رغم أن إيران تنفي باستمرار أن تكون وراء الهجمات التي تشنّها مجموعات شيعية على قواعد تتمركز فيها قوات أميركية، سواء في العراق أو سوريا، يعتقد مراقبون للتصعيد أن ما يحدث هو صنيعها، وأن الهدف منه توجيه رسائل إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تفيد بأنها قادرة على إرباك الوجود الأميركي.
وتريد إيران أن تكون رسائل الإرباك مدروسة ومحسوبة بدقة لتحقق أهدافها، لكن المشكلة تكمن في أنها لا تقدر على ضبط المجموعات التي تتولى هذه المهمة بسبب تعدد المجاميع والتنافس بينها على القيادة والتأثير ولفت الأنظار، بما في ذلك تقديم كل مجموعة لنفسها على أنها الأقدر على استهداف الأميركيين.
ويدفع التنافس بين المجاميع الشيعية، التي تتحرك بشكل منفرد في الحصول على الأموال والأسلحة واستقطاب المقاتلين والأنصار، إلى استعراض كل مجموعة لقوتها عبر نشر أنشطتها وعملياتها في مواجهة الأميركيين بشكل يتجاوز ما تريده إيران وتسعى لضبطه ليكون ورقة في يدها للتفاوض مع واشنطن وفق شروطها.
وعلى عكس مركزية القرار والقيادة لدى حزب الله في لبنان، الذي يلتزم بخطط وأجندة إيران بشكل دقيق، فإن المجاميع الشيعية في العراق، رغم إعلان ولائها لإيران، يصعب التحكم فيها وإلزامها بتحرك مقيد ومحسوب.
على عكس مركزية القرار والقيادة لدى حزب الله في لبنان، يصعب التحكّم في المجاميع الشيعية بالعراق
وإلى حد الآن تتولى القوات الأميركية الرد بشكل جزئي على منفذي الهجمات، لكن تزايد عدد الهجمات وتسارع وتيرتها قد يدفعان إلى رد فعل أميركي أشمل لا يقتصر على استهداف المنفذين وبعض مواقع تمركزهم في العراق.
وقالت كتائب حزب الله في العراق الأربعاء إن ثمانية من عناصرها قتلوا في ضربات أميركية استهدفت معقلها في منطقة جرف الصخر جنوب بغداد.
وأعلنت القيادة العسكرية الأميركية الوسطى (سنتكوم) في منشور على منصة إكس أنّها “نفّذت ضربات منفصلة ودقيقة” على موقعين في العراق، ردّا على الهجمات الأخيرة التي شنتها جماعات موالية لإيران واستهدفت قواتها وقوات التحالف الدولي المناهض للجهاديين في العراق وسوريا.
والثلاثاء استهدف قصف بطائرة دون طيار مركبة تابعة لفصيل ضمن قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران في منطقة أبوغريب قرب بغداد، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين، فيما أكد مسؤول عسكري أميركي أن القوات الأميركية في العراق “ردت دفاعا عن النفس” بعد تعرضها لهجوم في قاعدة عين الأسد الواقعة في غرب البلاد أسفر عن “إصابات طفيفة” بين الجنود.
ونددت الحكومة العراقية الأربعاء في بيان بالضربات الأميركية التي استهدفت مقاتلين موالين لإيران على أراضيها، معتبرة أنها “انتهاك واضح للسيادة” العراقية.
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة باسم العوادي في بيان “ندين بشدة الهجوم الذي استهدف منطقة جُرف الصخر، والذي جرى دون علم الجهات الحكومية العراقية ما يُعد انتهاكا واضحا للسيادة (…)، كما تشدد الحكومة العراقية على أنّ أيّ عمل أو نشاط مسلّح يتم ارتكابه من خارج المؤسسة العسكرية، يعد عملاً مدانا ونشاطا خارجا عن القانون”.
وهذه السلسلة من الضربات الأميركية هي الأولى في العراق منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس، والتي أدت إلى زيادة التوترات في المنطقة. وأفاد مصدر أمني حكومي طالبا عدم الكشف عن اسمه في وقت سابق الأربعاء بـ”مقتل خمسة من عناصر حزب الله بقصف جوي في منطقة جرف الصخر”.
وأكد مسؤول في الحشد الشعبي الموالي لإيران الحصيلة نفسها، مشيرا أيضا إلى سقوط “أربعة جرحى، أحدهم إصابته طفيفة”، فيما تحدث مسؤول ثالث في وزارة الداخلية عن سقوط “6 شهداء و7 مصابين ضمن المقاتلين في ضربة جوية لمسيّرة في منطقة جرف الصخر استهدفت مقرات تابعة لكتائب حزب الله مع أضرار مادية”.
لكن في وقت لاحق أصدرت كتائب حزب الله بيانا تضمن حصيلة معدلة للقتلى وجاء فيه “إن جريمة القصف الأميركي لمقرات الحشد (…) والتي ارتقى فيها 8 شهداء ما مرت ولن تمر دون عقاب، وهو ما يستدعي توسيع دائرة الأهداف إذا استمر العدو بنهجه الإجرامي”.
وكانت واشنطن ردت على هجمات استهدفت قواتها بقصف مواقع مرتبطة بإيران ثلاث مرات في سوريا. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سبعة أشخاص ينتمون إلى جماعتين مسلحتين عراقيتين مواليتين لإيران، إحداهما جماعة حزب الله.
وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بات رايدر في بيان إنه بعد تعرض قاعدة عين الأسد العراقية التي تضم جنودا أميركيين لهجوم بـ”صاروخ بالستي قصير المدى” دون أن يسفر عن سقوط قتلى، شنّ الجيش الأميركي ضربة استهدفت “آلية لميليشيا تدعمها إيران وعدد من المقاتلين المدعومين من إيران والضالعين في هذا الهجوم”.
وقد أدى الهجوم على عين الأسد إلى إصابة ثمانية أشخاص وإلحاق أضرار طفيفة بالقاعدة، وفق الناطق.
ii
وأفادت نائبة الناطق باسم البنتاغون سابرينا سينغ بأنّ القوات الأميركية تعرّضت لحوالي 66 هجوما منذ 17 أكتوبر الماضي (32 هجوما في العراق و34 في سوريا).
وقالت إن الهجمات أوقعت تقريبا 62 جريحا في صفوف القوات الأميركية. وتنشر الولايات المتحدة نحو 900 جندي في سوريا ونحو 2500 في العراق في إطار محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
والأربعاء ندد المسؤول الكبير في الحشد الشعبي هادي العامري، رئيس تحالف “نبني”، بـ”الاعتداءات الأميركية”، معتبرا “هذا العمل الجبان انتهاكًا صارخا للسيادة الوطنية، واعتداءً آثما على كرامة العراقيين”.
وأضاف “نؤكد اليوم كما أكدنا ذلك مرارا وتكرارا، ضرورة إخراج القوات الأميركية وكل قوات التحالف الدولي من العراق فورا”.
وأوضح أن الضربات تعد “دليلاً مضافا واضحا على كذب الادعاءات الأميركية بحصر تواجدهم في العراق بالمستشارين والمدربين، بل هو دليل قطعي على أن تواجدهم هذا هو قتالي صرف، سواء في قاعدتي عين الأسد وحرير أو في باقي القواعد الأخرى”.