مع تصاعد هجماتها على السفن التجارية في البحر الأحمر، ربطت مليشيات الحوثي إيقاف تهديدها للملاحة الدولية بوقف حرب إسرائيل على غزة. واستبقت مليشيات الحوثي توجه واشنطن لتشكيل تحالف دولي أوسع لمواجهة تهديداتها في البحر الأحمر بالكشف عن “نقاشات وتواصل” مع أطراف دولية بوساطة عمانية، في إشارة إلى الرسائل الدولية ومن بينها رسائل أمريكية، التي وجهت للمليشيات وطالبتها بوقف الهجمات البحرية فورا.
إعلام محلي: الدفاعات الجوية المصرية تسقط جسما غريبا في البحر الأحمر
وتعمدت المليشيات الحوثية إظهار عدم المبالاة بالردود الدولية على أعمالها واعتداءاتها كجزء من سياستها أمام أنصارها، وهو أمر لم يغفله كبير مفاوضي الجماعة محمد عبدالسلام في ذروة التصعيد في البحر الأحمر حين قال إن “هجمات المليشيات البحرية غير خاضعة للمساومة”.
وأرادت مليشيات الحوثي إيهام الرأي العام بفاعلية هجماتها ضد سفن الشحن على الحرب الدائرة في غزة وإسرائيل، إلا أن خبراء يمنيين أكدوا عدم تأثير ذلك وأن المليشيات تتعمد ربط اعتداءاتها البحرية بما يحصل في غزة للهروب من أي ردة فعل دولية على تهديد هجماتها ملاحة البحر الأحمر.
الرد مستبعد
مع تصعيد مليشيات الحوثي في اليمن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر يزداد التوجّه لتشكيل قوة دولية هناك لحماية السفن والتجارة العالمية، الأمر الذي يثير قلقا بشأن تبعات عسكرة البحر الأحمر والمنطقة، وفقا لخبراء.
من جانبه، اعتبر الخبير العسكري اليمني العقيد محسن ناجي أن الوقت ما زال مبكرا للرد على هجمات مليشيات الحوثي وأن الرد في الوقت الراهن ما زال مستبعدا كون تشكيل تحالف دولي لحماية الممرات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن لم يخرج عن نطاق التصور الأمريكي الأوروبي.
وقال ناجي لـ”العين الإخبارية”، إنه “يشوب عدم الوضوح الأبعاد الحقيقية التي تقف وراء تبني أمريكا وبعض الدول الغربية مسألة تشكيل تحالف دولي مما قد يمثل وجوده في نهاية المطاف فرصة لتعزيز وجود القوات العسكرية الأجنبية في المنطقة التي من المحتمل بأن تقيم لنفسها قواعد عسكرية ثابتة تمكنها من التواجد بصورة دائمة تحت ذريعة حماية الممرات الملاحية الدولية من خطر التهديدات الحوثية”، في إشارة إلى عسكرة البحر الأحمر والمنطقة.
وحول التبعات، أوضح الخبير العسكري اليمني أن “مثل هذا التواجد الدولي سيجد بلا شك انعكاسات سلبية على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية على دول المنطقة عموما، وسيخلق حالة من الاضطرابات وعدم الاستقرار في الممرات الملاحية الدولية.
وقال “كما قد يدفع ذلك بالكثير من شركات النقل البحري العالمية إلى تغيير وجهات سفنها التجارية بدلا من المرور عبر قناة السويس والبحر الأحمر وباب المندب”.
عوائق أمام الرد
وعن العوائق أمام المجتمع الدولي وفي مقدمتها واشنطن في إطلاق عملية عسكرية ضد الحوثيين وضد قادتها، أكد ناجي أن أمريكا والمجتمع الدولي كله لا يرغبون في توسيع نطاق الحرب في الإقليم، والكل يعمل جاهدا على إبقاء نيران تلك الحرب ضمن نطاق غزة دون سواها.
وقال إن “أمريكا تسعى إلى نجاح مسار عملية السلام في اليمن التي تقودها إلى جانب الأمم المتحدة والتي ترعاها السعودية وعمان”، مضيفا: “لا ننسى أنه لا يوجد سبب قوي يجعل أمريكا تقدم على عملية عسكرية ضد مليشيات الحوثي، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن أعمال القرصنة البحرية التي أقدمت عليها مليشيات الحوثي لم تشكل أي تهديد للمصالح الأمريكية أو الغربية”.
وأوضح الخبير العسكري اليمني أن ممارسات الحوثي لم تعدل أو تغير من مسار معادلة الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة حيث تسير على نفس الوتيرة وبنفس القوة.
وأكد أن “عملية قرصنة السفن التجارية التي أقدمت عليها مليشيات الحوثي شكلت تهديدا حقيقيا لمصالح العديد من الدول العربية وفي مقدمتها اليمن”.
وأضاف: “عرضت الهجمات الحوثية الأمن القومي العربي للخطر، وتهدد بحرمان مصر من مواردها الاقتصادية الكبيرة التي تجنيها من وراء مرور السفن التجارية العالمية عبر قناة السويس الذي قد يتعرض لانخفاض كبير إثر تصنيف البحر الأحمر وباب المندب منطقة عالية المخاطر”.
وقال: “أجبرت هجمات الحوثي العديد من شركات النقل البحري العالمية التي تبحث عن سلامة سفنها وما تحمله من بضائع على تغيير مسار وجهاتها الملاحية بحثا عن الأمان وبعيدا عن المخاطر المحدقة والتهديد الخطير للملاحة الدولية الذي تقف خلفه مليشيات الحوثي”.
من جهته، توقع المحلل السياسي اليمني محمد باحداد إنه أن يكون هناك رد دولي على أعمال الحوثي في حالة واحدة وهي تجاوزه للخطوط الحمراء المرسومة له.
وقال باحداد لـ”العين الإخبارية”، إن” أي ضربة دولية للحوثيين لن تذهب بعيدا، وإنما ستهدف لإعادته إلى المربع المرسوم والذي يسمح لهم فيه بالتحرك”.
وأوضح أن أعمال الحوثي في البحر الأحمر تقدم خدمة مجانية لعسكرة المنطقة والبحر الأحمر على الرغم من أنها لم تمس حتى اللحظة مصالح أمريكا أو بوارجها الحربية.
تسلسل الهجمات الحوثية
وكانت مدمرة أمريكية مزودة بصواريخ موجهة قد أسقطت أمس السبت نحو 14 طائرة مسيرة أطلقها الحوثيون في البحر الأحمر، لكن مليشيات الحوثي أعلنت أن الهجوم الواسع النطاق بالمسيرات كان يستهدف مدينة إيلات الإسرائيلية.
وفي 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري ، أعلنت مليشيات الحوثي قصف سفينتي حاويات ” إم إس سي ألانيا “و” إم إس سي بالاتيوم” بصاروخين بحريين.
وقبل ذلك بيوم واحد تبنت مليشيات الحوثي استهداف سفينة الحاويات “ميرسك، جبل طارق” بطائرة مسيرة، مؤكدة أن الإصابة كانت مباشرة، فيما قالت شركة الشحن الدنماركية (إيه.بي مولر-ميرسك) أن الهجوم كان بصاروخ وأن سفينة الحاويات كانت في طريقها من صلالة بسلطنة عمان إلى جدة في السعودية.
وفي 13 من الشهر الجاري اقترب زورق سريع يستقله مسلحو الحوثي من سفينتين كانتا تبحران قبالة ميناء الحديدة، فيما أبلغت ناقلة كيماويات ترفع علم جزر مارشال عن تبادل لإطلاق النار مع زورق حوثي قبالة الحديدة.
كما اقترب زورق سريع من ناقلة بضائع ترفع علم مالطا، بينما أعلنت سفينة حربية أمريكية في مضيق باب المندب عن إسقاط طائرة مسيرة كانت تحلق في اتجاهها.
وكشف مسؤولٌ أمريكي عن فشل صاروخين أطلقهما الحوثيون في استهداف ناقلةٍ تجارية مُحملة بوقود الطائرات المصنع في الهند قرب مضيق باب المندب.
ويوم 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت مليشيات الحوثي استهداف ناقلة نفط نرويجية تدعى “ستريندا” بصاروخٍ بحريٍّ، فيما أسقطت فرقاطة فرنسية طائرة مسيرة كانت تستهدف ذات الناقلة.
وفي 6 و10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أسقطت فرقاطة فرنسية مسيرتين حوثيتين في البحر الأحمر كانتا متجهتين نحوها، فيما أسقطت البحرية الأمريكية طائرة مسيرة قادمة من منطقة سيطرة مليشيات الحوثي.
أما في 3 من الشهر ذاته، نفذت مليشيات الحوثي 4 هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد 3 سفن في البحر الأحمر وهي “نمبر 9″، “أم في سوفي”، “يونيتي إكسبلور”، وهذه الأخيرة مملوكة لبريطانيا، فيما أسقطت مدمرة أمريكية طائرات مسيرة حوثية كانت متجهة في اتجاهها.
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أسقطت سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية طائرة بدون طيار من طراز KAS-04 إيرانية الصنع بالقرب من مضيق باب المندب.
في 26 من الشهر ذاته، نجحت البارجة الأمريكية “إس إس ميسون” في تحرير سفينة الشحن التجارية “سنترال بارك” من عملية اختطاف نفذها قراصنة صوماليون في خليج عدن بالتزامن مع سقوط صاروخين أطلقهما الحوثيون نحوها وسقطا على بُعد حوالي 10 أميال بحرية من السفينتين.
في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت مليشيات الحوثي اختطاف سفينة الشحن “غالاكسي ليدر” واقتيادُها إلى قبالة ميناء الحديدة، في عملية قرصنة أثارت تنديدا أمميا وأمريكيا باعتبارها “انتهاك صارخ للقانون الدولي”.