يطرح إعلان برنامج الغذاء العالمي، في بداية ديسمبر 2014، عن تعليق مساعداته الغذائية للاجئين السوريين في دول الجوار، بسبب نقص التمويل المتاح له، تساؤلات عديدة حول الإشكاليات التي تواجه تقديم الدعم المادي والمالي للاجئين السوريين الذين يتزايدون بشكل مستمر نتيجة تفاقم الأزمة في سوريا، والتداعيات المحتملة لذلك على الأوضاع الإنسانية للاجئين من ناحية، والاستقرار الأمني في دول الجوار من ناحية أخرى.
جهات مختلفة:
تتعدد الجهات المانحة التي تقدم الدعم المادي للاجئين السوريين، وقد أولت أطراف المجتمع الدولي ، من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني العالمية وبعض دول الجوار، اهتمامًا خاصًّا بقضية اللاجئين السوريين منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011. وتعتبر تركيا إحدى الدول الداعمة للاجئين السوريين، إذ قدمت، بحسب نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش، ما مجموعه نحو 4.6 مليارات دولار، خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية، فيما قدمت دول أخرى معونات إنسانية مستمرة لتلبية احتياجات اللاجئين في سوريا وخارجها.
فضلا عن ذلك، تُشير التقديرات إلى أن الاتحاد الأوروبي قدم نحو 3 مليارات يورو لإغاثة السوريين داخل وخارج البلاد منذ عام 2012. وأعلنت المفوضية الأوروبية، في 4 ديسمبر 2014، تخصيص مساعدات إضافية بقيمة 180 مليون يورو لمساعدة النازحين واللاجئين السوريين، خاصة في مجالى التعليم والتدريب المهني. كما تقوم الأمم المتحدة بدور كبير في تقديم المساعدات بناء على المعونات التي تتلقاها من الدول المانحة.
عقبات متزايدة:
لكن رغم ذلك، فإن المساعدات الإنسانية التي تقدم للاجئين السوريين تواجه مشكلات تنظيمية، يتمثل أبرزها في:
1- تنسيق مفتقد: فمن الملاحظ في هذا الشأن عدم وجود آلية مركزية لتقديم الدعم المالي للاجئين، الأمر الذي يؤدي إلى غياب التنسيق وعدم الكفاءة في الإنفاق، وذلك على عكس العديد من التجارب الدولية التي توصي بإنشاء صندوق مركزي يكون مظلة يمكن من خلالها بعد ذلك تمويل المبادرات وبرامج الإغاثة الإنسانية.
2- نقص الشفافية: تشير بعض الاتجاهات إلى تردد العديد من المانحين الدوليين في التبرع لحكومات الدول المجاورة، بسبب نقص الشفافية فيما يتم تخصيصه من أموال للاجئين السوريين.
3- توتر العلاقة مع منظمات المجتمع المدني: تبدو العلاقة بين بعض الدول المجاورة والمنظمات غير الحكومية الدولية متوترة، ويعود ذلك إلى تعمد بعض تلك المنظمات تجاهل دور حكومات هذه الدول في تقديم المعونات المالية والمادية، فضلا عن ضعف التعاون بين منظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية في هذا الصدد.
تراجع ملحوظ:
تبلغ متطلبات توفير الاحتياجات الأساسية للاجئين السوريين نحو 3.7 مليارات دولار خلال عام 2014، لم يتم تغطية سوى 53% فقط منها، بحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، ويرجع هذا النقص إلى أسباب عديدة تتمثل في:
1- تزايد أعداد اللاجئين: في عام 2013 وحده، تم تسجيل نحو 1.7 مليون لاجئ، وحتى نهاية نوفمبر 2014، وصل إجمالي عدد اللاجئين السوريين في مختلف دول العالم إلى نحو 3.1 ملايين لاجئ. ومع تصاعد حدة الصراع في سوريا، من المتوقع أن تتزايد تدفقات اللاجئين للدول المجاورة، وهو ما سيضيف أعباء جديدة على تلك الدول إلى جانب المنظمات الدولية المعنية بتقديم المساعدات للاجئين.
2- عدم الالتزام بالتعهدات الدولية: يظل الدعم المالي المقدم من المجتمع الدولي لوكالات الأمم المتحدة وللدول المضيفة الرئيسية، غير قريب من تلبية الاحتياجات الرئيسية للاجئين السوريين، وهو ما دفع برنامج الغذاء العالمي إلى إعلان تعليق المساعدات الغذائية لـ1.7 مليون لاجئ سوري، في 1 ديسمبر 2014، بما يطرح تساؤلات عديدة حول مدى التزام المجتمع الدولي بتقديم نحو 2.4 مليار دولار، على ضوء ما انتهى إليه المؤتمر الدولي الثاني للمانحين بالكويت الذي عقد في يناير 2014، لدعم الوضع الإنساني في سوريا.
3- أعباء الاقتصادات المجاورة: تبدو فرص قيام عدد من الدول المجاورة بتقديم الدعم المالي للاجئين ضعيفة؛ حيث إنها تحملت أعباء اقتصادية كبيرة تفوق ميزانياتها خلال الأعوام الثلاث الماضية، وقد تضررت العديد من الاقتصادات المجاورة جراء تدفقات اللاجئين السوريين، التي فرضت ضغوطًا على الخدمات العامة، وتسببت في زيادة الإنفاق العام، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة والفقر. فعلى سبيل المثال تقدر دراسات البنك الدولي أن الأزمة السورية خفضت معدل نمو الاقتصاد اللبناني بنحو 2.9 نقطة مئوية خلال الفترة من 2012-2014، كما أنها زادت الإنفاق العام بنحو 1.1 مليار دولار، فضلا عن أنها تسببت في ارتفاع البطالة إلى 20%.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن تعليق المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين سوف يفرض، في الغالب، أزمات إنسانية واسعة. وتشير تقديرات برنامج الغذاء العالمي إلى أن 85% من عائلات اللاجئين في المجتمع الأردني لا تملك الموارد المالية اللازمة لتلبية احتياجاتها من دون مساعدات البرنامج. وفي حالة استمرار تقليص المساعدات من قبل برنامج الأغذية أو المنظمات الأخرى، فسيؤدي ذلك إلى إجبار عدد من دول الجوار على فرض قيود على دخول اللاجئين إلى أراضيها، وهو ما يمكن أن يتسبب في النهاية في حدوث اضطرابات أمنية، سواء داخل دول الجوار، أو على الحدود السورية مع تلك الدول، بما يعني في النهاية أن التداعيات المحتملة لتوقف أو انخفاض المساعدات للاجئين السورين لن تقتصر على الجانب الإنساني فحسب، وإنما ستمتد إلى الجانب الأمني أيضًا، حيث من المتوقع أن تتسبب في حدوث مزيد من التوتر وعدم الاستقرار في دول الجوار.
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية
http://goo.gl/PqhgOl