ضبط النفس الأميركي إزاء الأذرع الإيرانية مؤشّر سلبي للسعودية

ضبط النفس الأميركي إزاء الأذرع الإيرانية مؤشّر سلبي للسعودية

برودة الأعصاب التي تبديها الولايات المتّحدة إزاء تهديدات وكلاء إيران لقواتها ومصالحها في المنطقة لا تؤشّر فقط على عدم استعدادها للانخراط في صراع لم تختر مكانه وزمانه، لكنّها تتضّمن أيضا رسالة إلى المملكة العربية السعودية بأنّها لا تستطيع مستقبلا التعويل على واشنطن في مواجهة هؤلاء الوكلاء خصوصا وقد اختارت التصالح مع مشغّلتهم الأصلية.

الرياض- يحمل التزام الولايات المتّحدة بسياسة ضبط النفس حيال الاستفزازات التي تتعرض لها قواتها في المنطقة من قبل وكلاء إيران في العراق واليمن، مؤشّرا سلبيا للمملكة العربية السعودية التي ما تزال تعوّل على تحالفها مع الجانب الأميركي في ضمان أمنها، رغم ما تعلنه من إجراءات لتقوية قدرتها الدفاعية الذاتية.

وتجنّبت القوات الأميركية، إلى حدّ الآن، الردّ على إسقاط طائرة مسيرة تابعة لها من قبل جماعة الحوثي في اليمن، بينما اكتفت بردّ محدود على استهداف الميليشيات الشيعية لمواقع تمركز قواتها في كل من سوريا والعراق، تمثّل في ضربتين محدودتين لمنشأتين تابعتين للحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي السورية.

وتحمل “برودة الأعصاب” الأميركية إزاء الاستفزازات التي تعلم يقينا أنّ إيران هي من تقف وراءها رسالة مفادها أنّ الولايات المتّحدة غير مستعدة للانجرار في صراع واسع النطاق في الشرق الأوسط حتى لو كان بدافع الوقوف إلى جانب حليفتها الأوثق إسرائيل.

لكنّها تتضمن رسالة أوضح للسعودية مفادها أنّ القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة غير مستعدّة لحمايتها من هجمات وكلاء إيران وخصوصا الحوثيين الذين لم يتردّدوا في مناسبات كثيرة سابقة في توجيه ضربات للمملكة لم يستثنوا منها منشآتها النفطية بالغة الحيوية.

وقد تشمل معاني الرسالة الأميركية للسعودية، بحسب المراقبين، أنّ على الرياض أن تتحمّل مسؤولية خيارها المضي بشكل منفرد في التصالح مع إيران دون حصولها على ضمانات واضحة من قبل الأخيرة بكف أيدي وكلائها عن التعرّض للمملكة وتهديد أمنها.

وبحسب هؤلاء، فإنّ المصالحة مع إيران تصبح بمثابة ورطة للسعودية التي ستكون قد منحت جائزة لطهران على سياستها المزعزعة لاستقرار الإقليم، فيما ساهمت في المقابل في تشجيع حليفتها الولايات المتّحدة على المضي في تراجعها عن التزامها القديم بأمن المملكة، دون أن تكون قد حصلت على بديل لذلك.

وكانت الرياض تعوّل على أن ينعكس تقاربها الكبير مع غريمتها إيران على الوضع في اليمن المجاور بحيث يسمح للمملكة بخروج آمن وسريع من الصراع هناك عبر إبرام صفقة سلام عاجلة مع الحوثيين.

لكن تبيّن أنّ العملية أكثر تعقيدا وقد تأخذ وقتا أطول بسبب تمسك جماعة الحوثي بمطالب تعجيزية واستعدادها لاستئناف تصعيد الحرب مجدّدا.

وعلى مدى أبعد فإنّ السلام الذي تنشده السعودية في اليمن لا يضمن لها الهدوء على حدودها الجنوبية حيث لن يؤدي سوى إلى تركيز سلطة الحوثيين الذين تنظر إليهم المملكة باعتبارهم مجرّد وكلاء لإيران، وقد دخلت الحرب ضدّهم على هذا الأساس وتحمّلت في سبيل ذلك تكاليف مالية باهظة.

وحتى لو ضمنت السعودية التزام الحوثيين بعدم التعرّض، بشكل مباشر، لأمنها فإنها لا تستطيع أن تضمن انخراطهم في صراعات وقلاقل مع جهات أخرى، على غرار ما هم بصدده الآن من محاولة للتدخل في الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو سلوك مضادّ بالكامل للاستقرار الذي تعمل المملكة على تحقيقه في محيطها حتى تتمكّن من تنفيذ رؤيتها الاقتصادية الطموحة التي تقوم على جلب الاستثمارات الخارجية والتحوّل إلى قطب سياحي.

ويرى محللو الشؤون الأمنية والدفاعية أن السعودية ما تزال بعيدة عن الاستغناء بشكل كامل عن حاجتها إلى الولايات المتّحدة في تأمين مجالها ومواجهة أي أخطار قد يشكّلها حلفاء إيران على أمنها.

وتجلّى ذلك في زيارة قام بها وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مؤخرا إلى واشنطن في أوج التصعيد الذي تشهده الحرب في غزّة وكشفت بحسب المحلّلين عن عدم استعداد السعودية للابتعاد عن الولايات المتّحدة ولتغيير المعادلة الأساسية التي حكمت التحالف المتين معها والقائمة على ضمان أمن المملكة مقابل تأمين المصالح الأميركية الاقتصادية والمالية والسياسية لديها.

لكنّ الأمير خالد لم يحصل خلال الزيارة التي التقى خلالها نظيره الأميركي لويد أوستن سوى على وعود أميركية فضفاضة يجري تكرارها بشكل بروتوكولي في مثل تلك اللقاءات بشأن مواصلة العمل الثنائي لمواجهة التهديدات في المنطقة.

وتشكّك عدّة جهات بما في ذلك سياسيون أميركيون في جدّية إدارة الرئيس جو بايدن في مواجهة تمدّد إيران في المنطقة عن طريق وكلائها من حركات سياسية وفصائل مسلّحة.

وتصل الشكوك حدّ القول إنّ واشنطن تريد من طهران كف أيدي ميليشياتها عن التعرض للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، دون أن ترغب فعلا في تحجيم إيران بشكل يخلّ بالتوازن لمصلحة السعودية، وذلك تطبيقا لسياسة أميركية قديمة تقوم على احتواء الدول عبر الحفاظ على قدراتها على التصارع في ما بينها.

وطالب السيناتور الأميركي مايك غالاغر بالردّ على قيام الحوثيين بإسقاط طائرة أميركية دون طيار من طراز أم كيو 9. وقال في بيان “منذ السابع عشر من أكتوبر الماضي شن الإرهابيون المدعومون من إيران ما لا يقل عن واحد وأربعين هجوما استهدفت عسكريين أميركيين ما أدى إلى إصابة خمسة وأربعين فردا منهم”.

وانتقد غالاغر وهو عضو في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب ولجنة المخابرات بمجلس النواب الأميركي اكتفاء إدارة بايدن في الرد على ضربات الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا بضرب منشأة تابعة للحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي السورية، معتبرا ذلك “رد فعل غير كاف على الإطلاق، ولن يردع الهجمات المستقبلية”.

◙ السعودية ما تزال بعيدة عن الاستغناء بشكل كامل عن حاجتها إلى الولايات المتّحدة في تأمين مجالها ومواجهة أي أخطار قد يشكّلها حلفاء إيران على أمنها

وأضاف في بيانه “هذا هو التعريف الحرفي للجنون ولن يؤدي إلاّ إلى تشجيع المزيد من الهجمات ضد المصالح وأفراد الخدمة الأميركية في المنطقة”، مطالبا بايدن بـ”استعادة الردع في الشرق الأوسط. والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي إظهار القوة الساحقة وإعادة فرض حملة الضغط القصوى ضد إيران ووكلائها الإرهابيين”.

ويخيم على العلاقة بين السعودية والولايات المتّحدة منذ سنوات توجّه جديد لدى واشنطن نحو تقليص حضورها في المنطقة وما يعنيه ذلك من تراجع عن التزامها القديم بحماية أمن المملكة.

وما يزال ذلك التوجّه قائما في ظل وجود جهات في واشنطن تطالب بتجنّب توريط القوات الأميركية بشكل مباشر في صراع بالشرق الأوسط مهما كانت الدوافع لذلك.

وجاء في تقرير لمجلة ذا ناشيونال إنترست أنّ الولايات المتحدة تحتاج مع دعمها “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس إلى اتخاذ خطوات استباقية لتجنب الانجرار إلى الحرب”.

ورأى محرّر التقرير غريغ بريدّي أنّ الخطوات الأميركية يجب أن تتضمّن “اتخاذ خطوات لإعادة انتشار القوات الأميركية بعيدا عن مواقعها الأكثر عزلة وانكشافا في سوريا حيث اكتملت مهمتها منذ فترة طويلة ويشكل وجودها الآن خطرا غير ضروري”.

العرب