ذكرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية في 28 نوفمبر الماضي أن طهران وضعت اللمسات الأخيرة على صفقة طال انتظارها مع روسيا لشراء طائرات مقاتلة من طراز سوخوي سو – 35 وطائرات هليكوبتر هجومية وطائرات تدريب عسكرية. واعتبرت بعض المصادر هذا الإعلان جولة أخرى من التكهنات الحكومية، إلا أن نائب وزير الدفاع الإيراني الجنرال مهدي فرحي أكد هذه التقارير لوكالة أنباء تسنيم شبه الرسمية.
وشهد العام الماضي اتخاذ إيران خطوات واسعة في تحديث قواتها الجوية والبحرية وتطويرها. وسهّل التعاون المكثف مع روسيا هذا التقدم، حيث وقّع الطرفان اتفاقيات لتعزيز علاقاتهما التجارية والعسكرية وفي مجال الطاقة. لكن توسع الشراكة الأخير يهدد المصالح الغربية في المنطقة الأوسع ويمكن أن يشكل مخاطر مستقبلية على الاستقرار العالمي.
وفي التسعينات من القرن العشرين وأوائل الألفية الجديدة، اعتمدت إيران على الصين أكثر من روسيا في حشد المساعدة العسكرية. واشترت طهران على الرغم من الحظر الدولي المفروض عليها صواريخ كروز صينية الصنع لتعزيز قواتها البحرية وتحديث سفنها الحربية السطحية.
وامتنعت الصين عن تصدير أسلحة متطورة إلى إيران بسبب المخاوف بشأن العقوبات المحتملة والمواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة. ودفع هذا طهران تدريجيا لتأسيس علاقات إستراتيجية أوثق مع روسيا. وأصبحت موسكو تساعد طهران في الحصول على التكنولوجيا العسكرية الحديثة.
وأضافت حرب الكرملين ضد أوكرانيا زخما جديدا لتوسيع الشراكة الروسية – الإيرانية في وقت كانت فيه موسكو تكافح من أجل تحقيق نتائج ملموسة خلال أشهر الغزو الأولى.
غراف
وكانت الأسلحة الأكثر تطورا التي يمتلكها الجانب الأوكراني تطغى على القوات الروسية التي كانت تعاني من نقص البدائل الرخيصة لتعويض الخسائر الفادحة في معداتها العسكرية.
وقدمت إيران حل الذخائر المتسكعة الرخيصة وأصبحت تزود الجيش الروسي بالمئات من طائرات شاهد “الانتحارية” المسيّرة فاعتمدتها بأعداد كبيرة لشن هجمات على كييف والبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا. كما أكد مسؤولون من الجانبين بناء منشأة مشتركة لإنتاج الطائرات دون طيار في روسيا بتمويل إيراني لإنتاج نسخ محلية من مسيّرات شاهد – 136.
وتتجاوز منافع الشراكة بين طهران وموسكو العمليات العسكرية الروسية. ولم تتمكن إيران سابقا من إنتاج طائرات هليكوبتر هجومية وطائرات مقاتلة حديثة بسبب عجزها عن الحصول على التكنولوجيا اللازمة نتيجة للعقوبات الغربية الصارمة. وتواصلت مع موسكو لمساعدتها في جهود التحديث العسكري باعتبارها الشريك الوحيد الذي يمكنه تزويدها بالطائرات المطلوبة.
ويشمل اتفاق نوفمبر تسليم روسيا إلى إيران عددا غير محدد من الطائرات المقاتلة من طراز سوخوي سو – 35، وطائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز ميل مي – 28، وطائرات التدريب النفاثة ياكوفليف ياك – 130. وتمثل هذه الصفقة الأولى من نوعها التي تشتري فيها طهران طائرات مقاتلة حديثة منذ التسعينات.
ويرى المحلل السياسي المتخصص في شؤون القوقاز فؤاد شهبازوف، في تقرير لمؤسسة جايمس تاون، أن الاتفاق الروسي – الإيراني سيعزز المخاوف في الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول الخليج من أن إيران تخطط لاستعراض قوتها العسكرية المكتشفة حديثا في المنطقة الأوسع.
وتخشى الولايات المتحدة ودول غربية أخرى أيضا من احتمال تزويد إيران لروسيا بمساعدة عسكرية أكبر ضد أوكرانيا، وخاصة صواريخ جو – أرض بعيدة المدى.
ومنذ انتهاء الحظر الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تصدير إيران واستيرادها للصواريخ بعيدة المدى في 18 أكتوبر، أعلنت طهران أنها لم تعد مقيدة بتطوير برامجها لصواريخ كروز والصواريخ الباليستية ومشاركة تلك التكنولوجيا مع أصدقائها.
وجعل هذا الإعلان البعض يتوقع أن تنطلق إيران في إرسال صواريخ بعيدة المدى إلى روسيا بكميات كبيرة، على الرغم من غياب أيّ دليل علني على ذلك.
وأعربت إسرائيل عن مخاوفها بشأن خطط روسيا لمساعدة إيران في تحديث صناعتها الدفاعية. وترى تل أبيب في الحرب الحالية مع حماس جزءا من حرب طهران الهجينة الأوسع بالوكالة ضد إسرائيل.
ويشجع اتفاق نوفمبر مع روسيا إيران على أن تصبح طرفا أكثر نشاطا في الصراع. لكن من غير المرجح أن تشجع روسيا إيران علانية على استخدام الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية الجديدة ضد إسرائيل أو تسمح لطهران بتسليمها إلى وكلائها من حزب الله وحماس.
وستمهد صفقة الدفاع الجديدة، إذا أمكن تنفيذها بنجاح، الطريق لشراكة عسكرية أكثر شمولا بين موسكو وطهران. يُذكر أن القوات الجوية الإيرانية تبقى في موقف ضعيف، وتتألف أساسا من طائرات ومروحيات تعود إلى حقبة الحرب الباردة.
وستمثل المروحيات الهجومية من طراز سوخوي سو – 35، وطائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز ميل مي – 28 تحسنا كبيرا على هذا المستوى. كما تسعى طهران إلى تطوير قدراتها في مجالي الجو- جو والجو – أرض، ومن المرجح أن تحاول حشد دعم عسكري إضافي من روسيا لتحقيق هذا الهدف.
وأعلنت موسكو في تعليقها عن الحظر الدولي على واردات الأسلحة الإيرانية وصادراتها أنها لم تعد ملزمة قانونا بالالتزام بهذه القيود أيضا، ورحّبت بالمزيد من التعاون مع شركائها الإيرانيين.
ومن المرجح أن يتجاوز التعاون الدفاعي الموسع بين روسيا وإيران الطائرات المقاتلة والمروحيات. وسيفتح الطريق أمام زيادة الصادرات الإيرانية من الصواريخ بعيدة المدى وتكنولوجيا الطائرات المسيّرة الأكثر تطورا إلى روسيا.
ويتوقع شهبازوف أن تزود موسكو طهران بمساعدات فنية إضافية في تحديث قدرات الجيش الإيراني، وأن هذه الاحتمالات يمكن أن تدعم هجوما روسيا متجددا ضد أوكرانيا في 2024 للاستيلاء على المزيد من الأراضي ودفع كييف إلى طاولة المفاوضات. ويمكنها أيضا تشجيع إيران على لعب دور عسكري أكثر نشاطا في الشرق الأوسط، بما قد يزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
وتتخذ روسيا وإيران خطوة إضافية لتعزيز القدرات الجوية الروسية وتغيير ميزان الحرب في أوكرانيا لصالح موسكو، وذلك باعتماد مسيّرات مهاجر – 6 الإيرانية، في وقت لا يزال فيه الغرب يدرس مسألة إرسال طائرات دون طيار متطورة (مثل ريبر وبريداتور) إلى أوكرانيا.
وتنتج شركة القدس لصناعة الطيران المملوكة للدولة الإيرانية مسيّرات مهاجر – 6، وهي طائرة دون طيار قتالية متوسطة المدى (1200 ميل) ومزودة بقدرات استخباراتية ورقابية واستطلاعية. ويمكن أن تحمل ذخائر موجهة بالليزر وتوفر لمشغلها قدرات هجوم جو – أرض متطورة.
غراف
وتقول سين أوزكاراساهين، المحللة المختصة بالشؤون الأمنية والدفاعية، في تقرير سابق لمؤسسة جايمس تاون، إنه يمكن لهذه المسيّرات المجهزة بميزات أكثر تعقيدا من الطائرات الانتحارية الإيرانية أن تصبح بسرعة كبيرة من أهم مقاتلات القوات المسلحة الروسية، مما قد يغير ميزان الحرب في أوكرانيا لصالح روسيا.
وتختلف عن طائرات شاهد – 136 أحادية الهجوم التي تستخدمها القوات المسلحة الروسية في أوكرانيا، فهي طائرة مسيّرة متعددة الأغراض يمكن أن تعود إلى قاعدتها بعد كل ضربة. ويمنح هذا موسكو القدرة على شن عمليات أكثر استدامة ومرونة. كما أن سعر إنتاجها الزهيد وفاعليتها العالية يجعلانها من الأصول المهمة لأيّ قوة تحتاج إلى طائرات دون طيار رخيصة الثمن وعالية الأداء.
وتنتشر مسيّرات مهاجر – 6 بسرعة بين وكلاء طهران عبر مختلف مناطق الصراع.
وتشير معلومات استخباراتية إلى أن للجماعات المسلحة المدعومة من إيران، مثل حزب الله اللبناني، مخزونا يشمل أكثر من ألفي طائرة دون طيار، وربما منها مسيّرات مهاجر- 6.