غيّر حدث 7 تشرين أول/أكتوبر الديناميّات الجيوسياسية في العالم والمنطقة العربية استفاق الإسرائيليون، بداية، على هجوم غير مسبوق أدى، حسب أرقام الدولة العبرية، إلى مصرع 1400 شخص، بينهم قرابة 400 جندي، وأسر حوالي 240 رهينة، وتبعت ذلك موجة انتقام وحشيّ هائلة من إسرائيل، دمرت أكثر من ثلث غزة وحصدت، حتى الآن، 11 ألف و78 روحا من أرواح أهالي غزة.
حرّكت الولايات المتحدة الأمريكية حاملات طائرات وغواصة نووية ونقلت وحدات جنود خاصة للتدخل، وزودت إسرائيل بالذخائر والأسلحة والدعم السياسي الهائل، وتبعها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، و«قمة السبع» والهند، ودول أخرى، فيما لعبت الصين وروسيا أدوارا دبلوماسية مغايرة للمواقف الغربية في مجلس الأمن، واتخذت دول آسيوية وأفريقية وأمريكية لاتينية، مثل اندونيسيا وجنوب افريقيا وبوليفيا، مواقف متميزة لصالح الفلسطينيين، وانعكس الموقف العالمي المناهض لإسرائيل والغرب في قرار أممي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار.
كان موقف مصر والأردن، المجاورتين لحدود إسرائيل واللتين لديهما اتفاقيتا سلام معها، هو أبرز أشكال الانخراط العربي، غير أن هذا الانخراط، الذي يمكن وصفه بالدفاعي، تركز على تجنب قيام إسرائيل بتحميلهما تداعيات الحدث المزلزل عبر تطبيق خطة «تطهير عرقي» للفلسطينيين في اتجاههما، حيث اعتبر رئيس وزراء الأردن، بشر الخصاونة، أن تهجير السكان من غزة أو الضفة الغربية سيكون «إعلان حرب» فيما أوضح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للمنظومتين الإقليمية والدولية رفضه الجازم أن تستخدم سيناء لاستقبال النازحين الفلسطينيين.
بسبب وضع نظام بشار الأسد المتهالك والأقرب إلى حال الدولة الفاشلة، فقد تحوّلت أراضي سوريا إلى مجال لتبادل الرسائل بين إيران وأمريكا (وبشكل أقل القواعد الأمريكية في العراق) حيث تبادل الطرفان، وما زالا، جولات من المحاولات المضبوطة عبر القصف بالمسيّرات والصواريخ، كما قام «حزب الله» اللبناني (و»كتائب القسام» في لبنان) بمحاولات أكثر شدة وعنفا، لكنّها تبقى أقل من التدخّل الواسع الذي يمكن أن يتحوّل إلى حرب ضد لبنان، وقد يهدد بالاتساع إلى حرب مع إيران والقوات الحليفة لها في مناطق نفوذها العربية.
شهد «الربيع العربي» شهد نظما ديمقراطية تضم حركات إسلامية، وهو ما ساهم في عداء بعض الدول العربية لتلك الحركات، تضافر ذلك مع اشتداد الصراع العربي الإقليمي مع إيران (وتركيا) ولعب الأمران دورا في لجوء «حماس» (التي طوردت عربيا بحيث صار الاتصال بها تهمة) إلى طهران، وفي احتساب تلك الدول العربية لحركة المقاومة الإسلامية على الجمهورية الإسلامية.
جاء هجوم «حماس» ليعيد خلط الأوراق العربية والإقليمية والعالمية: لقد أوقفت المجازر الإسرائيلية، عمليا، المسير العربيّ المتصاعد للتطبيع مع إسرائيل (الذي عرف باتفاقات إبراهيم) والذي شمل الإمارات والبحرين والمغرب، وكان هذا الاتجاه، من العناصر التي حرّكت الهجوم، فقد تجاهلت هذه الاتفاقات بشكل فاضح، حقوق الفلسطينيين في إنشاء دولة، وتزامن ذلك مع تصاعد شراسة أحزاب الصهيونية الدينية التي أخذت توجّه الحكومة الإسرائيلية، فشهد الفلسطينيون مرحلة دموية ارتفع فيها مدّ الاعتداءات والانتهاكات وخطط التسفير واقتحامات الأقصى.
أظهرت الحرب على غزة، حاليا، مشهدا جديدا تحضر فيه، على المستوى الفلسطيني، ما يشبه نكبة ثانية لا أحد يعلم تفاصيل نهايتها، ولا يمكن احتساب ارتدادات آثارها على العرب والإقليم والعالم، غير أن الأكيد أن العدوان الهمجي الإسرائيلي صار حاضرا في كل بيت في العالم العربي والإسلامي، كما أن الفظاعة الإسرائيلية صارت موضوعا للنقاش في العالم، وبشكل لا يمكن للانحياز الرسمي والإعلامي الغربي أن يتجاوزه.
تعاني المنطقة العربية من أشكال الحروب الأهلية الواضحة (سوريا، اليمن، السودان) كما تعاني من أشكال الاستبداد، والفساد، والعداء للديمقراطية، وقد دفع حدث فلسطين البعض لعقد قمم شعبية (كما فعل الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي) فيما قام الآخرون بالتظاهر وبأداء صلاة الغائب.
في هذه الأثناء، ستبدأ اليوم السبت قمتان عربية وإسلامية، في السعودية، لبحث الحرب على غزة، فهل ستكتفي القمتان بصلاة الغائب، أم ستكون فرصة لإظهار أصوات شعوبها الداعمة للفلسطينيين ولإعلان عودة الروح العربية؟