قبل أن يدخل وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، توقّعت منصة استخبارية أميركية أن يتمّ استئناف العمليات القتالية بشكل سريع وأشدّ عنفاً وأوسع نطاقاً يهدّد باحتمال اندلاع حرب إقليمية. ما سيدفع الولايات المتحدة إلى الضغط على حليفتها تل أبيب لقبول انسحاب جزئي أو كامل لحماس من قطاع غزة، وسيسمح للجيش الإسرائيلي بالسيطرة على المنطقة وأن يخرج قادة حماس منها إلى لبنان حيث يمكنهم شنّ هجمات مسلّحة في المستقبل.
هذا ما كشفته منصّة “ستراتفور” (Stratfor)* التي توقّعت أنّ الهدنة “ستفسح المجال لاستئناف العمليات القتالية، وقد تمهّد الطريق لانسحاب حماس من القطاع، حيث إنّه ما إن تحرّر العملية الدبلوماسية أكبر عدد ممكن من الأسرى، سيستأنف البيت الأبيض دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية الكبرى في غزة للإطاحة بحماس من السلطة ما لم تكن هناك خيارات أخرى”. وذلك أنّ بعد إطلاق سراح نحو 50 رهينة إسرائيلية، معظمهم من النساء والأطفال، مقابل إطلاق إسرائيل سراح حوالي 150 سجيناً فلسطينياً، وزيادة المساعدات إلى قطاع غزة، إلى جانب احتمال تمديده إلى ما بعد الأيام القليلة المقبلة.
قبل أن يدخل وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، توقّعت منصة استخبارية أميركية أن يتمّ استئناف العمليات القتالية بشكل سريع وأشدّ عنفاً وأوسع نطاقاً يهدّد باحتمال اندلاع حرب إقليمية
هناك أسرى لدى “الجهاد”
أشار التحليل إلى أنّ “الاتفاق لا يشمل جماعات مسلّحة أخرى في قطاع غزة مثل حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين التي يرجّح أنّها تحتجز مع جماعات في غزة بعض الرهائن. كما أنّه ليس من الواضح حالياً ما إذا كانت الجماعات المسلّحة الأخرى مثل الحزب في لبنان والحوثيين في اليمن ستلتزم أيضاً بوقف القتال. وبالإضافة إلى ذلك، لا ينصّ وقف إطلاق النار على انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ولا على وقف العمليات الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة”.
وتوقّع التحليل “انتهاك الجانبين للهدنة من خلال الاستمرار في شنّ الهجمات. حيث لم تتراجع إسرائيل عن هدفها الشامل المتمثّل في إزالة حماس من السلطة في قطاع غزة، وبالتالي ستستأنف بدعم من واشنطن في نهاية المطاف عملياتها العسكرية الكبرى لإعادة احتلال القطاع كجزء من هذه الاستراتيجية”. خصوصاً أنّ “لدى الجهاد الإسلامي في فلسطين سجلّ واضح في تنفيذ عمليات مستقلّة عن حماس، وإلى تقارير عن استعداد قوات جيش الدفاع الإسرائيلي لتطويق معقل آخر لحماس في مخيم جباليا للّاجئين في قطاع غزة بينما كانت حكومة الحرب الإسرائيلية تستعدّ للتصويت على وقف إطلاق النار”.
تدرك إدارة بايدن أنّ وقف إطلاق النار الدائم سيفيد حماس من خلال تمكين المسلّحين من التراجع وإعادة تجميع صفوفهم لشنّ هجمات مستقبلية ضدّ إسرائيل. وعند استنفاد العملية الدبلوماسية لتحرير أكبر عدد ممكن من الرهائن، فإنّ البيت الأبيض سيستأنف دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية الكبرى في غزة، ما لم تكن هناك خيارات أخرى متاحة لإزاحة حماس من السلطة. وحتى لو أدّت الضغوط السياسية الداخلية إلى محاولة إدارة بايدن إقناع إسرائيل من وراء الكواليس بتمديد وقف إطلاق النار أو إبطاء عملياتها العسكرية في جنوب غزة، فمن المرجّح أن يدعم البيت الأبيض في نهاية المطاف تصرّفات إسرائيل علناً، خاصة إذا كانت هناك هجمات أخرى من قبل الفلسطينيين المسلّحين أو الجماعات المدعومة من إيران.
تصعيد الحزب والحوثيين
لم تستبعد الوثيقة الإستخباراتية أن تواصل الجماعات المسلّحة المتحالفة مع إيران، بما في ذلك الحزب في لبنان والميليشيات الشيعية في العراق والحوثيون في اليمن، شنّ هجمات ضدّ المصالح الإسرائيلية والأميركية في محاولة للضغط على البلدين لإعلان هدنة دائمة، حيث صعّد الحزب أخيراً هجماته على حدود إسرائيل مع لبنان، بينما اختطف الحوثيون اليمنيون في 19 تشرين الثاني سفينة في البحر الأحمر زعموا أنّها مرتبطة بإسرائيل. وشنّ المتمرّدون الحوثيون في اليمن عدّة هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ ضدّ إسرائيل.
ومن المتوقّع أن “ينهي الجيش الإسرائيلي عملياته البرّية الرئيسية في الأسابيع المقبلة أو في بداية عام 2024، على الرغم من أنّه سيظلّ بحاجة إلى مزيد من الوقت لمطاردة مقاتلي حماس المختبئين في نظام الأنفاق الموسّع وقمع تمرّد محتمل”.
تدرك إدارة بايدن أنّ وقف إطلاق النار الدائم سيفيد حماس من خلال تمكين المسلّحين من التراجع وإعادة تجميع صفوفهم لشنّ هجمات مستقبلية ضدّ إسرائيل
في سيناريو أقلّ احتمالاً، ستواصل إسرائيل وحماس العملية الدبلوماسية التي بدأت بتبادل الرهائن والأسرى من أجل إيجاد طرق أخرى لانسحاب حماس من قطاع غزة من دون هجوم عسكري إسرائيلي واسع النطاق، فيواجه مقاتلو حماس عمليات إسرائيلية تقليدية في غزة، وهو ما سيحفّز الحركة على إيجاد وسائل بديلة للحفاظ على الأفراد ذوي الخبرة والأسلحة فيكون لديها خيارات للانسحابات. وهذا يتطلّب تعاون إسرائيل، غير المرجّح حالياً، حيث يركّز الرأي العام والحكم في إسرائيل على هزيمة حماس عسكرياً. لكنّ الضغوط الدبلوماسية الأميركية قد تزداد على إسرائيل، لا سيما إذا لم تنتهِ العمليات القتالية الكبرى وزاد خطر نشوب حرب إقليمية بين إسرائيل وإيران.
في هذا السيناريو، بحسب التحليل، ستضغط واشنطن على إسرائيل لقبول انسحاب جزئي أو كامل لحماس من قطاع غزة، وهو ما يسمح للجيش الإسرائيلي بالسيطرة على المنطقة. ولأنّ يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحماس، ما يزال في قطاع غزة، وكذلك الأعضاء الرئيسيون الآخرون، ولأنّ إسرائيل تريد اعتقال أو قتل كلّ مسؤول عن هجوم 7 تشرين الأول، بما في ذلك السنوار، فإنّ الجناح السياسي لحماس سعى إلى اتفاق يحافظ على قادتها في غزة ويخرجهم إلى دولة صديقة نظرياً. فقد أقامت حماس وجوداً في جنوب لبنان مكّنها من تنفيذ هجمات على إسرائيل منه، وهو ما حفّز المسلّحين في غزة على تفضيل الانسحاب إلى لبنان حيث يمكنهم شنّ هجمات مسلّحة في المستقبل.