تسربت، عبر صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» ثم وسائل إعلام إسرائيلية أخرى، تصريحات لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال اجتماع خاص مغلق مع 10 من نوّاب حزب الليكود في الكنيست، وقد يكون ما خفي منها أدهى في جانب واحد على الأقل هو ما يتردد عن اتساع تباين الرأي مع البيت الأبيض بشأن مسارات التوغل البري الإسرائيلي وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين الفلسطينيين ومستقبل قطاع غزة.
ونقلت التسريبات قول نتنياهو بأنه الوحيد الذي سيمنع دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، وهذا يشكل صفعة واضحة وصريحة لإعلان الإدارة الأمريكية المتكرر بأنها تعتمد حلّ الدولتين. كما نقلت عنه أن «الأمريكيين لم يرغبوا بأن ندخل في عملية برية. لم يرغبوا بأن ندخل الى الشفاء، قمنا بهذا وأيضا بذاك» مضيفاً: «أنا أعرف بايدن منذ أكثر منذ 40 عاماً، ويمكنني التحدث مع الجمهور في الولايات المتحدة». وهذا الجزء الأخير من التصريحات يمكن ببساطة أن يبعث الرسالة التالية إلى أمريكا، حكومة وشعباً: تابعوا تمويلنا بعشرات المليارات من جيوب دافعي الضرائب في أمريكا، وتزويدنا بأعلى القنابل وزناً وأشدها فتكاً، ثم اخرسوا فقط!
وليست الاستهانة بمطالب الولايات المتحدة جديدة على الحكومات الإسرائيلية منذ تأسيس الكيان الصهيوني وبصرف النظر عن الصفة السياسية لحكومة يقودها الليكود تارة أو حزب العمل تارة أخرى. والمواقف المتعاقبة التي أعرب عنها مؤخراً مسؤولون أمريكيون كبار، أمثال نائبة الرئيس ووزيري الخارجية والدفاع، تؤكد ما يتردد في الصحافة الأمريكية من «شعور الإحباط» في البيت الأبيض إزاء تطورات العدوان الإسرائيلي ضد المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة.
وكان وزير الدفاع الأمريكي قد صرح بالتالي، خلال اجتماع دفاعي رفيع المستوى: «في هذا النوع من القتال، السكان المدنيون هم مركز الثقل. وإن دفعتهم إلى أحضان العدو، فستكون النتيجة هزيمة استراتيجية بدلا من نصر تكتيكي» وذلك كان واحداً من أكثر تشخيصات التباين الأمريكي – الإسرائيلي وضوحاً بالمعنى العسكري.
ذلك كله لا يبدل من حقيقة أن تسعة أعشار الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها جيش الاحتلال ضد القطاع هي من صنع أمريكي، ولا معنى بالتالي لمناشدة الجيش الإسرائيلي الرأفة بالمدنيين. كذلك فإن مقاربة بايدن الشخصية في التعامل مع نتنياهو عن طريق ممارسة «عناق الدببة» كوسيلة لردعه أو ضبط سلوكه، باتت مهزلة الصحافة الأمريكية، ويتندر بها بعض موظفي البيت الأبيض أنفسهم.
فمن جانب أول ينطوي العناق تلقائياً على إدارة بايدن ظهره لجرائم الحرب الإسرائيلية وفظائع الإبادة الجماعية والتهجير والتجويع وقصف المشافي والمخابز ومراكز الإيواء والمدارس والجامعات، والتواطؤ فعلياً على كلّ ما يناقض الأقوال الأمريكية بصدد المشاريع الإسرائيلية في تقطيع أوصال القطاع وإعادة ترسيم جغرافيته والشروع في إقامة مناطق عازلة.
ومن جانب آخر يتضمن العناق معادلة بسيطة تخص الطرف الذي سوف يشعر أولاً بالاختناق نتيجة تشديد الاحتضان، واستطلاعات الرأي الراهنة في أمريكا لا تبشر كثيراً بصدد ولاية رئاسية ثانية لرئيس بات يعارضه 67٪ من ناخبيه الشباب لأنه لا يقوم فعلياً بالكثير ما خلا اللهاث خلف مجرم حرب إسرائيلي.