم من المدنيين وأغلبهم من الأطفال؟ خاصة في ظل صعوبة خروجهم كنازحين أو لاجئين كما هو الحال بالنسبة لمواطني الدول التي تشهد صراعات مسلحة، وذلك للطبيعة الخاصة جداً للقضية الفلسطينية التي يمثلها ويدافع عنها الفلسطينيون داخل قطاع غزة والضفة الغربية وكافة المدن الفلسطينية المحتلة. وأخيراً ما هي سيناريوهات فك هذا الحصار ولو جزئياً؟

التداعيات الإنسانية: ماذا يعني “حصار” مدينة؟
أصبحت غزة اليوم تعاني من كارثة إنسانية كبرى، لكنها لا تصنف من الكوارث الطبيعية أو البيئية، بل هي كارثة إنسانية بفعل الآلة الحربية الإسرائيلية المتواصلة.

وفقًا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (OCHA) – الأراضي الفلسطينية المحتلة (التحديث التاسع) في 16 أكتوبر 2023 – أي أن البيانات التالية عما وصلت إليه التداعيات الإنسانية في العشرة أيام الأولى فقط: قُتل أكثر من 2,670 فلسطيني في الهجمات الإسرائيلية، وكان من بين الضحايا 600 طفلاً، وأصيب 9600 فردًا.

استمر النزوح الجماعي خلال الـ 24 ساعة الماضية في جميع أنحاء قطاع غزة، وقد ارتفع العدد التراكمي للنازحين بنسبة 30% خلال الـ 24 ساعة الماضية، ليصل الآن إلى 600 ألف شخصًا، يعيش أكثر من ثلثيهم في مدارس الأونروا. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد أكثر. وهذه الزيادة الكبيرة والمطردة تفرض على المنظمات الإنسانية –العاملة داخل القطاع-تلبية احتياجات النازحين الأساسية من المأوى والفراش والغذاء والمياه ومرافق الصرف الصحي، في ظل انعدام كامل للأمن وإغلاق كامل للإمدادات.

منذ بداية التصعيد، ألحقت الغارات الجوية الإسرائيلية أضرارًا بسبع مرافق للمياه والصرف الصحي والنظافة في شمال غزة، والتي كانت توفر في السابق خدمات المياه والصرف الصحي لأكثر من 1,100,000 شخص (أي ما يعني أن نصف عدد السكان تقريبًا بلا مياه أو خدمات صرف صحي). وفي بيت لاهيا وبقية المنطقة الشمالية، تتراكم مياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة في الشوارع بسبب الأضرار التي لحقت بخطوط الصرف الصحي والبنية التحتية. وقد وثّقت منظمة الصحة العالمية 48 هجمة على مرافق صحية داخل القطاع، تم تسجيلها في نظام مراقبة الهجمات على مرافق الرعاية الصحية التابع لمنظمة الصحة العالمية. وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 12 من العاملين في مجال الرعاية الصحية، وإصابة 20، وأثرت على 18 منشأة للرعاية الصحية وما لا يقل عن 20 سيارة إسعاف.

تشير التقارير الأولية إلى أنه تم قصف 144 منشأة تعليمية، بما في ذلك 20 مدرسة تابعة للأونروا، و165 مدرسة تابعة للسلطة الفلسطينية. ولليوم الثامن على التوالي، لم يتمكن أكثر من 600 ألف طفل في غزة من الوصول إلى التعليم أو الوصول إلى مكان آمن.

منذ مساء يوم 7 أكتوبر، توقفت السلطات الإسرائيلية عن بيع وتزويد الكهرباء لقطاع غزة، مما أدى إلى خفض ساعات الكهرباء إلى 3-4 ساعات يوميًا.

وجاء في (التحديث 5) لتقرير OCHA، أنه في تمام الساعة 14:00 يوم الأربعاء 11 أكتوبر، نفد الوقود من محطة توليد كهرباء غزة وتوقف تمامًا عن العمل، مما أدى إلى قطع مصدر الكهرباء الوحيد في القطاع. وحذرت السلطات الإسرائيلية من أنها ستهاجم المحطة إذا تم تزويدها بأي وقود وأعادت تشغيلها. ونتيجة لذلك، رصد (التحديث 9) بتاريخ 16 أكتوبر أن القطاع يقبع تحت ظلام دامس لليوم الخامس على التوالي. كما يشير إلى أن احتياطات الوقود في المستشفيات ستصمد مدة أربعة وعشرين ساعة فقط، مما يعرض حياة الآلاف من متلقي الرعاية الصحية للخطر في حال توقف مولدات الطاقة.

ويعني انقطاع الكهرباء أنه لا يوجد ما يكفي من الطاقة لتشغيل آبار المياه وضخ المياه من خلال النظام، ونتيجة لذلك، خرجت آخر محطات تحلية المياة في غزة من الخدمة بما يهدد حياة الآلاف نتيجة الجفاف وانهيار منظومة النظافة العامة، كما تأثرت خدمات الصرف الصحي في جميع أنحاء قطاع غزة. وتوقفت محطات معالجة مياه الصرف الصحي في غزة عن العمل بسبب نقص الوقود، ويتم التخلص من أكثر من 120 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي في البحر يوميًا. كما انقطعت تمامًا إمدادات المياه من إسرائيل منذ مساء يوم 8 أكتوبر، مما تسبب في نقص حاد في مياه الشرب لأكثر من 650 ألف شخص.

واستهدفت الغارات الجوية العديد من منشآت الاتصالات، مما أدى إلى تدمير اثنين من الخطوط الرئيسية الثلاثة للاتصالات المتنقلة. ويعتمد سكان غزة الآن على خط واحد فقط للاتصالات عبر الهاتف المحمول والإنترنت، مما يؤدي إلى انقطاع خدمات الهاتف المحمول والإنترنت.

قانونية فرض الحصار: حرب أم جريمة حرب؟
وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وعلى لسان المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإن فرض الحصار والذي من شأنه تهديد حياة المدنيين بحرمانهم من السلع والخدمات الأساسية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة هو أمر مخالف للقانون الدولي الإنساني، وما لم يكن هناك ضرورة عسكرية تبرره، فإنه يصنف أحد مظاهر العقاب الجماعي والذي تجرمه اتفاقية جنيف للقانون الدولي في البروتوكول الثالث في المادة 87 والبروتوكول الرابع في المادة 33 وملحقها في المادة 50، والقاعدة رقم 103 من القانون الدولي الإنساني العرفي، كما أنها أشارت إلى أن فرض قيود على حركة الأفراد والبضائع الذي من شأنه تهديد حياة المدنيين هو أمر محظور بموجب القانون الدولي.

وبناء عليه، يعتبر الاستهداف الأخير لمعبر رفح انتهاكًا واضح للقانون الدولي، وما ترتب عليه من تراجع للشاحنات المصرية عن الوصول إلى غزة نتيجة الخطر الذي يعترضها في حال محاولة عبور المعبر.

الحصار وممارسات التجويع من الممارسات المشروعة في حالات النزاعات المسلحة وذلك تجاه العسكريين فقط، ولكن القانون الدولي الإنساني يمنع ممارسات التجويع ضد المدنيين. وعلى الرغم من أهمية تضمين هذا المبدأ في معاهدة جنيف، إلا أن صياغة المبدأ كانت غامضة وهو ما سمح للأطراف التي تفرض الحصار باستغلال هذه الثغرة، لأن النص القانوني يمنع التجويع ولكنه لا يحظر الحصار نفسه، كما أنه لا يضم أيضاً التجويع كنتيجة مستقبلية –وليس فعلاً متعمداً– خاصة وأنه يتزامن مع قصف للمناطق المحاصرة من أسواق تجارية وبنية تحتية ضرورية لاستمرار الحياة وقطع المياه.

وقد فتح ذلك الباب لتفسيرات قانونية مفادها أن المقصود هو السماح لبعثات الإغاثة الانسانية بالدخول بدون إدانة قانونية لفعل الحصار ذاته بما يسمح باتخاذ أى إجراء عسكري دولي لكسره، خاصة وأن أي دولة معتدية تمارس الحصار دائماً ما تتظاهر بأنها تتعرض لتهديد عسكري وأن هدفها ليس تجويع المدنيين.

ويضع ذلك عبئاً آخر على القانون الدولي الإنساني وهو ضرورة الحصول على الإذن من أي من الأطراف ذات المصلحة للسماح لبعثات الإغاثة الإنسانية. إضافة إلى أن “دليل أوكسفورد” لعمليات الإغاثة الإنسانية في حالات النزاعات المسلحة يصف الامتناع عن السماح بإدخال المساعدات الإنسانية بأنه أمر تعسفي، في حالة انتهاك الدولة لالتزاماتها تجاه المدنيين أمام القانون الدولي.

وفي حالة فرض الحصار على غزة الآن، نحن أمام حالة من الوضوح الشديد بسبب تصريحات المسئولين الإسرائيليين الواضحة والفجة في ذات الوقت والموجهة ضد المدنيين بدون أدنى خلط أو لبس، ومن ثم تدين إسرائيل إدانة مباشرة بارتكاب جريمة استخدام سلاح الـ “تجويع” بحق مدنيين دون تمييز. وذلك لأن الحصار المشروع بالمعني العسكري والقانوني وفقاً للقانون الدولي الإنساني، يجب أن يكون موجهاً لمسلحين في بقعة ما بهدف إجبارهم على الاستسلام، وهو أمر يختلف تماماً عن مفهوم تجويع المدنيين الذي لا يميز بينهم وبين المسلحين ويهدف إلى القضاء على البشر تماماً، وهو ما يظهر جلياً في تهديد ووعيد المسئولين وما تبعها من تنفيذ هذا التهديد. لذا، ما ترتكبه إسرائيل الآن، وبموجب القانون الدولي يمثل – بلا أدنى لبس-إبادة جماعية بحق شعب بعينه.

الإبادة الجماعية (Genocide) –كجريمة قانونية- تعرف بأنها: ارتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل:

أ- قتل أعضاء الجماعة.

ب- إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة.

ج- إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كلياً أو جزئياً، منها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء لإهلاك السكان.

د- فرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة.

هـ – نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أخرى.

وتعتبر الإبادة الجماعية إحدى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي نص عليها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهي الجرائم التي ترتكب في سياق نزاع دولي مسلح انتهاكاً لاتفاقيات جنيف والقوانين والأعراف السارية على النزاعات الدولية.

أما مفهوم العقاب الجماعي collective punishment فيعرف في القانون الدولي على النحو التالي: (عقاب يتم ممارسته تجاه كل الأشخاص بدون تمييز -بما فيهم المحميين بموجب القانون الدولي في حالة الحرب- نتيجة لأفعال بعض الأفراد أثناء الصراع المسلح). يعتبر فرض العقاب الجماعي جريمة حرب لأنه يعاقب الأفراد على أفعال لم يرتكبونها.

من جهة أخرى، واستناداً إلى المادة رقم 32 من اتفاقيات لاهاي 1907، التي تمنع هدم أو انتزاع المنازل والأراضي الزراعية والممتلكات الخاصة في حالات النزاعات المسلحة إلا لمقتضيات الضرورة في النزاعات المسلحة، تمثل الضربات الإسرائيلية الموجهة عمداً إلى المنازل والممتلكات الخاصة خرقاً لهذا القانون.

فضلًا عن أن المادة رقم 53 من معاهدة جنيف الرابعة تتضمن عدم أحقية “قوات الاحتلال” من تدمير الأملاك الخاصة بالمحتلين: (يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير). والقانون الدولي الانساني لا يترك مسألة الضرورة العسكرية بدون تنظيم، حتى لا يساء استخدامها، بل يضع ضوابط لهذه الضرورة. وتشدد اتفاقيات لاهاي وجنيف على ضرورة وجود تهديد حقيقي، وألا يكون إجراء هدم ونزع الملكية استباقياً أو انتقامياً لردع أو ترهيب المدنيين.

مما سبق يتضح أن القصف العشوائي والمستمر لقطاع غزة، وتعطيل مرافق الصحة والخدمات والصرف، فضلاً عن منع وصول الكهرباء والمياه النظيفة والغذاء، يمثل “عقاباً جماعياً” وجريمة حرب بحق 2.3 مليون شخص أغلبهم من الأطفال يعيشون محاصرين في غزة بين أراضٍ فلسطينية محتلة وبين معبر مغلق – بالقوة- في الجانب المصري وحاملتى طائرات أمريكيتين في البحر المتوسط.

ممرات الخروج من الحصار
– الممر الأول

يمثل العرض الأمريكي بالتفاوض حول ما أسمته الخارجية الأمريكية “ممراً آمناً”، عرضاً ما زال يحمل الكثير من الغموض، إلا أنها غالباً مشاوراتها تستهدف بشكل أساسي خروج الفلسطينيين من غزة إلى رفح المصرية لتلقي الرعاية الصحية، بدلاً من دخول المساعدات من مصر إلى غزة، وهو ما ترفضه مصر والفلسطينيون على حد سواء، لأنه يعني تفريغ القضية الفلسطينية من حقوق الفلسطينيين في البقاء داخل حدودهم المعترف بها دولياً.

– الممر الثاني

تفعيل القانون الدولي والدفع لإصدار قرار أممي بتأمين دخول المساعدات الإنسانية عبر المنظمات الدولية المسئولة، خاصة وأن البرازيل التي تترأس مجلس الأمن في هذه الدورة قد دعت لاجتماع عاجل في 13 أكتوبر لمناقشة الأوضاع في غزة. وعلى الرغم من أن الرئيس لولا دا سيلفا قد أدان هجمات حماس المباغتة على إسرائيل في نفس يوم انطلاقها 7 أكتوبر، إلا أن بيان الخارجية البرازيلية في الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن الذي دعت له البرازيل في 9 أكتوبر جاء متوازناً ومحملاً إسرائيل السبب في استمرار النزاع الفلسطيني الإسرائيلي واستمرار التضييق على قطاع غزة على مدار 16 عاماً.

– الممر الثالث

الوساطة المصرية لضمان تأمين تمرير المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح في مقابل إدارة الجانب المصري لملف الأسرى مزدوجي الجنسية لدى قوات حماس، وقيام مصر بدور تنسيقي مهم بين الأطراف الدولية الراغبة في إرسال المساعدات وبين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتأمين عبورها بشكل آمن.

ختاماً، يتضح أن الصورة القاتمة في غزة لا تقف عند عدد القتلى والجرحى ولكنها صورة مكتملة الأركان لتوقف تام لمصادر الحياة والبقاء لملايين البشر داخل أرضهم، وأن الحصار على غزة أكثر قسوة وضرراً من الضربات الصاروخية، لأن الأحياء من الجرحى وغيرهم لن يتمكنوا من الاستمرار في العيش بلا مياه نظيفة أو كهرباء أو طعام، وبعد أيام قليلة أو ربما ساعات مع انقطاع الكهرباء وهدم شركات الاتصالات سيفقد العالم الاتصال بالمحاصرين داخل القطاع، ولن نعرف الكثير عن تفاقم التداعيات الإنسانية وتدهور الحياة هناك.

ومع الأخذ في الاعتبار أن النزوح يعد حلاً لا يملكه أهل غزة كما هو الحال في حالة نزوح أي من البشر في أماكن الصراعات المسلحة ثم عودتهم عقب نهاية الصراع، وذلك نظرا لالتزامهم التاريخي بالدفاع عن قضيتهم بالبقاء في أرضهم حتى لا يتحول الاحتلال إلى استيطان كامل ونهائي بلا حق للعودة للفلسطينيين، ومن ثم يصبح نزوح أهل غزة أحد الحقوق الإنسانية والقانونية غير المملوكة لهم أيضاً.

لذلك تأتي أهمية وحتمية وجود مخرج آمن للكارثة الإنسانية لسكان غزة أولاً، ثم حتمية إيجاد مخرج للصراع المسلح الدائر بين الطرفين ثانياً، ثم أخيراً أهمية تسوية الصراع السياسي الأكبر والأقدم حول إنهاء الاحتلال والرجوع إلى تفعيل قوانين الأمم المتحدة واحترام حدود 1967.