طهران تراقص واشنطن على أنغام ضوابط الحرب

طهران تراقص واشنطن على أنغام ضوابط الحرب

تتراقص شياطين الحرب الإقليمية على حبال المآسي الفلسطينية المتواصلة فصولها من شمال غزّة إلى جنوبها ومستشفياتها حيث يُقتل الفلسطينيون بالجملة، إلى اقتحامات الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية حيث يُقتلون بالمفرّق، فيما يبقي الاستنزاف المضبوط على جبهة جنوب لبنان إمكانية اندلاع شرارة المواجهة وتوسيع الحرب قائمةً، بينما تتوالى الضربات على الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق من قبل “الحشد الشعبي”. وإن تراجعت في الأيام الأخيرة المخاوف من فتح الجبهات، تختبر طهران بين الفينة والأخرى عبر صواريخ ومسيّرات الحوثيين، استعدادات الحشد العسكري الأميركي للدخول في صدام مع أذرعها، بينما تتوالى التسريبات عن عمق خطوط التواصل الأميركي الإيراني تارة في سلطنة عُمان وأخرى في جنيف، وثالثة في قاعدة التنف على الحدود بين العراق وسوريا لخفض التوتّر، أوعبر قنوات أخرى بينها بيروت، في سياق إبعاد خيار توسيع الحرب.

تمديد الوقت لإسرائيل… وهنيّة والنفس الأطول
في الوقت نفسه لا يشي الواقع الميداني في غزّة بتأثير التواصل الأميركي الإيراني على خفض مآسي القتال في غزة ولا على أهدافه السياسية العالية السقف الهادفة إلى تحويل القطاع إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح لضمان أمن إسرائيل، من دون أيّ أفق سياسي لحلّ مستدام للقضية الفلسطينية ما بقي حديث الدولتين في إطار الترويج السياسي من قبل دول الغرب. فوظيفة هذا الترويج تقتصر على التغطية على استمرار الحرب، بالمفهوم الإسرائيلي، مع تمديد واشنطن للوقت المطلوب من قبل إسرائيل لإنجاز ما يمكن من أهدافها. ويمكن تصنيف هذا الترويج للبحث في اليوم التالي لانتهاء الحرب على غزّة وكيفية إدارة القطاع بعدها على أنّه جزء من الإدارة الدولية للعمليات القتالية، التي تساعد إسرائيل على تمديد الوقت، الذي تضيق مساحته كلّ يوم. ولذلك قال رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية في كلمته أول من أمس إنّ “نفسنا أطول” من نفس القادة العسكريين الإسرائيليين، متوعّداً بإسقاط الخسائر في جيش العدوّ على الرغم من نجاحه في دخول غزّة، واثقاً بالقدرة على إجبار حكومة بنيامين نتانياهو على “دفع ثمن” الإفراج عن الرهائن والأسرى الذين احتجزتهم وسائر الفصائل في عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول.

طهران حسب أحد الوزراء العرب لا تترك مناسبة في لقاءات بعض قادتها مع بعض المسؤولين العرب، إلا وتطرح الأسئلة حول ما يريده الأميركيون منها، وتوجّه الرسائل بطريقة مواربة

على الرغم من كلّ ذلك تتأثّر الجبهات الأخرى إيجاباً بالتواصل الأميركي الإيراني، مع أنّ الأمر يصبح محرجاً لطهران.

التواصل الأميركيّ الإيرانيّ يخفّض المواجهات
في سياق التدقيق بجهود منع توسّع الحرب التي ترتكز في شكل رئيسي على التواصل الأميركي الإيراني، وعلى ضغوط واشنطن على إسرائيل لخفض ما سمّاه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في حديثه مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، عمليات الجيش الإسرائيلي “الاستفزازية” للحزب على الحدود مع لبنان، برزت جملة وقائع:
1- أعقب أنباء التواصل بين طهران وواشنطن انخفاض ملحوظ في التحرشات بالقوات الأميركية في كلّ من العراق وسوريا. وعادت وتيرة العمليات العسكرية المتبادلة في الجنوب اللبناني إلى ما كانت عليه عند بدايتها، فلم يعد القصف يحصل في عمق الجنوب أو الشمال الإسرائيلي.
2- تراجعت في الأيام الماضية عمليات استهداف القوات الأميركية في سوريا والعراق، بعدما كانت يومية خلال الأسبوعين الماضيين. وانخفض إطلاق الصواريخ من قبل الحوثيين على إسرائيل وأهداف أميركية.

طهران تنفي أموراً دون أخرى
3- أن تنفي طهران ما نشرته “رويترز” عن أنّ المرشد الأعلى السيد علي خامنئي أبلغ إسماعيل هنية حين استقبله أواخر شهر تشرين الأول – مطلع شهر تشرين الثاني بأنّ طهران لن تخوض الحرب دفاعاً عن غزّة، بحجّة أنّها لم تكن على علم بالهجوم الذي نفّذته “حماس” في 7 تشرين الأول، كان مفهوماً وطبيعياً. وكذلك أن يصدر النفي عن “حماس”. يستغرب بعض المراقبين أن ينفي الجانب الإيراني هذه الأنباء وأن يمتنع عن التعليق على الأخبار التي تناولتها وسائل إعلام عديدة حول الاجتماعات بين مسؤولين إيرانيين مع مسؤولين أميركيين التي تناولت بين ما تناولته مسألة الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمّدة في العراق تناهز عشرة مليارات دولار أميركي هي ثمن غاز ونفط ابتاعتهما بغداد في السنوات الماضية.
4- أنّ النفي الإيراني والحمساوي لتقرير “رويترز” لم يحدّد أيّ جزء منه المقصود. يقول المنطق إنّه ينفي الجزء الذي يشير إلى أنّ طهران لن تخوض الحرب دعماً لـ”حماس”، لأنّه ليس مناسباً لها أن تكشف ورقة عدم دخول الحرب لهنيّة، فهذه الورقة مرتبطة بالحوار الأميركي الإيراني ولا تبيعها إلا لواشنطن. وأمّا الجزء الثاني الذي يتناول دعوة المرشد “حماس” إلى وقف الحملات المطالبة لإيران والحزب بالقيام بخطوات فعّالة أكثر في نجدة غزّة، فهو قابل للتصديق حسب بعض المتابعين لعلاقة طهران مع “حماس”، لأنّها دعوات صدرت عن قياديين من الحركة في طليعتهم رئيس المكتب السياسي في الخارج خالد مشعل، وتحرج فرق الممانعة.

السلوك الإيراني في القمّة وفي عدد من المناسبات الأخرى يشير إلى رغبة طهران بالإنفتاح على المجتمع الدولي

السعي إلى لعب دور الوسيط في إطلاق الرهائن؟
5- أنّ طهران حسب أحد الوزراء العرب لا تترك مناسبة في لقاءات بعض قادتها مع بعض المسؤولين العرب، إلا وتطرح الأسئلة حول ما يريده الأميركيون منها، وتوجّه الرسائل بطريقة مواربة حول إمكان معالجة بعض القضايا العالقة بينها وبين واشنطن، لتحسين العلاقات ورفع العقوبات. كما أنّ المسؤولين الإيرانيين يركّزون على وجوب وقف إطلاق النار في غزّة ويحرصون على إضفاء الإيجابية على دورهم فيُكثر وزير خارجيتهم حسين أمير عبد اللهيان من التمسّك بعدم الرغبة في توسيع الحرب. وتأخذ مواقفه في هذا الصدد أحياناً شكل التحذير من أنّ مواصلة إسرائيل اعتداءاتها على المدنيين تقود إلى توسّع الحرب، وفي الوقت نفسه يبلغ الأميركيين وبعض المسؤولين العرب بما يقوم به لمنع اتّساع الحرب.
6- أنّ طهران بالعلاقة مع حليفتها “حماس” تسعى إلى لعب دور وسيط في الحرب. فالوزير عبد اللهيان نصح “حماس” بعد بضعة أيام على “طوفان الأقصى” أن تفرج بسرعة عن الرهائن المزدوجي الجنسية، لا سيما الأميركيين وبعض الأوروبيين، لأنّ هذا يخفّف من الدعم الغربي لإسرائيل، وبالتالي للغطاء الذي نالته لمواصلة حربها ضد غزّة. وذهب عبد اللهيان إلى حدّ إبداء استعداد بلاده لتسلّم جزء من الرهائن لنقلهم إلى بلدانهم، على الرغم من الاستحالة اللوجستية والعملية للعب هذا الدور، حيث الدور الرئيسي هو لدولة قطر المدعومة للعب هذا الدور أميركياً وأوروبياً وعربياً، ولمصر لأنّها المعبر الإلزامي لانتقال الرهائن عند إطلاق سراحهم.

إقرأ أيضاً: طهران تساير القمّة… بانتظار الميدان والحوار مع الرياض؟

7- يؤكّد الوزير العربي لـ”أساس” أنّه على الرغم من إعلان الوزير عبد اللهيان أنّ بلاده كانت لها تحفّظات على قرارات القمّة العربية الإسلامية، أودعتها الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، من دون أن يوضح ماهية هذه الملاحظات، فإنّ الجانب الإيراني لم يعترض على فقرات القرار الصادر عن القمّة. وإذا كان التحفّظ تناول نصّ القرار على حلّ للقضية الفلسطينية على أساس الدولتين، فإنّه جاء من الجانبين التونسي والعراقي وليس من طهران. وفي اعتقاد الوزير نفسه أنّ طهران أبدت ليونة في القمّة. فالسلوك الإيراني في القمّة وفي عدد من المناسبات الأخرى يشير إلى رغبة طهران بالإنفتاح على المجتمع الدولي.