أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي عن خطة حكومته لليوم التالي للحرب، قائلا، (غزة لن تكون حماستان ولا فتحستان). وتشمل الخطة إقامة منطقة عازلة بين غلاف غزة والقطاع. كما تشمل أيضا السيطرة على شريط حدودي ضيق داخل أراضي القطاع يمتد بطول 14 كم، على طول الحدود مع مصر يسمى محور صلاح الدين، فهل يمكن تحقيق ذلك؟ وما موقف مصر والولايات المتحدة؟
لوحظ في الفترة الأخيرة ارتفاع في نبرة الحديث والتصريحات المتتالية للقادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين والأمريكيين، عن غزة ما بعد الحرب، أو ما يسمونه اليوم التالي، أي مستقبل غزة الذي لن يكون لحركة حماس وجود أو كلمة فيها، ولا حتى لحركة فتح، وفق التصريح الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وقد فصّل نتنياهو هذه الخطة في اجتماع للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، مُشيرا الى إنشاء إدارة مدنية في القطاع بعد إعادة تأهيله بقيادة السلطة الفلسطينية. غير أن واشنطن وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية قال، إن بلاده ستعترض على أي منطقة عازلة مقترحة داخل القطاع، لأن ذلك يتعارض مع موقف واشنطن المتمثل في عدم تقليص حجم القطاع، بعد انتهاء الصراع الجاري بين إسرائيل وحماس.
الإعلان عن نهاية حماس في غزة ومنع عودة فتح إليها، هي أضغاث أحلام ومجرد تقديرات لا تمت إلى الواقع بأية صلة
أما مصر فقد سبق وأعلنت رفضها لكل الخطط الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير الوضع القائم في قطاع غزة، وهي تقول إن هناك اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل، يحكمها العديد من البنود، سواء ما يختص بقطاع غزة، أو محور صلاح الدين، وأن أي تحرك أحادي من جانب إسرائيل غير مقبول من مصر. كما أن الموقف المصري يقوم على أساس أن الفلسطينيين هم من يحددون مصيرهم، وأن استباق السيناريوهات وفرض أي حلول على الجانب الفلسطيني غير مقبول.
وفي السياق نفسه، بدا مستقبل غزة يحتل حيزا كبيرا في الجهود البريطانية أيضا، حيث ذكرت صحيفة «التايمز» أن حكومة المملكة المتحدة تعمل على تدريب السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة، رغم أنهم يوجهون الكثير من الانتقادات لها، مؤكدين ضعفها، وحتى عجزها عن إدارة الضفة، فكيف يُراد منها الآن أن تدير قطاع غزة أيضا؟ يتضح من هذا الموقف، أن السياسة البريطانية تجاه هذا الملف، قائمة على أساس البناء على ما هو موجود أصلا لدى الفلسطينيين، أي كيان يشبه الدولة ممثل بالسلطة الفلسطينية، ويقولون بأنه في حال إجراء انتخابات في الموعد المناسب، قد يلقى هذا القرار ترحيبا ليس في الضفة وحسب، بل في قطاع غزة أيضا، لكن الصحافة البريطانية نفسها تقول، لو أُجريت انتخابات اليوم في كل الاراضي الفلسطينية لكان الفوز من نصيب حركة حماس، حيث ارتفعت شعبيتها بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول بشكل كبير. في التحليل السياسي، يبدو أن نتنياهو يدفعه شعور بأنه قد حقق طفرة قياسية في تأييد الغرب للموقف الإسرائيلي، في ضوء ما حدث في السابع من أكتوبر. ورغم أن هذا التأييد قد خفت وهجه وباتت هنالك اعتراضات وانتقادات له، إلا أنه ما زال يعيش في دوامة هذا الشعور. وعليه فإنه يُعلن عن هذه الخطط وكأنه هو صاحب القرار الوحيد على الأرض، فإذا كان هو يريد السيطرة على غزة مستقبلا، فإن الأمريكيين غير متحمسين لتغيير الوضع الاستراتيجي والوضع الجغرافي. والحقيقة أنهم يؤيدونه في جانب واحد ويعارضونه في الجانب الآخر. هم يؤيدونه في محاولة القضاء على حركة حماس، رغم أن هذا الأمر لا يمكن لأي طرف أن يحققه ويجعله أمرا واقعا، ويختلفون معه في أنهم يريدون أن يُعبّدوا طريقا للسلطة الفلسطينية مستقبلا. بمعنى أن سيادة رام الله تمتد أيضا الى غزة ما بعد حماس. وأيضا هنالك تصّوّر لدى بايدن أنه من الممكن جر الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الى مفاوضات، وعليه فإنه من غير المتوقع الآن أن نتنياهو يستطيع أن يفرض الأمر الواقع، خاصة وأنه إلى جانب الموقف الأمريكي، هناك الموقف الدولي أيضا، الذي يُعارض بشدة الإبادة الجماعية الحاصلة اليوم في غزة، كما أن هنالك أطرافا أخرى لا تريد أن يتسع نطاق الحرب إلى حرب إقليمية، هذا يعني أن هنالك عدة حوافز لدى المجتمع الدولي، يريد أن يكبح بها جماح نتنياهو وجماح جيشه، وأن تنتهي هذه الحرب، لكن يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول أن يبني هذه الفرضيات، ظنا منه أنها قد تنفعه أمام الرأي العام الإسرائيلي وبعض المؤيدين من حوله. لكنها لن ترقى إلى أن تكون خريطة طريق تقبلها واشنطن. وهذه هي العقبة الكأداء، لأن هنا سوف يختلف المساران الإسرائيلي والأمريكي بشكل كلي. السؤال الآن هو هل لدى واشنطن تصورات واضحة وواقعية لليوم التالي للحرب في غزة ؟ وما إمكانية تنفيذها؟
أذا أخذنا بعين الاعتبار جو الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة للعام المقبل، وأين يقف الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته بلينكن، في هذه المرحلة من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ودور اللوبي اليهودي وغيرها من الاعتبارات، يمكن أن نقول إن التصور الأمريكي يُختزل في إنهاء الحرب، على أساس أن واشنطن تؤيد نتنياهو في معركته مع حماس، لكن دون هذا ليس هناك موافقة أمريكية على ما يذهب إليه نتنياهو في هذه المرحلة، لا من حيث قضية تهجير سكان غزة إلى مصر، أو تغيير الجغرافية السياسية ومعالم المنطقة، أو تجاوز دور السلطة الفلسطينية، والمُفضّل لدى واشنطن، على الأقل، هو العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل السابع من أكتوبر، لكن نتنياهو يعتقد أنه يمكن أن يستغل هذه المرحلة، وأن هنالك رأسمالا سياسيا جديدا يريد الاستثمار فيه ليفرض واقعا مختلفا. هو يعتقد أن كل ذلك ممكن في اللحظة الراهنة، لكن الحقيقة أنه لن يستطيع تحقيق عُشر ما يطمح إليه. فالقضاء على حركة حماس ضرب من الخيال، لأنها ابنة النسيج الاجتماعي الفلسطيني، ليس في غزة وحسب، بل هي متجذرة في الضفة والقدس، إذن الإعلان عن نهاية حماس في غزة ومنع عودة فتح إليها، هي أضغاث أحلام ومجرد تقديرات لا تمت إلى الواقع بأية صلة.
إن كل تصريحات نتنياهو تصب في مسألة واحدة هي، الرغبة في القضاء على القضية الفلسطينية، وليس القضاء على حركة حماس وحسب. فهو منذ السابع من أكتوبر يحاول أن يحقق نتائج أعلن عنها من قبل مثل، القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى الإسرائيليين لديها. لكنه لحد اليوم لم يستطع فعل أي شيء من هذه الأهداف، هو فقط استطاع تدمير القطاع بكل ما على الأرض من ممتلكات عامة وخاصة، وقتل آلاف الأطفال والنساء، وتهجير السكان من الشمال إلى الجنوب، ثم من الجنوب إلى رفح مع انتشار الأوبئة والمجاعة. وهذه هي الانجازات التي حققتها إسرائيل. لكن الحرب ما زالت قائمة والصراع مستمر والمقاومة على أشدها.