حل الدولتين حقيقة أم محض خيال؟

حل الدولتين حقيقة أم محض خيال؟

لا يخفى على أحد أنه كلما ارتفع منسوب التهديد للوجود الصهيوني في فلسطين المُحتلة، جرى الحديث عن ما يُسمى بحل الدولتين، من قبل زعماء الغرب، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. فمنذ أكثر من ثلاثين عاما والعرب والفلسطينيون خاصة، يسمعون عن حل الدولتين، في حين أن إسرائيل تبني المستوطنات وتستولي على الأراضي وتتوسع، تعتقل وتقتل، وهنالك اليوم مليون مستوطن في الضفة والقدس.
ومع ذلك سمعنا بايدن يقول (بينما نتطلع إلى المستقبل علينا أن نُنهي دائرة العنف في الشرق الأوسط. نحن بحاجة إلى تجديد تصميمنا على متابعة حل الدولتين، حيث يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين أن يعيشوا جنبا إلى جنب في دولتين مع قدر متساو من الحرية والكرامة.. دولتين لشعبين وهذا أكثر أهمية من أي وقت مضى). فهل هنالك حقا حل الدولتين؟

الرؤية الأمريكية تصر على حل الدولتين، ولكن مع المماطلة والتسويف اللانهائي، أي نؤجل ثم نؤجل، بينما الشريك والحليف الإسرائيلي يقوم بإنشاء الوقائع على الأرض

إن فرص حصول مفاوضات حول حل الدولتين تتلاشى يوما بعد يوم، لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي من أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا، وهي لا تؤمن بدولة فلسطينية، هي تريد القضاء على مبدأ الدولة الفلسطينية. وهذه هي الاستراتيجية والرؤية والهوية لهذه الحكومة الإسرائيلية. ويتضح ذلك من خلال بناء المستوطنات وتهجير الفلسطينيين من غزة ومن الضفة الغربية أيضا. أما الرئيس الامريكي الذي يتحدث عن مبدأ الدولتين، فيجب أن يُسال هو عن ماذا فعل من أجل هذا المبدأ في ولايته الحالية التي قاربت على الانتهاء، لم يفعل أي شيء أبدا، فالتوجه العام لبايدن أعلن هو عنه صراحة في لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية حين قال، سوف تحصلون على الدولة ولكن ليس الآن. وواقع الأمر عملية التسويف هذه مستمرة منذ توقيع اتفاقيات أوسلو ولحد الآن. وحقيقة ليس هنالك ما يبرر الخروج منها، فالرئيس الأمريكي جو بايدن خلال حملته الانتخابية قبل أكثر من ثلاث سنوات قال، إنه يؤمن بحل الدولتين، وقيل إن هذه رؤية الحزب الديمقراطي ككل، وكذلك فعل كلينتون وأوباما الشيء نفسه. كلهم ادعوا أنهم يؤمنون بحل الدولتين. لكن ماذا فعل الحزب الديمقراطي لتفعيل هذا الحل؟ هل ضغطوا على إسرائيل لإيقاف بناء المستوطنات؟ وهل تصريحات بايدن اليوم تعني التزاما بحل الدولتين إذا ما فاز في الانتخابات المقبلة؟
إن الكلام عن حل الدولتين من دون مؤشرات على أرض الواقع، هو حديث معطوب ومجرد هراء لا قيمة له، وحتى كلام وزير الخارجية البريطاني الذي صوّره البعض بأنه مهم حين قال، حان وقت الأفعال والاعتراف بالدولة الفلسطينية وانضمامها إلى الأمم المتحدة، قبلت الحكومة الإسرائيلية بهذه الدولة أو رفضت، هو أيضا مجرد أقوال من دون أفعال. فلا يوجد تغيير عميق في السياسة الخارجية لحكومة ريشي سوناك تجاه الشأن الفلسطيني. نعم يوجد تغيير طفيف في الخطاب السياسي، لغة جديدة، لغة إنشائية عن حل الدولتين لن توصلنا إلى شيء. وفي نهاية المطاف السياسة الخارجية البريطانية تتبع الولايات المتحدة. من هنا ما لم يتم تفعيل العملية السياسية لحل الدولتين يبقى الموضوع مجرد كلام. والحل الأصوب هو اعتراف بدولة فلسطين من بقية الدول وإدخالها إلى الأمم المتحدة. إن الركائز الأساسية لحل الدولتين غائبة حاليا، إن كان في المشهد السياسي الإسرائيلي، أو حتى لدى السلطة الفلسطينية كذلك، فهناك حاجة لانتخابات فلسطينية حقيقية، لأن الحكومة الفلسطينية الحالية لا تمثل أغلبية الشعب الفلسطيني، وأن الشرعية الانتخابية لها انتهت منذ فترة طويلة، وفي إسرائيل بات اليوم الصوت الأعلى في الكنيست هو لنتنياهو وحكومته العسكرية، وهم من أوضحوا أن العملية العسكرية والقصف على غزة سوف يستمر، بالإضافة إلى تشجيعهم للعمليات التي يشنها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد كذبت الولايات المتحدة وإسرائيل معا، منذ أن أفشل نتنياهو حل الدولتين ما بين عامي 1996 و1997، وهما حتى اليوم ما زالا يكذبان. نتنياهو يكذب من خلال سياساته الاستيطانية والفاشية والعنصرية على الفلسطينيين، من أجل أن لا يكون هنالك حل الدولتين. والولايات المتحدة تكذب من خلال منهج التسويف، الذي اعتمده بايدن في كلامه مع السلطة الفلسطينية ووعوده التي لم تأت ولن تأتي.
إذن لا اختلاف موضوعي بين الطرفين، خاصة أننا شهدنا وصول الطائرة رقم 200 إلى إسرائيل كجزء من الجسر الجوي القائم والدعم مستمر. قد يقول البعض هنالك خلافات بين الطرفين تفيد القضية الفلسطينية، والجواب نعم توجد خلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكنها خلافات في الرؤى لا خلافات في التوجهات، أي أن المسألة على مستويين آني ومستقبلي، على المستوى الآني يوجد التقاء كامل بين الإدارة الامريكية وحكومة نتنياهو الحالية، وهو الدعم المطلق وتوفير المعدات، وتوفير الغطاء السياسي والغطاء الإعلامي. لكن ما يتعلق بالرؤى فالرؤية الأمريكية تلتقي مع الرؤية الإسرائيلية، ولكن تختلف معها في الجوهر. الرؤية الأمريكية تصر على حل الدولتين، ولكن مع المماطلة والتسويف اللانهائي، اي نؤجل ثم نؤجل، بينما الشريك والحليف الإسرائيلي يقوم بإنشاء الوقائع على الأرض.. وهذه الوقائع هي التي تتحدث عن كذبة حل الدولتين.
إن الحقيقة التي باتت واضحة جدا هي، أن الإدارة الأمريكية الحالية ليست جديرة بالقيام بعملية سلام، وهي لا تستعمل ضغطها على إسرائيل بأي شكل من الأشكال، وهذا الموقف السلبي تؤكده دائما وأكدته في الأسبوع الماضي، عندما أفشلت مشروع قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، وأتبعته بالموافقة على صفقة أسلحة وذخائر لإسرائيل بقيمة 106 ملايين دولار، واستعملت في تمريرها سلطتها، بعد عرقلتها من قبل مجلس الشيوخ في ظل خلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين، ما أثار شكوكا موضوعية حول ما إذا كانت جادة فعلا في ما تروّج له من أنها تؤيد حل الدولتين أم لا، بالتالي كيف يمكن الذهاب بكل هذه الوقائع إلى عملية سلام وحل يفضي إلى حل الدولتين؟ إنه مجرد كلام من قبل واشنطن، وحتى لم يعد حُلما لدى الكثيرين، فالوقائع على الأرض هي دولة واحدة، والآن بدت أكثر وضوحا من قبل بأنها دولة عنصرية فاشية، وحل الدولتين قد اندثر.
إن حل الدولتين الذي يردده بايدن باستمرار، بات أشبه بالمسرحية، فهو يتحدث عن هذا المبدأ لكنه لم يتخذ على الإطلاق أية خطوات عملية لتحويل هذا الشعار إلى واقع حقيقي. هو تراجع عن ما وعد به أصلا في حملته الانتخابية من أن يعيد افتتاح القنصلية الأمريكية، التي كانت موجودة في القدس قبل إنشاء الكيان الصهيوني، كما تراجع عن فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة، بل إنه لم يعين مندوبا ثابتا وأساسيا لعملية السلام على غرار ما فعله غيره من الرؤساء. وها هو يردد حل الدولتين، من دون أن يُقدّم أي شيء يجعل نتنياهو على الاقل يجمد الاستيطان. وبذلك يمكن القول بأن هذه الإدارة كما غيرها من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، أدمنوا مسألة إدارة الصراع العربي الإسرائيلي وليس حله.