هل تتسبب حرب غزة في خسارة بايدن الانتخابات الرئاسية؟

هل تتسبب حرب غزة في خسارة بايدن الانتخابات الرئاسية؟

بملامح غاضبة وصوت حاد، كانت عضو الكونغرس الأميركي، النائبة رشيدة طليب، توجه رسالتها إلى الرئيس جو بايدن، رداً على موقفه من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك في فيديو نشرته على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” في الثالث من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مهددة: سوف تتذكر هذا في انتخابات 2024.

وبينما كان الموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي على غزة في الأسبوعين الأولين من الحرب نافراً في تأييده المطلق للعدوان، مع رفض الإدارة الأميركية وقف إطلاق النار، وتجاهلها جرائم قصف إسرائيل المدنيين والمستشفيات والأطفال والنساء، تعالت الأصوات في الداخل الأميركي تطالب باتخاذ موقف واضح من بايدن في الانتخابات المقبلة المقرّرة في نوفمبر 2024، ومعاقبته على موقفه من الحرب الحالية، ما دفع الكثير إلى طرح تساؤل: هل بايدن بالفعل يواجه مأزقاً في الانتخابات المقبلة؟

انتبه الديمقراطيون مبكراً في ولاية ترامب إلى أهمية تصويت العرب في الانتخابات

انتبه الديمقراطيون مبكراً خلال فترة ولاية الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب إلى أهمية تصويت العرب في الانتخابات وقدرتهم على التأثير، فتم اختيار عدد من العرب الأميركيين في الانتخابات المحلية بالولايات، بالإضافة إلى اختيار رشيدة طليب، وهي من أصول فلسطينية، في ولاية ميشيغان للترشح لانتخابات مجلس النواب في إحدى المقاطعات ذات الأكثرية العربية. وكان من الطبيعي أن يؤثر ذلك في انتخابات الرئاسة 2020 في هذه الولاية المتأرجحة والمهمة جداً والتي فاز فيها بايدن على ترامب بفارق نحو 150 ألف صوت، في حين كان ترامب قد فاز بهذه الولاية المهمة في عام 2016 بفارق نحو 11 ألف صوت.

انخفاض تأييد الناخبين الأميركيين من أصول عربية لبايدن
وعقب العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة والموقف الأميركي، كشف استطلاع رأي حديث أجراه المعهد العربي الأميركي، عن انخفاض الدعم لبايدن في الانتخابات المقبلة بين الناخبين الأميركيين العرب، من 59 في المائة إلى 17 في المائة، أي بانخفاض قدره 42 في المائة مقارنة بعام 2020، فيما ارتفعت نسبة دعم ترامب من 35 في المائة في 2020 إلى 40 في المائة حالياً.ويقدر عدد العرب في الولايات المتحدة بنحو 3.7 ملايين نسمة، بنسبة تصل إلى نحو 1 في المائة من السكّان، وهي نسبة ليست كبيرة، لكن أهميتها الانتخابية تكمن في الولايات المتأرجحة التي ستحدد بالفعل من هو رئيس الولايات المتحدة المقبل. ويمثل العرب الأميركيون مئات الآلاف من الناخبين في العديد من الولايات الانتخابية الرئيسية، مثل ميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا.

وأظهر أيضاً الاستطلاع نفسه (للمعهد العربي الأميركي)، أنه للمرة الأولى منذ 26 عاماً، يتفوق عدد من يصفون أنفسهم من الأميركيين العرب بأنهم جمهوريون، إذ إنه في عامي 2008 و2016، فاق عدد الديمقراطيين منهم عدد الجمهوريين بنسبة اثنين إلى واحد. ولكن في هذا الاستطلاع، قال نحو 32 في المائة من الأميركيين العرب بأنهم جمهوريون مقابل 23 في المائة فقط عرّفوا أنفسهم على أنهم ديمقراطيون، فيما عرّف نحو 31 في المائة أنفسهم على أنهم مستقلون.

أصوات العرب تحدث فرقاً
ويوضح مدير المعهد العربي الأميركي جيمس زغبي، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، أن الاستطلاع الأخير للمعهد أظهر أن هناك انخفاضاً حاداً في الدعم العربي الأميركي لبايدن، إذ إنه في عام 2020 صوّت له 59 في المائة منهم، والآن يقول 17 في المائة فقط إنهم سيصوتون له في 2024.

ويلفت زغبي إلى أن “حملة بايدن عمدت إلى التواصل الجاد مع المجتمع العربي في ولايتين رئيسيتين، ميشيغان وبنسلفانيا، وهو دليل على أنها رأت أن أصوات العرب تحدث فرقاً في كلتا الولايتين”، لافتاً إلى أنه “في ميشيغان، يمثل العرب ما بين 4 إلى 5 في المائة من الأصوات، وفي بنسلفانيا ما يصل إلى 2 في المائة”. ويشير إلى أنه “في كلتا الولايتين عندما يتم الفوز بالانتخابات على الهامش، فإن خسارة عدد كبير من الناخبين يمكن أن تكون مهمة في تحديد الفائز بالانتخابات المقبلة”.

ويتوقع زغبي أن الكثير من العرب الأميركيين سيقاطعون الانتخابات، أو يصوتون لمرشح ثالث. ويفترض في هذا الإطار أن الكثيرين إما سيبقون في منازلهم أو يصوتون لمرشحي الطرف الثالث. وأضاف: “لقد رأينا ذلك في عام 2000 وفي عام 2016 وقد نشهده مرة أخرى”.

يمثل العرب الأميركيون مئات الآلاف من الناخبين في الولايات المتأرجحة

ويوضح زغبي أنه “خلال عقود عملي مع المجتمع، لم أشاهد قط رد فعل قوياً كهذا تجاه كارثة السياسة الخارجية. والشيء المهم الذي يجب ملاحظته هو أن خيبة الأمل هذه من بايدن تشمل جميع المجموعات الفرعية في المجتمع وكما قلت، لست متأكداً مما إذا كان الرئيس يستطيع أو حتى يرغب في فعل أي شيء لتغييره”. وردا على سؤال حول تأثير ما يحدث في غزة على السياسة في الولايات المتحدة، يقول مدير المعهد العربي الأميركي، إنه “من دون مبالغة، قد تكون هذه الحرب بمثابة لحظة تحول في السياسة الأميركية”.

ويفسر زغبي ذلك بقوله: “نلاحظ أن تأثير هذه الحرب وطريقة تعامل الإدارة معها لم ينسحب فقط على العرب الأميركيين، إذ إن العديد من مكونات ما يسميه الديمقراطيون “تحالف (الرئيس الأسبق باراك) أوباما” أصيبت بخيبة الأمل إزاء فشل الرئيس”. ويوضح أن “بايدن كان يعاني بالفعل من فقدان الدعم والثقة لدى الناخبين الشباب والملونين والتقدميين. لقد انزعجوا أيضاً بشدة من هذه الحرب”.

ويلفت إلى أنه “خلال 50 عاماً من العمل في فلسطين، لم يسبق لي أن رأيت هذا القدر من الدعم من العديد من المجموعات المتنوعة. لقد كان من المدهش رؤية التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين. وعلى عكس تظاهرات “حياة السود مهمة”، و”مسيرة النساء”، و”المسيرة من أجل حياتنا”، فقد جمعت التعبئة ضد هذه الحرب هذا التنوع، إنه أمر عجيب”.

ويجزم زغبي أن بايدن سوف يخسر أيضاً مجموعة كبيرة من هؤلاء الناخبين، وخصوصاً الشباب التقدميين (بمن في ذلك الشباب اليهود التقدميون، الذين قد ينجرفون نحو مرشحي حزب ثالث). ويلفت إلى أنه إذا نجحت جماعة الضغط “أيباك” (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) في جهودها لهزيمة أعضاء الـ”سكواد”، وهو الاسم غير الرسمي الذي يُطلق على 8 أعضاء في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، وهم ألكسندريا أوكاسيو كورتيز وجمال بومان عن ولاية نيويورك، وإلهان عمر عن ولاية مينيسوتا، ثمّ أيانا بريسلي من ماساتشوستس، ورشيدة طليب عن ولاية ميشيغان، وكوري بوش من ميسوري، وسمر لي من بنسلفانيا، وغريغ كازار من تكساس، فسوف يكون لذلك تداعيات خطيرة في تنفير العديد من الناخبين، وتكون هناك عواقب وخيمة على مجموعات من الديمقراطيين على المديين القصير والمتوسط.

وفي هذا الصدد، يحذر زغبي من أنه سوف تكون لتصورات لجنة “أيباك”، المتحالفة مع أسوأ العناصر المتشددة في إسرائيل والولايات المتحدة، والتي تجمع الأموال من الجمهوريين لهزيمة التقدميين من ذوي البشرة الملونة، عواقب كبيرة على الحزب الديمقراطي.

وردا على سؤال حول من الأفضل لمصلحة العرب الأميركيين، الجمهوريون أم الديمقراطيون، يرى زغبي أنه من دون شكّ، فإن الديمقراطيين هم أفضل في مجموعة من القضايا، وخصوصاً الهجرة والحقوق المدنية، وفي معارضة تعصب ترامب الذي سيطر على الحزب الجمهوري. لكن مدير المعهد العربي الأميركي يلفت إلى أنه “في عامي 2016 و2020، كانت الحجة الرئيسية للديمقراطيين هي “إما مرشحنا أو ترامب”، وقد نجح ذلك في ذلك الوقت، لكنه قد لا ينجح مرة أخرى، ليس بعد غزة”.

ويختم زغبي، بتأكيده أنه إذا بقي عدد كبير من الأميركيين العرب وحلفائهم في منازلهم أو صوتوا لمرشح طرف ثالث، فقد يكون من الصعب للغاية على الديمقراطيين الفوز في الولايات التي تشهد منافسة.

ناخبون: لن نصوت لبايدن
ميس عبد الهادي، وهي فلسطينية أميركية من جيل الشباب تقيم في ولاية فيرجينيا، والتي هي أيضاً إحدى الولايات المتأرجحة، انتخبت بايدن في 2020، تقول لـ”العربي الجديد”، إنها لن تنتخبه مجدداً. وتوضح عبد الهادي أنها أصيبت بخيبة أمل من طريقة تعامله مع العدوان الإسرائيلي على غزة، خصوصاً بعد ارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين بما يتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدولية التي يزعم بايدن أنه يتم احترامها.

جيمس زغبي: الكثير من العرب الأميركيين سيقاطعون الانتخابات، أو يصوتون لمرشح ثالث

ورغم معرفتها بأن الإدارات الأميركية سواء جمهورية أو ديمقراطية، تنحاز إلى الجانب الإسرائيلي، تقول إنها كانت تتوقع من إدارة بايدن عدم الكذب على الشعب الأميركي، وعدم إعطاء تفويض مطلق لإسرائيل لتفعل ما يحلو لها، والدعوة منذ البداية لوقف إطلاق النار وأيضاً محاسبة إسرائيل على جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكبها.

وتلفت عبد الهادي إلى أنها لن تنتخب ترامب أو أيا من المرشحين الجمهوريين المحتملين، أيضاً، معتبرة أنها لم تر أي اختلاف بين سياسات ترامب وبايدن فيما يخص قضايا الشرق الأوسط. وبرأيها، فإن الرئيس السابق لو كان موجوداً الآن لما كان هناك أي فرق.
وتشير المواطنة الأميركية الفلسطينية إلى أنها ستصوت لمرشح ثالث، ستحدده بناء على مواقفه من القضية الفلسطينية. وتعتقد أن العرب الأميركيين حال تنسيق مواقفهم يمكنهم التأثير بشكل كبير في الانتخابات المقبلة خصوصاً في ولاية مثل ميشيغان. وتقول: “أعرف الكثيرين من حولي يشاركونني الأفكار ذاتها، ولن يصوتوا للديمقراطيين في الانتخابات المقبلة”.

ترامب والجمهوريون ليسوا حلاً
ورغم رغبة كثير من العرب في عدم التصويت لبايدن، إلا أن التصويت لترامب، في حال فوزه بالانتخابات التمهيدية لحزبه لاختيار مرشح للرئاسة العام المقبل، أو لأحد المرشحين المحتملين الجمهوريين، ليس خياراً مناسباً في ما يخص قضايا الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، يقول رئيس قسم الجراحة في أحد المستشفيات في ولاية أوهايو، محمد دهمان، لـ”العربي الجديد”، إنه لم يتخذ قراراً بعد بشأن لمن سيمنح صوته، خصوصاً أنه لم يتحدد بعد المرشحون النهائيون لا سيما أنه يبقى نحو عام على الانتخابات، لكن الاتجاه في حال ترشح بايدن وترامب، هو التصويت لمرشح ثالث، على حد قوله.

استطلاع: بعد الحرب، انخفض الدعم لبايدن بين الناخبين الأميركيين العرب، من 59 إلى 17%، فيما ارتفعت نسبة دعم ترامب

ويضيف دهمان، الذي صوت في الانتخابات الماضية لبايدن، أن كل المرشحين المحتملين الجمهوريين يتخذون موقفاً داعماً لإسرائيل ويؤيدون في تصريحاتهم عملية الإبادة الجماعية في غزة. ويشير إلى أنه حتى هذه اللحظة لم يظهر مرشح يطرح خطة جديدة لحل الدولتين يمكن أن يلتف أعضاء الجالية العربية حوله في الولاية.

ويشرح دهمان أنه من قبل لم تكن القضية الفلسطينية تؤثر بشكل كبير على آراء المواطنين في التصويت، حيث تؤثر قضايا الاقتصاد وحق الإجهاض والمثلية على تصويت العرب في أوهايو مثلاً بشكل أكبر، ولكن هذه المرة خصوصاً في ظل موقف الإدارة الأميركية وعملية الإبادة الجماعية، فإنه سيكون لها تأثير كبير على المصوتين في الانتخابات المقبلة، ليس فقط في انتخابات الرئاسة وإنما أيضاً في انتخابات الكونغرس والانتخابات المحلية.