نابلس– مرَّ شهران ولما يتمكن المواطن الفلسطيني ضياء الخراز من فتح معمله في بلدة حواره قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية وإعادة تشغيله، وكلما حاول ذلك أو عمد لتفقده، هاجمه جنود الاحتلال الذين حولوا القرية لثكنة عسكرية واعتدوا عليه.
وتنكيلا بالمواطنين وبذريعة عمليات فدائية في شارع حواره، أغلق جيش الاحتلال الإسرائيلي معمل الخراز المخصص لصناعة الطحينية وعشرات المحال التجارية هناك مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وصعَّد من تشديده العسكري عليها بعد عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة (حماس)- على قواعد لجيش الاحتلال في غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وعطَّل الاحتلال نحو 300 منشأة اقتصادية وتجارية مختلفة في بلدة حوارة وحدها بإجراءاته التعسفية التي طالت 25% من المنشآت الصناعية والتجارية بشكل كامل أو جزئي بالضفة الغربية المحتلة، مع توقف تام لعجلة الإنتاج بـقطاع غزة.بفعل العدوان الإسرائيلي، وفق تقرير “للمرصد الاقتصادي” التابع لوزارة الاقتصاد الفلسطينية.
الاغلاق طال كل شيء بحواره الطرق والمحال والمنشآت الصناعية في بلدة حواره جنوب نابلس- الصورة مرسلة من بلدية حواره للجزيرة نت- الجزيرة نت7
وبتوقفه عن العمل تعطّل عمال مصنع الخراز البالغ عددهم 6 ويعيلون نحو 30 فردا، ويقدِّر ضياء الخراز في حديثه للجزيرة نت خسارته خلال هذه الفترة الأخيرة بنحو 8 آلاف دولار، إضافة لأضرار كبيرة لحقت به منذ بداية العام.
ويقول إن إغلاق الطرق بفعل الحواجز ضاعف المسافات وزاد صعوبة التنقل، وأصبح تحميل البضائع وتسويقها مكلفا جدا ويستغرق وقتا طويلا.
وتشير معطيات لوزارة الاقتصاد الفلسطينية إلى أن تحويل الاحتلال بلدة حواره لثكنة عسكرية ضمن سياسة التنكيل الجماعي والحصار الاقتصادي حد من تنقل المواطنين فيها إلى 2%، وأن الحركة الشرائية مقتصرة على 10% فقط هم أهالي البلدة، فضلا عن تضرر تجار اللحوم والمواد التموينية وإتلاف نحو 80% من بضائعهم.
ولم يقتصر سوء الحال الاقتصادي على التجار، فقد عانى مقاولو البناء أمثال عدنان أبو حامد من ذلك، مما اضطره إلى وقف بعض العمال وتحويل آخرين عبر نظام المناوبة.
ويقول أبو حامد للجزيرة نت إنهم تأثروا بتأخر الرواتب وعدم انتظامها، وتوقف “عمال إسرائيل”، وولَّد ذلك تخوفا لدى المواطنين والمستثمرين بقطاع البناء، وبعضهم أوقف مشاريعه وآخرون جمَّدوا العمل بها.
وحال التاجر المستورد شادي البابا ليس بأفضل، فقد أخَّرت الحرب وارداته من إكسسوارات الملابس والهدايا بعد احتجاز إسرائيل لها لنحو شهر، وزاد الطين بلة تغريمه مبالغ طائلة كأجرة الأرضية في الميناء الإسرائيلي.
ويقول البابا للجزيرة نت إن تجارته تتراجع أصلا خلال فصل الشتاء لـ70% لكنها وصلت الآن لـ10% بسبب انخفاض الحركة الشرائية مع تقليص الرواتب وعدم انتظامها، وقدَّر خسارته بين 20 و30 ألف دولار أميركي منذ بدء الحرب على غزة.
تراجع مخيف للمنشآت
وبين تقرير “المرصد الاقتصادي” الصادر عن وزارة الاقتصاد أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن 85% من المنشآت الاقتصادية منها تراجع أداؤها نتيجة تواصل اقتحامات الاحتلال للقرى والمدن الفلسطينية، وأن 8% تعرَّضت لاعتداءاته المباشرة.
كما تراجع متوسط العاملين في 41% من المنشآت الاقتصادية بالضفة الغربية بنسبة 54% من إجمالي عدد العاملين نتيجة التدهور الاقتصادي بمختلف القطاعات، بسبب تداعيات العدوان الإسرائيلي المستمر مع التوقف شبه التام لعجلة الإنتاج في قطاع غزة.
وتراجعت أيضا وفق تقرير “المرصد الفلسطيني” إيرادات قطاع المنشآت الخدمية (المطاعم والسياحة) الشهرية بمتوسط 75%، وتراجعت الطاقة الإنتاجية للمنشآت الصناعية بنسبة 91% بمتوسط 43%.
وسجّلت 90% من المنشآت تراجعا بمبيعاتها الشهرية، خاصة وأن 78% منها عانى صعوبة بالتنقل والحركة في توزيع البضائع، جرَّاء مئات الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة بالضفة الغربية.
تعاظم الركود
ومن جهته يرى مسؤول الإعلام بالاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، سعيد عمران، تعاظم الركود الاقتصادي فعلا، مرجعا ذلك لأسباب كثيرة أهمها؛ منع إسرائيل دخول العمال الفلسطينيين إليها منذ بداية الحرب.
وأدى ذلك لتراجع الحركة الاقتصادية وانخفاض القدرة الشرائية، خاصة وأن جزءا كبيرا من هؤلاء العمال عليهم التزامات من شيكات وقروض مالية ضخمة يصعب عليهم الالتزام بسدادها.
وقدَّر عمران الخسارة المترتبة على توقف 190 ألفا من العمل في إسرائيل بمليار و250 مليون شيكل (333.33 دولار) شهريا، انعكست بشكل مباشر على قدرتهم الشرائية وتحريك عجلة الاقتصاد.
كما عانى 140 ألف موظف في القطاع العام من تقليص رواتبهم إلى 50% والتي جاءت على شكل سلف بنكية في ظل قرصنة إسرائيل على أموال المقاصة، وهي ما تجنيه إسرائيل من ضرائب على البضائع الواردة للفلسطينيين بحكم سيطرتها على المنافذ البرية والبحرية ووفق اتفاق مع السلطة مقابل عمولة 3%، وتقدر بحوالي 188 مليون دولار شهريا.
وتزيد فاتورة الرواتب والأجور الشهرية للموظفين حسب عمران عن مليار شيكل (267 مليون دولار)، وأن عدم صرفها يفقد السيولة النقدية بالسوق.
وانعكست آثار ومخاطر هذا الركود الاقتصادي بتخلي كثير من أرباب العمل عن موظفيهم، وعدم قدرة آخرين على التنقل والوصول لأماكن عملهم بيسر وأمان، إضافة لفرض إسرائيل حصارا شاملا على الضفة ومنعت دخول فلسطينيي 48 إلى الضفة الغربية والتسوق فيها.
محال يغلقها الاحتلال في بلدة حواره جنوب نابلس- الصورة مرسلة من بلدية حواره للجزيرة نت- الجزيرة نت5
حرب على الاقتصاد
وما يجري هو “حرب إسرائيلية” على الاقتصاد الفلسطيني وليس ركودا بوصف بشار الصيفي مدير مكتب وزارة الاقتصاد بنابلس كبرى مدن شمال الضفة الغربية.
ويقول الصيفي للجزيرة نت إن منع أموال المقاصة وإغلاق المعابر ومنع العمال ألقى بظلال كبيرة على تدفق الأموال للسوق وبالتالي أضعف القدرة الشرائية، وإن انعكاسات ذلك خطيرة وسيتلمس الجميع “آثارها الكارثية” حسب وصفه.
ويؤكد الصيفي أن المخاطر بدأت تظهر فعلا، وأن عددا كبيرا من المنشآت الاقتصادية لم تعد قادرة على دفع المصاريف التشغيلية، وبالتالي بدأ جزء كبير من العمالة فيها يفقد وظيفته.
وداخليا يقول الصيفي إن جهودا مبذولة للتخفيف من وطأة الآثار المترتبة على الحصار الاقتصادي، لا سيما التنسيق بين الحكومة والقطاع المصرفي لصرف نصف الراتب للموظفين، وتنسيق آخر بين الغرف التجارية ووزارة الاقتصاد لتجاوز الأزمة والبحث عن الحلول الممكنة والسريعة.
لكن الأهم توفير دعم عربي ودولي مباشر للاقتصاد الفلسطيني من جهة، ودعم آخر عبر الضغط على الاحتلال للجمه عن ممارسته التعسفية من جهة ثانية، محذرا من أن انعكاسات الوضع “الكارثي الاقتصادي” ستكون خطيرة جدا على الواقع المعيشي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي أيضا، وفق الصيفي.
المصدر : الجزيرة