تركيا تستميل قيادات شيعية عراقية تراجعت مكانتها لدى إيران

تركيا تستميل قيادات شيعية عراقية تراجعت مكانتها لدى إيران

تركيا التي تظهر اهتماما غير مسبوق باختراق الساحة العراقية بما تنطوي عليه من أهمية اقتصادية وأمنية قصوى، تعلم أن نفوذها في البلد يمرّ حتما بالمعسكر الشيعي المسيطر عمليا على مقاليد السلطة، وتحاول في ضوء ذلك ربط شبكة علاقات مع عدد من رموزه وخصوصا أولئك الذين تراجعت علاقتهم بإيران لأسباب مختلفة.

بغداد – تشهد جهود تركيا لتوسيع نفوذها داخل العراق تحوّلا مهمّا نحو بناء شبكة علاقات واسعة مع قيادات شيعية محسوبة تقليديا ضمن معسكر الولاء لإيران، بعد أن تبيّن للقيادة التركية عدم جدوى التعويل على قيادات سنيّة لا تؤدي سوى أدوار ثانوية ومحدودة في رسم السياسات العراقية وتنفيذها.

وتستفيد أنقرة في ذلك من فتور العلاقة بين طهران وعدد من أتباعها في العراق وتراجع قيمة هؤلاء لديها لعدة أسباب من بينها انزياحهم عن الأدوار الموكولة إليهم ودخولهم في صراعات ضدّ أطراف شيعية أخرى، بالإضافة إلى تراجع شعبيهم في الشارع العراقي ما يعني تراجع قدرتهم على قيادته والسيطرة عليه.

وينطبق ذلك على قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ الذي تقول مصادر عراقية إنّ علاقته بإيران تمرّ بحالة فتور غير مسبوقة، مستدلّة على ذلك بالخلاف الذي تفجّر مؤخّرا بينه بين إحدى أكثر الميليشيات الشيعية العراقية ارتباطا بالحرس الثوري الإيراني بسبب عدم مشاركة العصائب في ضرب القوات الأميركية في سوريا والعراق.

وغاب الخزعلي عن سلسلة لقاءات عقدها رئيس الأركان الإيراني محمد باقري خلال زيارته للعراق، وظهر في المقابل في لقاء مع السفير التركي علي رضا غوناي حرص زعيم العصائب خلاله على التطرّق إلى أكثر الملفات الأمنية أهمية وحساسية لدى الأتراك وهو ملف تواجد مسلّحي حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية.

وخلال استقباله غوناي في مكتبه ببغداد تحدّث الخزعلي بلسان الحكومة العراقية التي اشترك بالفعل في تشكيلها وحصل فصيله على مقاعد وزارية فيها مؤكّدا للسفير التركي “استعداد الحكومة العراقية لتحمل مسؤولياتها الدستورية بمنع استخدام الأراضي العراقية منطلقا لتهديد دول الجوار أو شن هجمات عليها”، وموضّحا أن “العراق ينتهج سياسة التوازن في علاقاته مع محيطه الإقليمي والدولي بما يضمن استقراره وتحقيق تطلعات شعبه”.

قناعة تركية بعدم جدوى مواصلة التعويل على قيادات سنية لا تؤدي سوى أدوار ثانوية ومحدودة في السياسة العراقية

ويعني “التوازن” في السياسة الخارجية للعراق تطوير علاقات مع بلدان المنطقة تخفف من الارتهان للعلاقة بإيران، وهو ما تعمل تركيا على تحقيقه على أرض الواقع من خلال تركيز تحركّاتها على الأوساط السياسية الشيعية العراقية.

وأشار الخزعلي، بحسب بيان صادر عن مكتبه، إلى “أهمية تعزير العلاقات الثنائية في إدارة الملفات المشتركة كافة لاسيما في المجالات الاقتصادية وفق رؤية واقعية، بعيدا عن وجود أي تدخلات من أطراف أخرى”.

وورد في البيان أنّ “السفير التركي أعرب عن شكره لاهتمام الخزعلي بترسيخ العلاقات العراقية – التركية وفق رؤى تحقق مصالح البلدين”، واصفا دور زعيم العصائب بـ”المحوري والمهم في الدولة العراقية وهذا ما تعكسه خطواته الوطنية الجادة لتعزيز الدور العراقي الريادي في المنطقة والعالم”.

ويوضّح إطراء السفير التركي للزعيم الميليشياوي العراقي الرغبة الجادّة في استقطابه باعتباره أحد المشاركين بالفعل في إدارة الدولة العراقية كجزء من الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل لحكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني.

غير أنّ تعاظم الدور السياسي للخزعلي قد يكون بالنسبة لإيران انزياحا عن دوره الأصلي المتمثّل في قيادة ميليشيا العصائب وتنفيذ المهام الموكولة إليها ومن ضمنها مقارعة الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق.

وتعمّد أبوحسين الحميداوي زعيم كتائب حزب الله العراق المعروفة بارتباطها الوثيق بالحرس الثوري الإيراني إحراج الخزعلي عندما كشف مؤخّرا عن عدم مشاركة ميليشيا العصائب في استهداف مواقع تمركز القوات الأميركية في سوريا والعراق.

إطراء السفير التركي للزعيم الميليشياوي العراقي يوضّح الرغبة الجادّة في استقطابه باعتباره أحد المشاركين بالفعل في إدارة الدولة العراقية كجزء من الإطار التنسيقي

واعتبر متابعون للشأن العراقي هذا التصرف من قبل الحميداوي انعكاسا لموقف إيراني سلبي من الخزعلي بسبب انغماسه في العمل السياسي وانسياقه وراء الصراع على السلطة على حساب العمل المسلّح.

وبرز الخزعلي كزعيم ميليشياوي كبير بعد انشقاقه عن جيش المهدي بزعامة مقتدى الصدر وتأسيسه منتصف العشرية قبل الماضية ميليشيا عصائب أهل الحق بالتنسيق مع إيران التي دخل الصدر في خلافات معها بسبب ما أظهره من طموحات سياسية أدخلته في تنافس شرس مع كبار حلفائها من السياسيين العراقيين الشيعة.

لكنّ علاقة الخزعلي مع إيران شهدت هزّة أولى عندما كشفت وثائق أميركية عن محتوى التحقيق مع زعيم عصائب أهل الحق عندما كان مسجونا لدى القوات الأميركية في العراق سنة 2007، حيث أظهرت تلك الوثائق أنّ الخزعلي كشف للمحققين الأميركيين أسرار تشكيل إيران للميليشيات الشيعية وتدريبها من قبل الحرس الثوري داخل الأراضي الإيرانية ونوعية الأسلحة التي زودتها بها والمهمات التي كلفتها بإنجازها.

وقبل سنتين خرج فتور علاقة إيران بالخزعلي إلى العلن، عندما انتقد نعيم العبودي رئيس كتلة صادقون البرلمانية الجناح السياسي لميليشيا عصائب أهل الحق إيران علانية بسبب استقبالها لرئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني واكتفائها برفع علم الإقليم دون العلم العراقي خلال مراسم الاستقبال.

وطالب العبودي آنذاك الخارجية الإيرانية بـ”تفسير رفعها علم إقليم كردستان بدلا من العلم العراقي أثناء استقبال رئيس إقليم كردستان، مع الوعد بعدم تكرار هذا الخطأ”.

وتأخذ تركيا في الاعتبار مثل تلك المتغيرات الطارئة على علاقة إيران بعدد من أتباعها في العراق، مثلما تأخذ في اعتبارها وجود نقمة شعبية متزايدة على إيران داخل الأوساط الشيعية المتضررة بشكل مباشر من السياسات الإيرانية في العراق.

وعلى هذا الأساس لا تستثني تركيا من أهدافها منافسة إيران على النفوذ في مناطق جنوب العراق الموطن الأساسي للمكوّن الشيعي العراقي وهو ما عكسته زيارات قام بها مؤخرا السفير التركي غوناي بصحبة وفد من رجال الأعمال إلى عدد من محافظات الجنوب العراقي.

العرب