لا يفصل عن موعد إجراء الانتخابات المحلية في العراق، الخاصة باختيار حكومات المحافظات، سوى أسبوع واحد (الانتخابات مقرّرة في 18 ديسمبر/ كانون الأول الحالي)، فيما يزداد الاحتقان لدى القوى المُقاطعة لهذه الانتخابات، وأبرزها “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، الذي يندفع أنصاره في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب باتجاه تمزيق لافتات المرشحين ومحاولة تعطيل سير العملية الانتخابية وعرقلة اللمسات الأخيرة للحملة الدعائية للأحزاب المشاركة. ويتوقع مراقبون سيناريوهات عدة لهذا الاستحقاق، من ضمنها تعطيل إجراء الاستحقاق في أكثر من محافظة، وإذا أجريت بسلاسة، فإنها لن تكون خارجة عن مرمى الصدريين من جهة، والحراك المدني والاحتجاجي الذي عاود نشاطه خلال الأسابيع الماضية، من جهة أخرى.
“الإطار التنسيقي” يجهد للتحشيد
وعلى الرغم من ذلك، فإن قادة الأحزاب في تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم الكيانات السياسية وأجنحة سياسية لفصائل مسلحة تُوصف بأنها حليفة لطهران، يمارسون جهوداً دؤوبة من أجل زيادة نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات. حتى أن بعض قادة الإطار عادوا للتحشيد المذهبي، معتبرين أن “مقاطعة الانتخابات ستؤدي إلى تراجع تمثيل المكون الشيعي في البلاد”، بحسب تعبير عدد من قادة “الإطار”، أبرزهم (رئيس الحكومة الأسبق) نوري المالكي و(زعيم جماعة “عصائب أهل الحق”) قيس الخزعلي. ويبدو أن هذا الصراع سيأخذ مديات أوسع وقد تكون أخطر خلال الأيام المقبلة، وتحديداً في يوم إجراء الانتخابات وما بعدها، أي قبل إعلان النتائج.
لن تكون الانتخابات إذا أجريت بسلاسة خارجة عن مرمى الصدريين والحراك المدني والاحتجاجي
وبحسب رئيس الفريق الإعلامي لمفوضية الانتخابات في العراق عماد جميل، فإن “العراقيين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات المحلية يتجاوز عددهم 23 مليون مواطن عراقي، بينهم أكثر من 10 ملايين شخص قاموا بتحديث سجلاتهم الانتخابية”. كما سيكون هناك 296 حزباً سياسياً انتظمت في 50 تحالفاً ستشارك في الانتخابات، ويتنافس المرشحون على 275 مقعداً هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات بشكل عام، وجرى تخصيص 75 منها ضمن كوتا للنساء و10 مقاعد للأقليات العرقية والدينية”، بحسب جميل.
وأضاف جميل، في اتصالٍ مع “العربي الجديد”، أن “عدد مراكز الاقتراع للتصويت العام بلغت 7166 مركزاً والمحطات 35 ألفاً و553 محطة (في كل مركز توجد بين 4 و6 محطات)، وعدد مراكز اقتراع التصويت الخاص (المخصصة لأفراد الجيش والشرطة والسجناء ونزلاء المستشفيات) بلغت 565 مركزاً والمحطات 2367 محطة، كما أن عدد مراكز اقتراع النازحين بلغت 35 والمحطات 120 محطة، وبهذا يكون المجموع الكلّي لمراكز الاقتراع 7766 مركزاً والمحطات 38 ألفاً و40 محطة”.
ولفت جميل إلى أن “الاستعدادات تسير على أكمل وجه، وقد نفذت المفوضية أكثر من تجربة للانتخابات، وقد نجحت وتجاوزنا حدوث أي أخطاء، بالإضافة إلى تفعيل كاميرات مراقبة في مراكز الاقتراع لرصد العملية الانتخابية، وإجراءات جديدة فنية وأمنية ولوجستية”. وبيّن أن “10 آلاف موظف سيديرون العملية الانتخابية، و250 ألف متدرب، عند إجراء عملية الاقتراع من الموظفين وغيرهم، ناهيك عن اللجان الفنية التي ستعمل عبر لجان فرعية لكل المناطق والمحافظات لمتابعة العملية الانتخابية”.
استعدادات أمنية لحماية الانتخابات المحلية العراقية
في غضون ذلك، تستعد القوات الأمنية العراقية بصنوفها كافة، لمنع أي خروقات أمنية قد تحصل من قبل المقاطعين، وفقاً لمصدر أمني تحدث لـ”العربي الجديد”. وبيَّن المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن “الاستعدادات الأمنية كبيرة جداً، وهناك توجيهات صارمة بشأن التعامل بحزم تجاه أي مظهر مسلح أو خرق أمني أو ممارسة تهدف إلى تعطيل الانتخابات”.
هيثم عمر: المقاطعة لن تترك أي أثر إصلاحي على الوضع السياسي
واجتمع رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الأحد الماضي، مع كبار قادة التشكيلات الأمنية المختلفة، مشدداً وفق بيان صدر عن مكتبه، على “وجوب حفظ الأمن والاستقرار في البلاد، والتصدي لأي محاولة للعبث بهما، كونهما يمثلان ركيزة أساسية تستند إليها الخطط التنموية التي تستهدف النهوض بجميع القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها الجانب الخدمي”. وأكد البيان على “ضرورة المحافظة على العملية الانتخابية وتطبيق القانون، وفقاً للسياقات الدستورية في محاسبة كلّ من يعرقل إجراءها”.
اختلافات في الرأي حول جدوى المقاطعة
وبحسب عضو ائتلاف النصر، والمرشحة عن تحالف “قوى الدولة” آيات مظفر نوري، فإن “العملية الانتخابية هي ممارسة ديمقراطية مهمة، وهي مرحلة لبناء دولة ونظام المؤسسات، وأن عدم المشاركة في الانتخابات هو حق طبيعي، لكن عرقلتها بالقوة حالة غير طبيعية ولا تتوافق مع القوانين”. واعتبرت آيات مظفر نوري في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الانتخابات المقبلة ستؤدي إلى إنقاذ المحافظات العراقية جميعها، ولا سيما أنها تأتي ضمن حكومة هدفها الخدمات وتوفير ما لم توفره الحكومات السابقة”.
وأضافت المرشحة أن “الانسحاب من الانتخابات أو مقاطعتها يضر بطبيعة الحال في مظهر مجالس المحافظات المقبلة، لأنها تفقد بعض تمثيلها، وبالنسبة للتيار الصدري فإن وجوده مهم في العملية السياسية، وحتى بعض القوى السياسية المدنية”، معتبرة أن “الانتخابات المقبلة تشتد فيها المنافسة، ولا سيما أن المشاركة فيها تعتبر تحدياً وجودياً لبعض الأحزاب”.
مروة الحساني: الانتخابات المرتقبة ستشهد أعلى معدل عزوف في تاريخ الانتخابات بعد 2003
من جهته، أشار هيثم عمر، عضو حزب “الوعد العراقي”، وهو كيان مدني جديد تحالف مع تحالف “الأساس” (بزعامة رئيس مجلس النواب العراقي بالإنابة محسن المندلاوي)، إلى أن “المشاركة والعودة إلى فكرة التغيير من الداخل في العملية السياسية هي كل ما نملكه، لأن المقاطعة لا تترك أي أثر إصلاحي على الوضع السياسي، بالتالي فلا بد من المشاركة”. وأكد عمر أن “الحراكات المدنية الجديدة قد تحصل على تمثيل جيّد إذا لم تقم الأحزاب الكبيرة والنافذة والفصائل المسلحة بالاستيلاء على أصوات المدنيين”.
أما عضو حركة “وعي” المقاطعة للانتخابات مروة الحساني، فقد أشارت إلى أن “خيار المقاطعة الذي أعلنا عنه، وأعلنت عنه قوى سياسية أخرى، أساسه القاعدة المعروفة، وهي ما بني على باطل فهو باطل، بالتالي فإن مخرجات العملية السياسية الفاسدة الحالية، وقانون الانتخابات المرفوض، بالإضافة إلى تفشي السلاح واستخدام المال السياسي والتهديدات للمرشحين والأحزاب الناشئة، كلها مؤشرات إلى أن النتائج لن تكون ممثلة للشعب العراقي”.
ولفتت الحساني في اتصال مع “العربي الجديد”، إلى أن “الانتخابات المرتقبة ستشهد أعلى معدل عزوف في تاريخ الانتخابات بعد عام 2003، ولا نستبعد أن تترك آثاراً سيئة، ولا سيما أن كل الأحزاب تسعى إلى النيل من المال العام والحصول على الصفقات والمكاسب والمنافع”.
وستجرى انتخابات مجالس المحافظات العراقية وفقاً لطريقة “سانت ليغو”، التي تعتمد على تقسيم أصوات التحالفات على القاسم الانتخابي 1.7، ما يجعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة ترتفع على حساب المرشحين المستقلين والمدنيين، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة. وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين، وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور العراقي، وستكون هذه أول انتخابات محلية تُجرى في العراق منذ إبريل/ نيسان 2013.