تحاول الجزائر استغلال كل الفرص المتاحة للاعتراف بجبهة بوليساريو وإضفاء شرعية على كيان غير شرعي، حيث أقحمت الجبهة الانفصالية في تدريبات “تمرين مركز القيادة لقدرة شمال أفريقيا”، في خطوة يرى مراقبون أنها تهدف إلى التشويش على علاقة المغرب الوثيقة بالدول العربية.
الجزائر – أقحم النظام الجزائري جبهة بوليساريو الانفصالية في تدريبات عسكرية تحت عنوان “سلام شمال أفريقيا 2″، في مدينة “جيجل” في محاولة لتلغيم العلاقات المغربية مع مصر وليبيا وموريتانيا، رغم أن هذه البلدان لا تعترف بالجبهة الانفصالية كدولة قائمة الأركان.
وتجاهل الإعلام المصري والليبي التدريبات التي اختير لها اسم “تمرين مركز القيادة لقدرة شمال أفريقيا”، في وقت روج فيه الإعلام الجزائري من خلال بلاغ لوزارة الدفاع أن التدريبات تهم منظمة “قدرة شمال أفريقيا”، التابعة للاتحاد الأفريقي، والتي ادعت أن عضويتها تتمثل في كل من الجزائر ومصر وليبيا وتونس وموريتانيا، فضلا عن الجبهة الانفصالية.
وحاولت الدعاية الجزائرية الترويج لهذه التدريبات الروتينية وكأنها ذات أهمية فقط كهامش للمناورة السياسية لإيهام الرأي العام بدعم تلك الدول لمشاركة الجبهة الانفصالية فيها، في وقت لم تعط مصر وليبيا وموريتانيا وتونس ذلك الزخم، حتى لا تثير قلق المغرب أو تعكير الأجواء معه حول قضية تعتبرها المملكة ذات حساسية مرتفعة.
وتعمل الجزائر جاهدة على التشويش على علاقة المغرب مع دول القارة الأفريقية عبر بوليساريو، حيث عملت على تكرار نفس السلوك عندما أقحمت الجبهة في قمة طوكيو للتنمية في أفريقيا “تيكاد 8″، في أغسطس 2022، بمحاولة هدم علاقة المغرب وتونس بالضغط على الأخيرة لاستقبال زعيم بوليساريو في القمة.
وحاولت الجزائر من خلال إرسال مبعوثي الجبهة في بعض المناسبات التأثير على قرارات نواكشوط بعد تولي الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، الذي عدل طريقة تعاطيه مع هذا الملف بشكل ملموس منذ ما جرى في معبر الكركرات في العام 2020، حيث قال في سبتمبر الماضي إن الموقف التقليدي لبلاده من ملف الصحراء هو “الحياد”، لكنه قرر منذ وصوله إلى الرئاسة سنة 2019، أن يجعل منه “حيادا إيجابيا”، حسب ما أكده في حوار مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، كما أعلن خلال مشاركته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن بلاده ملتزمة بقرارات مجلس الأمن.
وبدأ هذا التقارب بين البلدين يبرز بوضوح خلال الفترة الموالية، ففي مارس من سنة 2022 انعقدت الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة المغربية – الموريتانية بالرباط، عززت مشاركة البلدين في الكثير من المصالح الإستراتيجية التي تستدعي حمايتها عن طريق التنسيق المشترك على كافة المستويات خصوصا منها الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري.
وأكد محمد الطيار، الخبير في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، أن “لقاء ما يسمى بسلام شمال أفريقيا 2، يدخل في إطار المحاولات الفاشلة لعزل المغرب من طرف النظام الجزائري، وقد عكس بيان وزارة الدفاع الجزائرية بشكل صريح محدودية هذا اللقاء العسكري، حيث لم تشارك فيه غير مصر وليبيا بشكل رمزي، مما يوضح أن تواجد بوليساريو جاء تحت مظلة منظمة الاتحاد الأفريقي، التي يعد تواجدها بها كعضو أمرا معرقلا لكل شراكة تجمع أفريقيا بالقوى الدولية الوازنة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “ما يسمى بالجمهورية الصحراوية التي تفتقد لكل مقومات الدولة، ليس لها مقعد بالأمم المتحدة ولا تعترف بها كل المنظمات الإقليمية الدولية، سوى الاتحاد الأفريقي، وأصبحت الدول الأفريقية تعي خطر إقحام بوليساريو في الاتحاد، مما يفسر سعي الجزائر إلى محاولة التأثير على أغلب دول القارة التي تبحث عن صيغة للتخلص من الجمهورية الوهمية”.
الجزائر تعمل على التمويه على حقيقة تورط حركة بوليساريو الانفصالية في أنشطة مصنفة على أنها إرهابية
ولفت الطيار إلى أن “إقحام بوليساريو بهذا اللقاء الهش، لن يجنبها مصير الانهيار بسبب أوضاعها الأمنية الداخلية التي تشهد تدهورا وتسيبا أمنيا خطيرا يتوسع يوما بعد يوم، وأيضا وضعها تحت مجهر المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بمحاربة المنظمات الإرهابية”.
وتأتي المحاولة الجزائرية لتحصين حضور بوليساريو داخل الاتحاد الأفريقي بعدما تصاعدت الأصوات الأفريقية الوازنة لوضع حد لاستمرار الجبهة الانفصالية عضوا في الاتحاد، كونه خطأ إستراتيجيا، وفي نفس الوقت للتشويش على علاقة المغرب مع دول القارة عبر إقحام جبهة بوليساريو في عدد من الفعاليات.
وأكد مدير مركز الدراسات الأفريقية الاستراتيجية ووزير الشؤون الخارجية السنغالي السابق الشيخ تيديان غاديو، في ندوة سياسية بدكار حول موضوع “التفكير في قضية الصحراء المغربية وتشجيع حلول مبتكرة” أنه يتعين على القارة الأفريقية، إن أرادت رفع التحديات التي تواجهها، تجاوز هذه المشكلة بدءا بتجميد عضوية هذا الكيان، علما أن هذه العضوية لا تزال قائمة فقط بسبب دعم عدد قليل من الدول، وبالخصوص دولة واحدة”، في إشارة إلى الجزائر.
وتعمل الجزائر على التمويه على حقيقة تورط حركة بوليساريو الانفصالية في أنشطة مصنفة على أنها إرهابية، من خلال الترويج لمشاركتها في جهود إقرار السلم والاستقرار.
وكشف موقع “ساحل – إنتلجنس” المتخصص في الوضع الأمني في منطقة الساحل، أنه وعلى الرغم من أن بوليساريو كان يُنظر إليها تاريخيا على أنها حركة تحرير، فقد ظهرت مخاوف متزايدة بشأن صلاتها بالجماعات الإرهابية والأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار، ما يثير مخاوف جيوسياسية حساسة في الجزائر وأفريقيا.
وأوضح أن الروابط بين جبهة بوليساريو والجهات الفاعلة مثل حزب الله اللبناني وحماس والميليشيات الإيرانية ومجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية، تثير المخاوف وقد يواجه الجيش الجزائري، باعتباره حارس الأمن الوطني، تحديات كبيرة في إدارة هذه الديناميكيات المعقدة، يمكن أن تؤدي إلى عواقب سلبية، مثل العزلة الدولية للجزائر.
العرب