شاركت مطلع هذا الشهر في منتدى الخليج العاشر الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة. كان عنوان منتدى هذا العام في محوريه:
1-»علاقات دول الخليج العربية بالصين: استمرارية أم تحوّل؟»
2- «السياسات الثقافية لدول الخليج العربية».
قدمت ورقتي في الجلسة الأولى بعنوان: «توازنات دول الخليج الصعبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين». ويتكرر السؤال الذي يطرح نفسه ماذا تريد الصين من الدول الخليجية وماذا تريد دولنا الخليجية من الصين؟ خاصة منذ صعود الصين والنموذج الرئيسي والوحيد الذي يملك جميع القدرات والإمكانيات لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية على المسرح الدولي، ومع إعادة إحياء الصين طريق الحرير وتطوير مشروعها العملاق «الحزام والطريق الواحد»(BRI)- ومع نجاح وساطة الصين في مارس 2023- بين السعودية وإيران منهية الحرب الباردة وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد سبع سنوات ومواجهات عبر الشرق الأوسط في عقر دار النفوذ الأمريكي التقليدي. وتحولت الصين لأكبر مستورد للطاقة من النفط والغاز الخليجي بما فيه إيران والعراق-وأكبر شريك تجاري في الشرق الأوسط- بلغ التبادل التجاري حوالي 430 مليار دولار عام 2022. وعقدت دولنا الخليجية شراكات مع الصين ودول شرق آسيا الكبرى-اليابان وكوريا الجنوبية والهند وغيرها.
سبق وعلقت في ندوات ومحاضرات منذ الاختراق الدبلوماسي الصيني في مارس الماضي-بالتساؤل حول دور ومستقبل العلاقات الخليجية-الصينية وكيف يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي القيام بلعبة التوازنات الصعبة- مع واقع أن الولايات المتحدة تبقى الدولة الوحيدة التي تملك القدرات العسكرية والقواعد والقوات والمعدات العسكرية التي تؤمن أمن دولنا- بينما علاقتنا التجارية والاستثمار والطاقة مع آسيا والصين والعلاقة في صادرات الطاقة من نفط وغاز وضبط توازن انتاج وأسواق النفط مع روسيا ضمن مجموعة أوبك بلس التي تفسرها الولايات المتحدة، وخاصة إدارة بايدن بأنها موجهة ضد مصالح الولايات المتحدة والغرب في دعمهم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا منذ فبراير 2022- ووصل الخلاف اتهام إدارة بايدن السعودية بالاصطفاف مع روسيا برفض خفض الإنتاج ما يرفع أسعار النفط ويعزز ذلك تمويل حرب روسيا على أوكرانيا.
تواجه دولنا الخليجية حقائق وتغيرات وديناميكيات خلال العقد الماضي زيادة تراجع الحضور العسكري والأمني والاقتصادي الأمريكي الذي يقابله تصاعد حضور ودور الصين اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً
كما لا يمكن أن نستوعب توازنات دول مجلس التعاون الخليجي الصعبة بين الحليف الأمريكي الأمني، والحليف والشريك التجاري الأول-الصين- بعد تراجع التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة إلى النصف منذ عام 2012. كما تراجعت كميات النفط التي تصدرها دول مجلس التعاون الخليجي إلى الولايات المتحدة من 1.7 مليون برميل نفط يومياً عام 2012-إلى نصف مليون برميل نفط يومياً عام 2022! وبالتالي انخفضت نسبة صادرات الطاقة الخليجية للأسواق الأمريكية من 20% إلى حوالي 8% اليوم. بينما في الوقت نفسه ارتفعت نسبة واردات النفط الخليجي إلى الصين من 35% عام 2012 إلى أكثر من 42% عام 2022. و8% من إيران.
لا يمكن استيعاب حجم التغيير الكبير في العلاقات بيننا مع الولايات المتحدة والصين دون أن نقرن ذلك بهدف الصين مع روسيا بتشكيل تحالف لم يتطور بعد لتحالف استراتيجي- للدفع بتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يكسر الهيمنة والأحادية القطبية في النظام العالمي وفي منطقة الخليج العربي- ضمن ما يُعرف بصراع القوى الكبرى.
تواجه دولنا الخليجية حقائق وتغيرات وديناميكيات خلال العقد الماضي زيادة تراجع الحضور العسكري والأمني والاقتصادي الأمريكي الذي يقابله تصاعد حضور ودور الصين اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً وحتى دبلوماسيا. واضح تبدل أولويات وأهداف ومناطق نفوذ واشنطن. وذلك ما تكرره وثائق أجهزة الأمن والاستخبارات والدفاع الأمريكية عن تبدل الأولويات في اتجاه منطقتي المحيطين الهندي والهادئ-ومواجهة أكبر تحد لزعامة ودور الولايات المتحدة في النظام العالمي متمثلاً بالصين. وأن النظام العالمي في طريقه نحو التعددية القطبية- ما يصب في استراتيجية وهدف الصين وروسيا معاً، وهذا ينعكس على تحولات في العلاقات في منطقة الخليج العربي.
كما أن الولايات المتحدة تقود النظام الغربي في مواجهة واحتواء مشروع الصين العملاق الحزام والطريق الواحد بما أطلقته الولايات المتحدة ومجموعة السبع-في قمتها في بريطانيا-عام 2021-»إعادة بناء عالم أفضل»-وقادت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة العشرين في قمتها في الهند في سبتمبر الماضي تقديم مشروع ممر الهند-الشرق الأوسط- أوروبا- IMEC) يشمل الهند-الإمارات العربية المتحدة-السعودية-إسرائيل وأوروبا-ويستبعد مصر وتركيا-ما أثار حفيظة البلدين. لكن عملية طوفان الأقصى التي شنتها حماس-وحرب إسرائيل على غزة عطلت ذلك المشروع.
كما أوضح مستشار الأمن الوطني الأمريكي جيك سوليفان في مقاله في العدد الأخير من دورية فورين أفريز المرموقة أن الولايات المتحدة تشتبك مع الصين في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا. وستواجه سرقات الصين الإلكترونية والتكنولوجية لتستخدمها ضد الولايات المتحدة وحلفائها. لذلك ستحتدم المنافسة بين أمريكا والصين على جميع الأصعدة وبشكل غير مسبوق على المستوى الدولي. لكن أمريكا مستعدة للمواجهة مع الصين.
ما يضع دول مجلس التعاون في موقف صعب! لذلك لا تملك دول مجلس التعاون الخليجي سوى ممارسة لعبة التوازنات الصعبة لغياب خيارات عملية. وذلك برغم تراجع وانكفاء الحضور الأمريكي مقابل صعود دور الصين-بدءاً بصفقة ربع القرن 400 مليار دولار مع إيران عام 2021-ونجاح وساطة الصين بين السعودية وإيران-لكن ضمن سقف محدود لا تتجاوزه الصين-ضمن الشراكة التجارية والطاقة وليس أمنياً.
ستبقى تلك المعادلة والتوازنات الصعبة قائمة للمستقبل المنظور. خاصة لا بديل واقعي وعملي عن الحضور والدور الأمريكي الأمني والدفاعي ومعظم أنظمة تسلح دول مجلس التعاون أمريكية بالدرجة الأولى. كما لا قدرة ولا رغبة لدى الصين وروسيا على تحدي الوجود الأمريكي العسكري والأمني في منطقة الخليج، هذا الواقع يعلمه الخليجيون والأمريكيون والصينيون والروس، لغياب أنظمة التسلح والجنود والقواعد العسكرية.