رفعت جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) في اليمن سقف تأثيرها على حركة التجارة العالمية عبر البحر الأحمر يوم السبت الماضي حين أعلنت أن «أي سفينة تبحر إلى إسرائيل أيّا كانت جنسيتها ستكون هدفا مشروعا في حال لم تدخل إلى قطاع غزة حاجته من الغذاء والدواء»، وذلك بعد أن كانت الهجمات، خلال الأسابيع الماضية، اقتصرت على السفن الإسرائيلية فقط.
كان الحوثيون قد استولوا في 19 تشرين ثاني/نوفمبر على سفينة الشحن «غالاكسي ليدر»، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، ثم استهدفوا بعد قرارهم الأخير ناقلة النفط النرويجية «استريندا» بصاروخ بحري، ثم نفذوا هجمات على ثلاث سفن للبضائع في 3 كانون أول/ديسمبر، وقام عناصر منهم، أمس الخميس، بالسيطرة على سفينة شحن، كما قاموا باستهداف سفن وإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل.
لدى الحوثيين عدد ضخم من الصواريخ المضادة للسفن (مندب1 و2)، وصواريخ باليستية تحمل رؤوسا حربية زنة 300 كلغ مصممة لاستهداف سفن حربية عن مسافة 500 كم (عاصف وتنكيل وفاتح ورعد)، وصواريخ كروز يصل مداها إلى 800 كم (القدس وصياد)، كما يملكون سفنا وطائرات مسيّرة، وقد استخدموا الصواريخ الأصغر والمسيّرات حتى الآن.
يعتبر البحر الأحمر «الطريق البحري السريع» الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي وتمر فيه 20 ألف سفينة تقريبا كل عام، وتمر حوالى 40% من التجارة الدولية عبر باب المندب الذي يفصل شبه الجزيرة العربية عن أفريقيا.
هناك منفذان لإسرائيل على البحر الأحمر، الأول هو قناة السويس ومضيق تيران، والثاني هو باب المندب على الساحل اليمني، وكان إغلاق مصر، عام 1967، مضيق تيران أحد أسباب الحرب، وقد قامت القاهرة لاحقا باستخدامه خلال حرب 1973.
تضع هجمات الحوثيين تل أبيب في مأزق كبير، وحسب أحد مسؤوليها السابقين، فإنها أمام خياري العمل بصورة مكثفة وسريعة للتخلص من التهديد، أو تجنّب المواجهة مع كل ما قد يحمله ذلك «من ناحية الإضرار بسمعة إسرائيل فيما يتعلق بالردع، والخسائر الاقتصادية الناجمة، وقد هدد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، بأن إسرائيل «ستتحرك لإزالة الحصار البحري إذا لم يهتم العالم بالأمر».
«العالم» المقصود طبعا، هو حلفاء إسرائيل الغربيين، الذين تحركوا فعلا فتعاملت الولايات المتحدة الأمريكية، القوّة الأكبر في الخليج، مع إجراءات الحوثيين بتعزيز وجودها هناك بحاملة الطائرات أيزنهاور التي وصلت قبل أسبوعين، وأسقطت بعض المسيّرات اليمنية، وكذلك فعلت فرنسا التي أسقطت طائرتين مسيّرتين هاجمتا فرقاطتها الأحد الماضي، وإسرائيل (التي حرّكت مؤخرا سفينتها الحربية من طراز ساعر 6 وغواصة إلى الخليج) التي تلقّت هجمات عديدة على إيلات، وبريطانيا التي وجّهت السفينة الحربية «دايموند» إلى المنطقة.
إضافة إلى إسرائيل، تعتبر الإمارات إحدى الدول الخليجية المتضررة من الحصار على إسرائيل، فالتبادل التجاري بين الدولتين وصل إلى 2,56 مليار دولار العام الماضي وكان من المرجّح أن تصل التبادلات مع نهاية العام الحالي إلى 3 مليارات، لكن حلفاء إسرائيل الغربيين يدركون أن الدخول المباشر على خط الهجوم على الحوثيين قد يعطي نتائج عكسية ويمكن أن يفتح الباب لحرب أخرى أكبر تأثيرا على الاقتصاد والجغرافيا السياسية العالمية من العدوان القائم على غزة.
تدخل زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، قبل أيام إلى السعودية، ولقاؤه ولي العهد محمد بن سلمان، في إطار العمل الدبلوماسي لردع هجمات الحوثيين، ومن المتوقع أن سوليفان حمل اقتراحات حول الملف اليمني، من دون استبعاد محاولة بعث عملية التطبيع مع إسرائيل، غير أن كلا الملفّين يتعلّقان، كما هو معلوم، بقدرات واشنطن على إعادة «الوحش الإسرائيلي» الذي أفلتت عقاله فولغ في دماء الفلسطينيين وأيقظت خططه لإعادة احتلال غزة، وللتطهير العرقي والتهجير، ولإلغاء احتمالات التسوية السياسية في المنطقة برمّتها.