مع اقتراب موعد انتقال الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي إلى المجر في يوليو (تموز) 2024 يتزايد الجدل حول مدى استعداد بودابست لتحمل أعباء قيادة المجلس الأوروبي، في وقت يقولون إن المجر تنتهك تشريعات التكتل وتنحرف عن قيمه، بحسب نص مشروع القرار الذي ناقشه عدد من أحزاب البرلمان الأوروبي، وهي “حزب الشعب الأوروبي المحافظ” و”التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين” و”أوروبا الليبرالية” إلى جانب فصائل الخضر واليسار.
وثمة من يقول من نواب البرلمان الأوروبي إن “المجر ليست مناسبة لدور رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي بسبب الانتهاكات المتكررة لتشريعات التكتل”، وذلك ما علق عليه المتحدث الرسمي باسم الحكومة المجرية زولتان كوفاتش بقوله “إننا نعرف السبب الحقيقي، إنهم لا يحبون الموقف السلمي للمجر ويسعون إلى جرنا إلى الصراع الدائر في المنطقة” في إشارة إلى موقف المجر من الأحداث الراهنة.
وكانت بودابست أعلنت رفضها العقوبات ضد روسيا وعارضت تقديم المساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا إلى جانب كثير من المواقف والسياسات المتشددة للحكومة المجرية خلال الأعوام الأخيرة، ولا سيما عام 2015 عندما عارضت استقبال عدد كبير من المهاجرين الوافدين من مناطق الشرق الأوسط، فضلاً عن المواضيع الخلافية الأخرى ومنها الموقف من مسألة “استقلال نظام العدالة” في المجر، وانتقاد بروكسل لما تصفه بضغط السلطات المجرية على المجتمع المدني وتقييد حرية الصحافة، وغير ذلك من المسائل التي تجتمع فيها مواقف المجر مع ما يعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من وجهات نظر وآراء.
مهمات الرئيس
تتلخص مهمة الدولة التي تترأس مجلس الاتحاد الأوروبي ووفقاً للموقع الإلكتروني لهذه الهيئة في تمثيلها وتنسيق النشاط مع مؤسسات الاتحاد الأخرى، فضلاً عن مناقشة نصوص القوانين مع البرلمان الأوروبي والاتصالات مع المفوضية الأوروبية إلى جانب “ترجمة أولويات الاتحاد الأوروبي إلى قرارات ملموسة ورسمية تحت قيادة المجلس الأوروبي”.
وتلك المهمات لا يمكن إنجازها من دون الثقة المتبادلة بين رئيس المجلس والدول الأعضاء، في وقت يتساءل بعضهم عن إمكانات المجر تجاه أداء هذه المهمة عام 2024، نظراً لعدم امتثالها لقوانين الاتحاد الأوروبي وما يقال حول انحرافها عن القيم المنصوص عليها في المادة الثانية من معاهدة التكتل، وكذلك عن مبادئ التعاون الصادق على حد قولهم.
وتدعو حكومات الاتحاد الأوروبي إلى “العثور على حل مناسب في أقرب وقت ممكن”، كما تشير إلى أن “البرلمان الأوروبي قد يتخذ الخطوات المناسبة إذا لم يُعثر على مثل هذا الحل”، وقد انبرى للرد على ذلك رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان بقوله إن حكومته تفترض أن القادة الحاليين للاتحاد الأوروبي يخاطرون بالتسبب في تراجع أوروبا وتحويلها إلى متحف في الهواء الطلق ليس له مستقبل”.
ونقلت وكالة “تاس” عن أوربان ما قاله خلال مؤتمر الحزب الحاكم”FIDES” (التحالف المدني المجري) في بودابست السبت الماضي من أنه “يعتقد أن بروكسل وفي الوقت الذي يقوم العالم بتجديد نفسه، تقدم لأوروبا نموذجاً تنموياً يؤدي إلى الفوضى”، مضيفاً أن “النظام العام يختفي وعواقب الهجرة خارجة عن السيطرة، والمستثمرون ينقلون أموالهم من أوروبا إلى أميركا وآسيا”، مؤكداً ضرورة أن يقول رؤساء الحكومات “لا” لهذا النموذج لأنه يؤدي إلى الموت، وأن الدولة مهتمة بالحفاظ على أوروبا موحدة وذلك لن يكون ممكناً إلا إذا حدثت تغييرات جذرية في بروكسل.
وأشار أوربان إلى أن المجر ستستمر في مقاومة الضغط الخارجي، واقترح نموذجاً بديلاً للتنمية مؤكداً أن “العناصر الرئيسة لمثل هذا النموذج يمكن أن تكون الاقتصاد القائم على العمل و”العمالة الكاملة والبناء القوي للعائلات والوحدة الوطنية وخفض الديون والضرائب المنخفضة وجذب الاستثمار والتجارة والتعاون مع جميع البلدان، فضلاً عن التحول البيئي المعقول وإدخال أحدث التقنيات”.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سبق وقال إن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى عملية إصلاح بعد اعتماد بلدان جديدة، مضيفاً أن التوحيد عنصر مهم لوحدة أوروبا ولذلك فمن المهم التوسع وقبول أعضاء جدد.
وقالت صحيفة “نوفايا فريميا” إن “ثمة من يتساءل من دول الاتحاد الأوروبي كيف سيترأس نظام فيكتور أوربان المحافظ مجلس الوزراء، إحدى الهيئات التشريعية للاتحاد الأوروبي، إذ إن دور الرئيس على رغم اعتباره شرفياً إلى حد ما إلا أنه في الواقع ليس شكلياً فارغاً، وستكون المجر قادرة على التأثير في جدول أعمال المناقشات وتحديد مسار المناقشات لمدة ستة أشهر”.
وأضافت الصحيفة أنه “من الممكن أن يحدث كل هذا خلال فترة مهمة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي من يوليو (تموز) إلى ديسمبر (كانون الأول) 2024، أي بعد انتخابات البرلمان الأوروبي مباشرة عندما يكون جدول الأعمال زاخراً بصورة أساس بمناقشات التعيينات الجديدة وإصلاح تكوين البرلمان الأوروبي”، موضحة أن “رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي لن يتمكن رسمياً من التأثير في عملية التعيين نفسها، لكن هناك مخاوف من أنه خلال مرحلة المفاوضات في شأن المرشحين للمناصب الأكثر أهمية سيظل أوربان قادراً على تعزيز مصالحه، وعلاوة على ذلك وخلال أكثر من 30 عاماً من عمله في السياسة والأعوام الـ 10 الأخيرة من العلاقات المتوترة للغاية مع بروكسل، ظهر رئيس الوزراء المجري كلاعب ذي خبرة يمكنه بسهولة التلاعب بعملية صنع القرار المعقدة والمثقلة بالأعباء في الاتحاد الأوروبي”.
وخلصت الصحيفة إلى أنه إذا ظلت مواجهة بودابست مع المفوضية الأوروبية حادة بحلول يوليو 2024 فقد يتوصل أوربان إلى طريقة ما لإلحاق ضرر جسيم بوحدة الاتحاد الأوروبي والإخلال بتوازن النظام السياسي، تماماً كما فعل دونالد ترمب مع الولايات المتحدة خلال ولايته، على حد قول الصحيفة المحظور نشاطها في موسكو منذ بداية “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا.
الخطة “ب”
وتساءل رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان متحدثاً في زيوريخ خلال الاحتفال بالذكرى الـ 90 للمطبوعة الأسبوعية السويسرية “Die Weltwoche” في الـ 22 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري “ما هي استراتيجيتنا؟ ما هو الواقع؟ الأوكرانيون يقاتلون ويموتون، وإلى ماذا وصلنا؟ لن تخسر روسيا ولن يتغير شيء في سياستها، ولذلك يجب أن نواجه الواقع”، ليخلص إلى حقيقة أن الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى الانتقال للخطة “ب” في شأن أوكرانيا، نظراً إلى أنه لن يكون من الممكن هزيمة روسيا.
اقرأ المزيد
المجر تضرب جدار الدعم الأوروبي لأوكرانيا
بولندا والمجر تعارضان إصلاح نظام الهجرة الأوروبي
هموم كاميرون: من غزة إلى أوكرانيا ومن الصين إلى الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي يحذر من المعلومات المضللة في حرب غزة
وأضاف أوربان أن استراتيجية الاتحاد الأوروبي في شأن الصراع الأوكراني قد فشلت ولن تهزم روسيا، وبالتالي يجب على الاتحاد الأوروبي الانتقال إلى خطة عمل جديدة، مشيراً إلى أن المجر دانت منذ البداية تصرفات روسيا ضد أوكرانيا، ولكن رد فعل الغرب عليها كان خاطئاً.
وشدد على أن الاتحاد الأوروبي ليس لديه مثل هذه الخطة بعد، وبدلاً من تغيير استراتيجيته تقترح بروكسل مواصلة مساعدة كييف، ووفقاً لأوربان فإن الطريقة الوحيدة “لوقف الخسائر في الأرواح التي لا معنى لها هي الوقف الفوري لإطلاق النار وبدء المفاوضات”.
وذكر الموقع الإلكتروني Gazeta.ru في وقت سابق أن أوربان هدد بعرقلة جميع مساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا وكذلك المفاوضات المستقبلية في شأن عضوية الاتحاد الأوروبي إذا لم تراجع الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي استراتيجيتها تجاه الأوضاع في أوكرانيا.
وكان أوربان بعث إلى شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي برسالة قال فيها إنه لا يمكن اتخاذ أي قرار في شأن تمويل أوكرانيا أو بدء المفاوضات في شأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو فرض مزيد من العقوبات ضد روسيا حتى يتم إجراء مناقشة استراتيجية في قمة الاتحاد الأوروبي.
وكانت المجر استبقت ذلك بقرارها حول رفض تخصيص 500 مليون يورو للأسلحة لأوكرانيا، ثم ذكر أوربان أن المجر لن توافق أبداً على ربط مسألة تمويل أوكرانيا من موازنة الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن قبولها في المجتمع بإعادة الأموال المجمدة من الأموال الأوروبية إلى بودابست.
صفقة مع أوكرانيا
وقال فيكتور أوربان في حديثه الدوري إلى الإذاعة المجرية إن أوكرانيا لم تتوصل في إسطنبول إلى توقيع اتفاق سلام مع روسيا في مارس (آذار) 2022 بناء على تعليمات من الولايات المتحدة، مؤكداً رفضه الموافقة على الدعم المالي لأوكرانيا.
وكان أوربان تناول القضية خلال حديثه إلى الصحافي الأميركي تاكر كارلسون، وأشار إلى أنه في ظل الظروف القائمة فإنه يجب على الغرب عقد صفقة مع روسيا ووضع حد للحرب في أوكرانيا، لافتاً إلى عدم يقينه من قدرة أوكرانيا على كسب الحرب ومستشهداً بالتفوق العددي للقوات الروسية.
وكان الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي وبعد رفضه ما سبق وتوصل إليه الوفد الأوكراني خلال محادثات إسطنبول التي جرت تحت رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أصدر مرسوماً يقضي بحظر أي اتصال مع روسيا وأية مفاوضات قبل موافقتها على “خطته للسلام” ذات النقاط الـ 10 ومنها انسحاب قواتها إلى حدود 1991 وإعادة وحدة الأراضي الأوكرانية، وهو ما يبدو على طرفي نقيض مع الرؤية الروسية التي تقول بضرورة مراعاة الواقع الراهن، أي التسليم بحق روسيا فيما استولت عليه من أراض، ومنها شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأوكرانية الأخرى، وهي لوغانسك ودونيتسك وزابوروجيه وخيرسون.
خريطة المجر الكبرى
وأثار احتجاج القيادة الأوكرانية وغيرها من قيادات كثير من البلدان المحاورة ظهور فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية خلال لقاء له مع أحد لاعبي المنتخب الوطني لبلاده لكرة القدم متلفعاً بشال مرسوم عليه خريطة المجر الكبرى التاريخية التي تضم أراضي المجر السابقة بما تضمه من أراض ملحقة اليوم بأوكرانيا والنمسا وسلوفاكيا ورومانيا وكرواتيا وصربيا بموجب نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ووصف وزير الخارجية الأوكرانية دميترو كوليبا ذلك المشهد بأنه “دعاية لأفكار تحريفية التي لا تسهم في تطوير العلاقات الأوكرانية – المجرية ولا تمتثل لمبادئ السياسة الأوروبية”، فيما أكد المتحدث الرسمي لوزارة خارجية أوكرانيا أوليغ نيكولينكو أن كييف ستتصل بسفير المجر “الذي سيتم إبلاغه برفض ما قاله فيكتور أوربان”، كما كتب في وسائل التواصل الاجتماعي إن “الترويج للأفكار التحريفية في المجر لا يسهم في تطوير العلاقات الأوكرانية – المجرية ولا يتوافق مع مبادئ السياسة الأوروبية”.
وختتم تصريحه بقوله “نحن في انتظار اعتذار رسمي من الجانب المجري ودحض التعدي على السلامة الإقليمية لأوكرانيا”.
كما أشارت وزارة خارجية رومانيا إلى غضبها تجاه نشر هذا المشهد مشيرة إلى أنها تقدمت “برفضها الحازم لهذه اللفتة” إلى السفير المجري في بوخارست، وقالت في بيان نشرته بهذا الشأن إن “أي مظهر تحريفي، أياً كان الشكل الذي يتخذه، غير مقبول على رغم الحقائق الحالية والالتزامات المشتركة التي قطعتها رومانيا والمجر بصورة مشتركة لبناء علاقات ثنائية”.
ولم تغفل النمسا الإشارة إلى احتجاجها الحاسم بهذا الصدد إذ أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية النمسوية إلى أنه “سيتم إبلاغ الجيران المجريين في أقرب وقت ممكن بأن نظرة سريعة على الخرائط التاريخية في وزارة خارجية فيينا تؤكد الشكوك الأولية بأن ترانسليفانيا (المملكة المجرية داخل النمسا والمجر) لم تعد موجودة منذ نحو 100 عام”.
وذلك كله هو ما علق عليه فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية بما كتبه على صفحاته في وسائل التواصل الاجتماعي من أن “كرة القدم ليست سياسة، ولا تقرأ ما هو غير موجود، فالفريق الوطني المجري ينتمي إلى جميع المجريين أينما يعيشون”.
ومن اللافت أن أوربان لطالما أثار هذه القضايا في أكثر من لقاء ومناسبة، كما أنها كانت موضوعاً لكثير من المحادثات التي جرت بين وزيري خارجية المجر وأوكرانيا بيتر سيارتو ودميترو كوليبا حول وضع المجريين الذين يعيشون في أوكرانيا ويبلغ عددهم زهاء 150 ألفاً لتسوية المسائل المتعلقة بما تصفه المجر بأنه “تقييد لحق المجريين العرقيين الذين يعيشون في أوكرانيا في استخدام لغتهم الأم وبخاصة في مجال التعليم، بعد أن اعتمدت أوكرانيا قانوناً يقيد استخدام لغات الأقليات في المدارس عام 2017″، وذلك إلى جانب حقوقهم في الجنسية المزدوجة ووضعهم الحالي على ضوء استدعاء عدد كبير منهم للخدمة العسكرية، كما أثارها أيضاً فيكتور أوربان في خطاب ألقاه أمام مواطنيه من المقيمين في رومانيا ممن يناهز عددهم 1.25 مليون نسمة.
وكانت المجر فقدت منذ الحرب العالمية الأولى 72 في المئة من أراضيها و64 في المئة من سكانها، بما في ذلك 3 ملايين مجري عرقي بموجب “معاهدة تريانون” الموقعة عام 1920، فضلاً عن مساحات الأراضي التي كانت تربطها بالبحر الأسود و88 في المئة من موارد الغابات و83 في المئة من إنتاج الحديد الخام و67 في المئة من النظام المصرفي والائتماني، ومن بين الأراضي المفقودة بموجب المعاهدة إقليم أوكرانيا ترانسكارباتيا الذي تم نقله إلى تشيكوسلوفاكيا.