الهدر والجفاف والسدود تهدّد مصير الزراعة في العراق

الهدر والجفاف والسدود تهدّد مصير الزراعة في العراق

بغداد – يهدد الهدر والجفاف والسدود التي تبنيها الدول المجاورة مصير الزراعة في العراق، وهو ما يضع الأمن الغذائي للعراقيين على المحك ويجبرهم على دفع مبالغ مضاعفة للحصول على احتياجاتهم الغذائية.

وتُتّهم الحكومات العراقية المتعاقبة بسوء التصرف في إدارة أزمة الجفاف وبالتعاطي الضعيف مع إيران وتركيا اللتين تشيّدان سدودا على نهري دجلة والفرات تُنقص حصة البلاد المائية.

ويعاني 60 في المئة من المزارعين في العديد من المحافظات العراقية جراء تقليص المساحات المزروعة وخفض كميات المياه المستخدمة، وفقا لاستطلاع أجراه “المجلس النرويجي للاجئين” (منظمة غير حكومية)، داعيا السلطات إلى إدارة الموارد المائية بشكل أفضل.

وكانت السلطات العراقية قد أعلنت في عام 2021 أن الجفاف وشحّ المياه سيجبران البلاد على تقليص المساحات المزروعة للموسم الزراعي 2022 بمقدار النصف.

وكشف مسح أجراه المجلس أن دخل بعض المزارعين زاد في 2023 مقارنة بعام 2022، عازيا الفضل في ذلك إلى هطول الأمطار بنسبة “أعلى من التقديرات” الأولية، مما أدى إلى تحسّن معدلات المحاصيل.

وأجرى المركز الدراسة خلال يوليو وأغسطس الماضيين في أربع محافظات عراقية، بناءً على نتائج الحصاد وتأثير الجفاف على الأسر، وقابل آنذاك 1079 شخصا. وكانت 40 في المئة من العيّنة من النساء، و94 في المئة من المستطلعة آراؤهم من سكان المناطق الريفية.

وخلال 2023 استمرت قضايا “الحصول على المياه” في “التأثير على الإنتاج الزراعي”، وفقا للمسح الذي أكد أن “60 في المئة من المزارعين اضطروا إلى زراعة مساحات أقل من الأراضي أو استخدام كميات أقل من المياه بسبب أحوال الطقس القاسية” في محافظات شمال البلاد (نينوى، كركوك، صلاح الدين) وفي الأنبار (غرب العراق).

وقال المركز “اضطر أربعة من كل خمسة أشخاص، من بين أولئك الذين شملهم الاستطلاع في المجتمعات الزراعية في نينوى وكركوك، إلى خفض إنفاقهم على الغذاء خلال الأشهر الاثنَيْ عشر الماضية”.

وأتى نشر الدراسة قبل أيام على انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28)، والذي ستستضيفه دبي بين 30 نوفمبر الجاري و12 ديسمبر المقبل.

وتحذر تقارير من أن 68 – 70 في المئة من مساحة العراق الصالحة للزراعة مهددة بالتقلبات المناخية وعرضة للتصحر خلال فترة لا تتجاوز السنتين إذا بقي الوضع المائي في العراق على ما هو عليه.

وبحسب مسؤولين محليين فإن المناطق الخضراء في العراق لا تتجاوز مساحتها 3 – 4 في المئة فقط من مجموع المساحة الكلية للأراضي العراقية، وهو مؤشر خطير حسب مراقبين، يستوجب من الحكومة العراقية والدوائر المعنية الإسراع في وضع الحلول الإستراتيجية وتطبيقها على أرض الواقع.

وكان المتحدث باسم وزارة البيئة العراقية أمير علي قال في مطلع الشهر الجاري إنّ “الندرة المائية سببت تدهورا غير مسبوق في الجفاف والتصحر وتقليص الأراضي الزراعية، ما أدى إلى خسارة في حدود 70 في المئة من إجمالي الأراضي التي كانت صالحة للزراعة”.

وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أعلن في مارس الماضي عن إطلاق مبادرة تشجير لمكافحة التصحّر والعواصف الترابية خلال مؤتمر العراق للمناخ الذي عقد في مدينة البصرة. ويبدو أن المبادرة تشهد تعثرا في تطبيقها.

وأرجع علي أسباب التعثر إلى “قلة التخصيصات المالية اللازم توفيرها، بالإضافة إلى انخفاض الحصص المائية الكافية التي يعاني العراق من عدم توافرها خلال السنوات الأخيرة”.

وأوضح علي في تصريحات صحفية أنّ “تقديرات الدائرة الفنية في وزارة البيئة تؤشر على حاجة العراق إلى أكثر من 100 مليون دولار كمرحلة أولى من أجل مواجهة الاحتياجات الحالية للمحافظات، بالتعاون مع الإدارات المحلية والوزارات المعنية”.

وفي ظل انحسار كمية الأمطار وارتفاع درجات الحرارة يعاني العراق جفافاً للسنة الرابعة على التوالي. وتندّد السلطات العراقية بسدود تبنيها تركيا وإيران على نهري دجلة والفرات، وتتسبب في انخفاض منسوب النهرين وروافدهما حينما يصلان إلى العراق.

♦ نحو 70 في المئة من المزارعين يستخدمون الري بالغمر، وهي طريقة تعتبر على نطاق واسع الأكثر استهلاكا للمياه

إلا أن المجلس النرويجي للاجئين ألقى بالمسؤولية كذلك على عاتق “إدارة الموارد المائية” في البلاد، وخصوصا من ناحية “ممارسات الري في العراق وعدم الكفاءة في استخدام الموارد المائية المتناقصة”.

وذكر تقرير المجلس أن “نحو 70 في المئة من المزارعين الذين شملهم المسح” يقولون “إنهم يستخدمون الري بالغمر”، وهي طريقة تعتبر على نطاق واسع “الأكثر استهلاكا للمياه” وغير مناسبة للمناطق “المعرضة للجفاف الموسمي”.

واقترح المجلس النرويجي للاجئين تحسين الإمكانات الزراعية عبر “رصد وتنظيم وتوزيع الموارد المائية”. وحذّر مدير المكتب الوطني للمجلس أنتوني زيليكي من “تغيّر مناخ العراق بشكل أسرع من قدرة الناس على التكيّف”.

وأجبر هذا الوضع عشرات الآلاف من العائلات على النزوح إلى أطراف المدن. وأكدت وزارة البيئة العراقية استمرار عمليات النزوح القسري لعدد كبير من العائلات بسبب شحّ المياه وتزايد رقع التصحر في عموم المحافظات العراقية.

وأشار علي إلى أنّ 68 ألف أسرة في مناطق الأهوار نزحت خلال الصيف الماضي، بسبب فقدانها سبل العيش (الزراعة وتربية الجاموس وصيد الأسماك والطيور…) نتيجة تراجع المساحات الزراعية وازدياد معدلات التصحر والعواصف الغبارية والرملية.

العرب