في الــ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022 من العام الفائت، تم تكليف محمد شياع السوداني برئاسة الحكومة العراقية، ومنذ ذلك التاريخ يواصل السوداني جهوده كرجل من رجال الدولة العراقية، فعلى المستوى الداخلي، سعى السوداني ويسعى إلى تحقيق الاستقرار الداخلي سياسيا واقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا للعراق. أما على المستوى الخارجي فعمل السوداني على بناء علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية. فالسوداني ولكي يحافظ على استقرار العراق في جميع مستوياته، يدرك أهمية الولايات المتحدة الأميركية في تحقيق هذه المعادلة، فمن أجل ذلك تم الاتفاق بين واشنطن وبغداد في آب الماضي على تشكيل اللجنة العليا المشتركة لتنفيذ مخرجات الحوار المشترك. ولأن ما يحدث في الإقليم حاليا وخاصة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على استقرار العراق، فقد أبدى العراق موقفه من الحرب على غزة، وكان العراق من أول الدول العربية التي قدمت المساعدات الإنسانية لأهالي غزة. ونظرًا لما اصطلح عليه “وحدة ساحات المقاومة”، فقد أيدت بعض الفصائل المسلحة العراقية عملية حماس في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وزاد تأييدها لها، سيما بعد الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل، ففي هذا السياق، بدأت ترتفع وتيرة تفاعل بعض الفصائل المسلحة العراقية مع الحدث، معلنة أن “كل القواعد الأميركية في العراق وسوريا باتت هدفاً مشروعاً لها”، وبدأت بالفعل في استهداف المصالح الأميركية في العراق، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، استهدفت الفصائل العراقية بطائرتين مسيرتين قاعدة “عين الأسد” الجوية التي تستضيف قوات للتحالف الدولي ومن بينها قوات أميركية، في محافظة الأنبار على مدار يومي 18 و19 أكتوبر الفائت. كما استهدفت في الوقت نفسه قاعدة “حرير” الجوية في إقليم كردستان. وأشارت بعض المصادر إلى أن مهمة فيلق القدس -التابع للحرس الثوري الإيراني- في هذه الاستهدافات اقتصرت على الجوانب التنسيقية فقط، لكن الاستهداف كان من قبل بعض الفصائل العراقية مباشرة منها كتائب حزب الله و “تشكيل الوارثين” والنجباء، التي وصل عدد اعتداءاتها على المصالح الأميركية في العراق لغاية الآن ما يقارب 74 اعتداء.
من جانبها.. رأت الولايات المتحدة الأميركية بهذه الاعتداءات العسكرية تهديدا خطيرا لمصالحها في العراق، وأكدت أنه من الصعوبة بمكان السكوت عليه، ومن جانبه رأي السوداني الذي يسعى وكل قوة للحفاظ على مصالح العراق، وتجنيبه أن يكون منطلقا للاعتداء على الآخرين، والحفاظ على سيادته من أي انتهاك ومن أي جانب، وأن تكون العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية على مستوى عال من الإيجابية، نظرًا لأهميتها بالوقوف الى جانب العراق في محاربة الإرهاب، فإن الاعتداء على مصالح الأميركيين في العراق لا يخدم مصالحه.
ونظرًا لأهمية اللجنة العسكرية العليا بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، فقد طلب رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني بأن تبدأ اللجنة في عقد اجتماعاتها، لكن السؤال المُلح الذي يطرح في هذا السياق: هل ستستمر اللجنة في متابعة أعمالها في حال تم الاعتداء على المصالح الأميركية في العراق؟ الأميركيون من جانبهم واضحون في الرد على هذا السؤال، ففي حال الاعتداء على مصالحهم المتعددة الأشكال “قواعد عسكرية، بعثات دبلوماسية، الجنود، المستشارون” فإنها أعمال اللجنة العراقية الأميركية ستتوقف، وستذهب الولايات المتحدة الأميركية إلى أبعد من ذلك، إذ ستتخذ إجراءات عقابية ضد الفصائل المسلحة العراقية المعتدية على مصالحها، وقد تأخذ هذه الإجراءات أشكالا عقابية سياسية وعسكرية واقتصادية.
وهذه العقوبات قد تأخذ العراق إلى المجهول الذي لا يرجوه السوداني ولا الشعب العراقي. لذلك سيسعى السوداني بكل ما أوتي من قوة وحضور سياسي إلى احتواء هذا الأمر والمتمثل في عدم الاعتداء على المصالح الأميركية في العراق، لما لها من تبعات لا يحمد عقباها. من ناحية، ومن ناحية أخرى.
المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة على السوداني.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية