نهاية إسرائيل… بين تصريحات بايدن وممارسات نتنياهو

نهاية إسرائيل… بين تصريحات بايدن وممارسات نتنياهو

(سلامة الشعب اليهودي على المحك حرفياً)، كان هذا التصريح الصادر نصاً، عن الرئيس الأمريكي جو بايدن، صادماً بالمعنى الحرفي للكلمة، ذلك أنه أول اعتراف رسمي من الديمقراطيين بهذا الصدد، الذي يشير فيه صراحةً إلى إمكانية زوال الدولة اليهودية، وهي العقيدة التي يؤمن بها البروتستانت هناك، ممثلون بالدرجة الأولى في الحزب الجمهوري، منذ أن أشار إلى ذلك الرئيس الأسبق رونالد ريغان، خلال ثمانينيات القرن الماضي، في معرض تمنياته اللحاق بحرب هرمجدون، كنهاية للعالم، وهي العقيدة نفسها التي كانت هاجس الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، في سياق غزو العراق عام 2003.
هي أيضاً عقيدة مشتركة فلسطينية – إسرائيلية، عبّر عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، بقوله: إن عُمْر دولة إسرائيل تاريخياً لم يتجاوز في الماضي الـ80 عاماً، وأن الأعوام العشرة الأخيرة تمر عادةً بصراعات داخلية وخارجية، كما هو الحال الآن، بينما تنبأ مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، بنهاية دولة إسرائيل عام 2027، وهي النبوءة نفسها التي حدد لها، قبل عشرة أعوام، المرشح الرئاسي السابق في مصر -السجين الآن- الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، العام الحالي 2023.

العملية العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، كانت نتاجاً لممارسات تعسفية، بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث عمليات القتل اليومية

وهناك أيضاً من استمدوا نبوءاتهم من الكتب المقدسة، ومن بينهم الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، اعتماداً على ما جاء في القرآن الكريم، سورة الإسراء (فَإِذا جَاء وَعْدُ الآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُم لفِيفَا)، في إشارة لمغزى تجميع اليهود في دولة، أو مكان واحد، حتى تسهل الإطاحة بهم، وهزيمتهم، وهو ما يخشاه العديد من الجماعات الدينية اليهودية في الشتات، الذين يرفضون إقامة أي دولة، أو أي كيان يهودي لهذا السبب، وفي مقدمتهم جماعة «ناطوري كارتا» بنيويورك، التي تأسست منذ عام 1935. وربما كان هذا الطرح، هو ما يفسر ذلك الفزع الذي أصاب بعض دول الغرب، في أعقاب العملية العسكرية التي شنتها المقاومة الفلسطينية على دولة الاحتلال في السابع من أكتوبر الماضي، والتي أعقبتها زيارات مكثفة لإسرائيل، من قادة هذه الدول، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، التي لم تكتف بذلك فقط، بل أرسلت أسلحة ومعدات وقوات وخبراء، ناهيك عن الدعم في المحافل الدولية، رغم المعارضة الشعبية في كل هذه الدول، والتعبير عن ذلك بمظاهرات احتجاج صاخبة، لم تلتفت السلطات هناك لأي منها. وبعد مرور أكثر من شهرين على القصف الذي دمر كل مقومات الحياة في قطاع غزة، وقتل أكثر من 18 ألفاً من المدنيين، يخرج بايدن للمرة الأولى محذراً، من أن إسرائيل تفقد الدعم في جميع أنحاء العالم، في تحول خطير للموقف الأمريكي الرسمي، بالتزامن مع تصريحات رعناء، أطلقها رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو، قال فيها: (لا مكان لفتح ولا لحماس في غزة)، في إشارة إلى أن حكم غزة في المستقبل سيكون إسرائيلياً، ما دفع رؤساء وزراء حكومات كل من استراليا وكندا ونيوزيلندا، في اليوم نفسه، إلى الإعلان عن معارضة إعادة احتلال غزة، أو حتى تقليص مساحتها، أو تهجير سكانها قسرياً، مؤكدين حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم
المراقب للتطورات السياسية الدولية، سيكتشف ذلك التحول المهم للموقف من الأزمة، التي بدأت بالبحث في تهجير شعب غزة، وتطورت إلى مخاوف صريحة من نهاية دولة إسرائيل، وها هي تبحث الآن وتشكك في الأرقام المعلنة للخسائر في صفوف الضباط والجنود هناك، وتراقب عن كثب مدى الخلافات الداخلية، التي لن تكتفي أبداً بالإطاحة برئيس وزراء الكيان، أو حتى سجنه، في ظل انقسامات مجتمعية غير مسبوقة، بالتزامن مع عمليات هجرة جماعية إلى الخارج، خصوصاً إلى البرتغال، التي فتحت الباب على مصراعيه لاستقبال اللاجئين اليهود، وتقديم تسهيلات كبيرة في هذا الشأن. الغريب في الأمر، أن التصريحات الرعناء لرئيس الوزراء الإسرائيلي، تضمنت تهديداً للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، خصوصاً قوى الأمن هناك، وهي التصريحات التي تلقفها في اليوم نفسه، القيادي بحركة حماس أسامة حمدان، مخيراً السلطة الفلسطينية بين الاحتلال والمقاومة، ومشيراً إلى أن هناك 80 ألف قطعة سلاح بيد قوى الأمن الفلسطيني يجب استخدامها في مواجهة العدو، وحين ذلك سيتغير ميزان المواجهة، على حد قوله، موضحاً في الوقت نفسه، أن ما قاله نتنياهو يعبر عن نية مسبقة للغدر بالسلطة الفلسطينية، وبمواطني الضفة عموماً، في محاولة لإرباك الموقف من جهة، ولتنفيذ مخططات اليمين المتطرف هناك من جهة أخرى. يجب الوضع في الاعتبار، أن العملية العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية داخل إسرائيل في السابع من أكتوبر، كانت نتاجاً لممارسات تعسفية وخطيرة، بحق المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث عمليات القتل اليومية، وفي الوقت نفسه بحق المسجد الأقصى، حيث إجراءات المنع من الصلاة، والاقتحامات المتكررة، والإعلان طوال الوقت عن مخططات الهدم والتهويد، وغير ذلك كثير، صاحبته نداءات استغاثة، لم تستجب لها المؤسسات الدولية، ولا العواصم المعنية. وها هي الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تعلن، على لسان رئيسها، عن مخططات جديدة بحق الضفة الغربية، والسلطة القائمة هناك، بما يشير إلى أن هذه الممارسات سوف تفضي إلى وضع أكثر اشتعالاً، يمكن أن يؤدي بالفعل لنهاية هذا الكيان تحقيقاً لقول الله سبحانه وتعالى «يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيِهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنين» (سورة الحشر)، وهو أمر يعيه الرأي العام على الجانبين جيداً، بما يشير إلى أننا أمام حرب عقائدية بالدرجة الأولى، يترقبها العالم الآن بإمعان شديد، من خلال العودة لكتب التاريخ والجغرافيا، ليس ذلك فقط، بل إلى الكتب المقدسة، خصوصاً بعد مشاهدة ذلك الصمود الأسطوري للشعب صاحب الأرض والتاريخ والجغرافيا.
أعتقد أن الأسابيع والشهور المقبلة، ستحمل التطورات الأكثر سخونة وتحولاً في تاريخ القضية الفلسطينية، التي بدأت بدعوات إسرائيلية إلى هدنة مؤقتة بالمواصفات السابقة، قابلها رفض فلسطيني، رغم الخسائر البشرية اليومية في صفوف المدنيين في قطاع غزة، خصوصاً النساء والأطفال، مع تواتر الحديث عن خسائر غير مسبوقة في صفوف قوات الاحتلال، وتراجع كبير من داعميه، في الوقت الذي تؤكد فيه حركة حماس بشكل خاص، على تماسكها وقوتها التنظيمية، وارتفاع معنويات مقاتليها، لذا يمكننا الاعتقاد أيضاً، بأن تغييراً في الموقف الرسمي العربي، سيكون متوقعاً مع طول أمد الحرب، نظراً للضغط الشعبي من ناحية، ومن ناحية أخرى بعد انكسار هيبة جيش الاحتلال ومعنويات ذلك الكيان بشكل عام، في أعقاب سنوات طويلة، فرض خلالها حالة من الخوف والخزي في الكثير من العواصم العربية، التي هرولت الواحدة تلو الأخرى نحو التطبيع وتبادل الزيارات، وإقامة علاقات تجارية واقتصادية، وغير ذلك من أوضاع مخجلة، آن لها أن تتوقف، بعد أن ثبت على يد فصائل المقاومة أنها كانت حالة من الوهم لا أكثر ولا أقل.
وربما يصب في ذلك الاتجاه، ما كشف عنه التحقيق الفرنسي، الذي تم الإعلان عنه أخيراً، من كذب الادعاءات الإسرائيلية، بشأن قطع رؤوس الأطفال في السابع من أكتوبر، وبقر بطون النساء، وبتر أطراف الرجال، وهي الادعاءات التي سوّق لها رئيس وزراء كيان الاحتلال شخصياً، بما يؤكد أننا أمام كيان قام على الكذب والافتراء، وها هو الآن يتعرى ويترنح أمام داعميه بالدرجة الأولى، وسيتسابقون مستقبلاً للتبرؤ منه ومن ممارساته، خصوصاً مع التطور العالمي في صناعة الإعلام، من خلال «السوشيال ميديا» بالدرجة الأولى، حيث نقل الأحداث على الهواء، مع صعوبة التزوير والتزييف. من هنا، يجب التوقف أمام ما قاله الرئيس الأمريكي بايدن، أمام ممثلين للجالية اليهودية في الولايات المتحدة، ناصحاً نتنياهو، بضرورة تغيير حكومته، وتقويتها، من أجل التوصل إلى ما سماه (حلاً طويل الأجل للصراع)، في إشارة إلى أن هذه الحكومة المتطرفة قد تكون السبب في زوال ذلك الكيان، وفي إشارة أيضاً إلى الرفض الأمريكي لذلك الطرح الصادر عنها، سواء بشأن غزة أو الضفة الغربية، أو القضية الفلسطينية ككل، وتحديداً حل الدولتين. ويجب أن نضع في الاعتبار أن تعبير بايدن هنا، راعى اللياقة الدبلوماسية والسياسية، ذلك أنه يعي تماماً أن نتنياهو نفسه يمثل المشكلة الأساسية، وأنه أصبح مرفوضاً في الداخل الإسرائيلي، كما أشارت استطلاعات الرأي هناك، بالتالي يجب أن يكون في طليعة التغيير، إلا إننا رغم ذلك لا نستبعد أن تكون النهاية والزوال بوجوده، بل على يديه هو وأمثاله من المتطرفين، فإذا كانت إسرائيل قد أُنشِئت بوعد من وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، فإن زوالها وعد الله سبحانه وتعالى.