أربعة أيام لا تكفي: مأزق ما بعد هدنة غزة

أربعة أيام لا تكفي: مأزق ما بعد هدنة غزة

منح الإعلان عن نجاح الوساطة المصرية – القطرية – الأميركية في عقد صفقة الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس الأربعاء فرصة للطرفين كي يلتقطا أنفاسهما بعد نحو سبعة أسابيع من القتال، في وقت يقول فيه مراقبون إن هدنة بأربعة أيام لا تكفي وستقود إلى مأزق أكبر.

ويرى المراقبون أن الهدنة الأولية سهلة، ويمكن لكلا الطرفين أن يزايد بقدرته على العودة بأكثر قوة، لكن ما سيحدث بعد الأيام الأربعة هو الصعب لأن استئناف الحرب مأزق عسكري وسياسي لإسرائيل وحماس، كما أنه سيسهم في تعميق معاناة المدنيين ويحرك الرأي العام الدولي ويدفعه إلى المزيد من الضغط.

وفُهم من إعلان إسرائيل عن استئناف القتال بعد انتهاء فترة الهدنة، وتأكيد حماس أن أيادي كوادرها على الزناد، أنه من قبيل الحرب النفسية؛ فكل طرف لا يريد أن يظهر كأنه في موقف ضعف أو رضخ للتوقيع على الصفقة لاعتبارات عسكرية.وحظي الإعلان عن جوانب من تفاصيل صفقة الأسرى بترحيب جهات إقليمية ودولية عديدة، في حين سعت بعض الدول إلى القيام بعملية إحماء لتسجيل الحضور والإيحاء بأنها شريك مباشر في نجاح الاتفاق.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه قد يسافر إلى مصر قريبا ويناقش كيفية تسريع إجلاء المرضى من غزة وخطوات أخرى، معبرا في الوقت نفسه عن استعداد تركيا “لتولي المسؤولية مع دول أخرى في الهيكل الأمني الجديد بعد انتهاء حرب غزة”.

ولا يُعرف ما إذا كان المقصود بالهيكل الأمني المشاركة في قوات أممية لحفظ الأمن في غزة ما بعد هزيمة حليفته حماس، أم قوات لمراقبة تنفيذ اتفاقيات التهدئة في حال استمرت وقتًا أطول.

ومباشرة بعد الإعلان عن تفاصيل التهدئة قام العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بزيارة قصيرة إلى مصر للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، محذرا من تداعيات كارثية إن استمرت إسرائيل في عملياتها البرية بغزة أو وسّعت نطاقها في الجنوب.

وتوصلت حماس وإسرائيل إلى هدنة لمدة أربعة أيام قابلة للتجديد، يتم تنفيذها على مرحلتين، تُفرج خلالهما حماس عن عدد من النساء والأطفال الذين تحتجزهم في غزة، مقابل إطلاق سراح نساء وأطفال فلسطينيين محتجزين في سجون إسرائيل.

وتشمل المرحلة الأولى إطلاق سراح 50 رهينة من النساء والأطفال مع وقف لإطلاق النار، وتُفرج إسرائيل عن 150 شخصا من الفتيات والقصر، بينما تتضمن المرحلة الثانية إفراج حماس عن عشرات المحتجزين مقابل تمديد وقف إطلاق النار، وإفراج إسرائيل عن عدد مماثل للمرحلة الأولى.

وبدأت صور اقتحام المستشفيات عسكريا والضحايا من الأطفال تمثل حرجا للمجتمع الدولي الذي وقف عاجزا عن ردع إسرائيل ومنحها حرية الحركة في عملياتها بحجة الدفاع عن النفس، وترك الأوضاع الإنسانية في القطاع تزداد تدهورا.

وتتم عملية التبادل بمساعدة موظفين في الهلال الأحمر على الأرض، ومسؤولين من إسرائيل وحماس ومصر وقطر، وبموجب الاتفاق لن يتم الإفراج عن عسكريين ممن تمكنت الحركة من أسرهم في السابع من أكتوبر الماضي.

pp

ونشرت وزارة العدل الإسرائيلية الأربعاء أسماء 300 معتقل فلسطيني في سجون إسرائيلية، ما يعني أنهم هم الذين سيتم الإفراج عنهم وفقا لبنود الصفقة الجديدة. وحدثت مشاحنات في الاجتماع الذي عقدته الحكومة الإسرائيلية مساء الثلاثاء لتحديد مصير الصفقة مع حماس، وعارضها البعض، بينما انحازت الأغلبية على مضض إلى إتمامها.

ووصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الصفقة بـ”القرار الصعب، لكنه صحيح”، مؤكدا أن القيادات الأمنية تدعم الخطوة بالكامل، ومتعهدا بمواصلة الحرب ضد حماس عقب انتهاء مدة الهدنة، وأن حكومته ملزمة بإعادة جميع الرهائن إلى ديارهم. وتشمل الصفقة أيضا دخول 300 شاحنة من المساعدات يوميا إلى غزة عبر منفذ رفح المصري، وتسمح بدخول المزيد من الوقود أثناء فترة وقف إطلاق النار.

ويقول مراقبون إن موافقة إسرائيل جاءت عقب تزايد ضغوط أسر المحتجزين والمتعاطفين معها، فقد بدأت تحركاتهم ضد حكومة نتنياهو تثير لغطا في المجتمع الإسرائيلي، حيث أظهرت عجزا عسكريا عن إعادة المحتجزين في غزة، على الرغم من التعهدات الرسمية السابقة التي وعدت بتنفيذ ذلك.

قبول إسرائيل بالهدنة وزيادة وتيرة دخول المساعدات والتخلي عن رفضها دخول الوقود يصب في صالح حماس، ويعني أن قدرة الحركة العسكرية لم تنكسر حتى الآن

ويضيف المراقبون أن قبول إسرائيل بالهدنة وزيادة وتيرة دخول المساعدات والتخلي عن رفضها دخول الوقود يصب في صالح حماس، ويعني أن قدرة الحركة العسكرية لم تنكسر حتى الآن، وحملت فيديوهات بثتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي مضمونا أفاد بقدرتهما على إيقاع خسائر عسكرية فادحة في صفوف القوات الإسرائيلية.

وقالت حماس إن الصفقة تضمن حرية حركة المواطنين من شمال غزة إلى جنوبها على طول شارع صلاح الدين والتزام إسرائيل بعدم التعرض لأي أحد أو اعتقاله خلال فترة سريان الهدنة، مؤكدة أن أياديها “ستبقى على الزناد”.

وذكر أستاذ الدراسات العبرية بجامعة الإسكندرية أحمد فؤاد أنور أن “دخول إسرائيل في مفاوضات (غير مباشرة) مع حماس والتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى والحرب مستمرة مؤشر على تغيير كبير في منحى الحرب، وأن وقفها بات قريبا، ويجب التعامل مع تعهدات إسرائيل وحماس باستئناف القتال بعد الهدنة على أنها تهدف إلى الإيحاء بعدم الهزيمة”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “العد التنازلي لوقف الحرب بدأ عمليا، فدخول هذه الهدنة حيز التنفيذ قد تتلوه هدنة ثانية وثالثة لغلق جزء كبير من ملف الأسرى الحرج، ومنح فرصة لدخول المساعدات وتخفيف الضغوط الإنسانية التي يقع جزء منها على عاتق إسرائيل والولايات المتحدة ودول كبرى أخفقت في القيام بدور لتخفيفها”.

وشدد على أن حسابات المكسب والخسارة في هذه الحرب لا تقاس بحجم الدمار أو الاستسلام فقط، بل أيضا بموازين القوى على الأرض عندما تنتهي المعارك، والتي تشير معالمها إلى فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها، لأنها وضعت “بنك أهداف” شائكا، ولم تعلم أن طريقة الوصول إليه صعبة، لما يعتري محتواه من عراقيل. ويشير التعاون بين مصر وقطر والولايات المتحدة إلى ظهور نواة لمحور قد تتبلور ملامحه خلال الفترة المقبلة، ويتمكن من إطفاء حريق غزة وربما حرائق أخرى في المنطقة.