“مفاجأة أكتوبر”: غزّة في الولايات الأمريكية المتأرجحة

“مفاجأة أكتوبر”: غزّة في الولايات الأمريكية المتأرجحة

في الرطانة الأمريكية حول الانتخابات عموماً، والرئاسية منها خصوصاً، يشير تعبير “مفاجأة أكتوبر” إلى حدث طارئ يقع في شهر تشرين الأول، فلا يؤثر على ترجيح هذا الفريق أو ذاك، فحسب؛ بل يمكن أن يعكس التيار السائد ويحوّل المزاج العام ويقلب النتائج، وذلك قبل شهر من الذهاب إلى صناديق الاقتراع. أولى المفاجآت تعود إلى رئاسيات 1840، ولعلّ أشهرها صفقة فريق رونالد ريغان مع إيران لتأخير إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين بما لا يفيد جيمي كارتر.
غير أنّ طرازاً من المفاجآت، أقلّ مباغتة من حيث التوقيت ولكن ليس أدنى درجة من حيث التأثير، يمكن أن يقع قبل أشهر من موعد الانتخابات؛ وقد تتضح عناصره، وتتبلور تباعاً، على مدى زمني متتابع أو حتى متسارع. واستطلاعات الرأي المتعاقبة حول حظوظ الرئيس الأمريكي جو بايدن في ولاية رئاسية ثانية، والتي لا تكفّ عن إظهار نتائج محبطة في غير صالح سيد البيت الأبيض، تدخل في ذلك الطراز.
ما يضيف إلى الإحباط مشاعرَ الخيبة والمرارة والاندحار أنّ تلك المؤشرات تميل إلى المرشح الجمهوري المحتمل، الرئيس السابق دونالد ترامب، أوّلاً؛ وأنها، ثانياً، ترجح كفة الأخير رغم أنه يقاطع مناظرات مرشحي الحزب الجمهوري، بل يحتقرها ويسخر من منافسيه أمثال رون ديسانتيس ونيكي هيلي. ثالثة الأثافي، كما قد يجوز الافتراض، أنّ بايدن يتلقى أخبار الهزائم من الميدان ذاته الذي احتسب أنه نقطة القوّة والتفوّق؛ أي اللهاث خلف مجرم حرب مثل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، واتخاذ مواقف انحياز أعمى لحرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال ضدّ المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزّة، ثمّ التفاخر بأنّ المرء لا يحتاج أن يكون يهودياً كي يتصهينَ.
وأحدث التحوّلات/ المفاجآت غير السارّة، للمرشح بايدن، ما كشفه استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بلومبيرغ للخدمات الإخبارية، وأفاد الخلاصة الصاعقة التالية: إذا جرت الانتخابات الرئاسية اليوم فإنّ ترامب سوف يهزم الرئيس الحالي في الولايات السبع المتأرجحة كافة، وبمعدل مختلط يبلغ 74٪ مقابل 42٪، ولا يصمد استطراداً أمام هوامش الخطأ المعتادة؛ في وسكنسن ومشيعان وكارولاينا الشمالية وبنسلفانيا وجورجيا وألاسكا ونيفادا.
استطلاع آخر، من صحيفة “وول ستريت جورنال”، أفاد بفارق 47٪ مقابل 43٪ لصالح ترامب؛ وأمّا إذا جرت الانتخابات بوجود مرشحين آخرين من خارج الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فإنّ ترامب سيتفوق بمعدّل 8 نقاط. “فوكس نيوز” اختارت من جانبها استطلاع رأي الناخبين المسلمين، في ضوء مواقف بايدن من حرب الإبادة في قطاع غزّة تحديداً، فاستخلصت أنّ شعبية بايدن في مشيغان ومنيسوتا انخفضت من 59٪ إلى 17٪؛ في ولايتين يشكل صوت المسلمين فيها قرابة 3٪ .
صحيح، بالطبع، أنّ القضايا الاقتصادية والاجتماعية وسوق العمل والبطالة والهجرة والعنصرية والقدرة الشرائية، ومقدار غير ضئيل من التنازعات بصدد ملفات ثقافية وإيديولوجية؛ هي التي تتحكم بالمسارات العامة للانتخابات الأمريكية، على أصعدة الرئاسة والكونغرس والولايات. غير أنّ الوقائع الدامية اليومية التي تسفر عنها الهمجية الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة توجّب أن تقتحم الأبصار والضمائر، وأن تكيّف الرأي لدى شرائح واسعة في أوساط الشباب والطلبة الجامعيين والأفرو ـ أمريكيين والتنوعات الإثنية المختلفة.
والأمر تفاقم سياسياً على هيئة خلافات في العمق لدى بعض كوادر البيت الأبيض والحزب الديمقراطي، واستولد إعادة إنتاج لمحاكمات الضمير على المقياس المكارثي في الجامعات والمعاهد الأمريكية. وقد يكون في عداد التحولات الأخطر أنّ المحرّم المعمّم، الفكري أو الأخلاقي أو حتى اللفظي، على نقاش الهولوكوست وامتياز الضحية اليهودية؛ أخذ ينحسر تباعاً ويفسح المجال العام أمام سجال طليق، لعله بات أكثر ضرراً على مجموعات الضغط اليهودية الأمريكية.
غزّة في قلب الولايات الأمريكية المتأرجحة، إذن، والأيام المقبلة حبالى… قد يلدن كلّ عجيب!