لقد أصبح النجم الأعلى للعالم الغربي وزعيم الشعب الذي يقاتل لحريته ضد قوات الشر. النساء أملن بلقاء معه، والآباء سموا أولادهم على اسمه، ألقى خطاباً في الكونغرس الأمريكي وحظي بالتصفيق، وكانت هناك برامج لظهوره في احتفال جائزة الأوسكار. الأمريكيون عبروا عن الأسف لأنه لا يجلس في البيت الأبيض.
“شعر قليل على لحيته، فانيلات باهتة، مظهر متعب من كثرة العمل”، كتبت أوفير حوفيف في “هآرتس” في 19/3/2022. “ظهر رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، في وسائل الإعلام بمظهر إنساني يصل إلى الناس. هو عكس البطل الذي يبث لأبناء شعبه بأنه متعب مثلهم”. ولكن عندما زار واشنطن هذا الشهر ، استقبلوه ببرود. بصعوبة حصل على مكالمة فيديو لبضع دقائق مع أعضاء الكونغرس الذين أوضحوا له بأن رزمة المساعدات لأوكرانيا التي أرسلها الرئيس جو بايدن للكونغرس لن تتم المصادقة عليها قبل نهاية السنة، هذا إذا تمت. وفي الوقت الذي تتصدر فيه حرب غزة العناوين، فمن يهتم وبحق بما يحدث في أوكرانيا.
سحر عدم الأناقة لزيلينسكي، الذي انتخب على أنه رجل السنة من قبل مجلة “التايم” في 2022، يبدو أنه أصبح غير ي تأثير على الأمريكيين. بات دعم أوكرانيا يتراجع. ومعظم الأمريكيين يؤيدون تقليص المساعدات للدولة التي تحارب لوجودها.
سبب هذا التغير الدراماتيكي لا ينبع من خرق جيش أوكرانيا لقوانين الحرب، أو صور الأطفال الروس الذي قتلوا بسبب القصف الأوكراني. خلافاً لعدم الكيمياء الشخصية (إذا لم يكن التوتر) بين بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، فإن بايدن وزيلينسكي يظهران بأنهما أصدقاء. الخلاصة أن الأمريكيين لا يحبون الخاسرين. وبعد فشل ذريع لهجوهمم المضاد الأخير يظهر زيلينسكي والشعب الأوكراني الآن كخاسرين.
الأوكرانيون، للتذكير، وعدوا منذ فترة غير بعيدة بأنهم سيهزمون الروس في ساحة الحرب، وحتى إنهم خلقوا التوقعات بأنهم سيحررون شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا في 2014. بقدر التوقعات تكون خيبة الأمل.
وسائل الإعلام الأمريكية مليئة الآن بالتقارير التي تحاول فهم سبب فشل أوكرانيا في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. الأوكرانيون يعتبرون سجلات لخسارة كبيرة معروفة مسبقاً عندما يتعلق الأمر بمحاولة دولة عظمى إقليمية متوسطة أن تواجه في ساحة المعركة واحدة من القوى الثلاثة العالمية الآن.
أوكرانيا لم تهزم، والجمود في ساحة الحرب ببساطة يعيد الوضع إلى حالة الثبات التي سادت قبل الهجوم المضاد. الواضح أن أوكرانيا لن تهزم روسيا بدون تدخل عسكري أمريكي مباشر، وهذا لن يحدث.
لذلك، فإن إجماع واشنطن سيتحرك في القريب نحو التوصل إلى تسوية بين موسكو وكييف. ولن يرضي أي طرف، لكنه السيناريو الواقعي إزاء الوضع على الأرض. ربما تنضم أوكرانيا فيما بعد للناتو والاتحاد الأوروبي، لكنها لن تتمتع بالدعم الأمريكي غير المشروط.
من هذه الناحية، في الوقت الذي تحصل فيه المعركة العسكرية بغزة على دعم أكثر من 50 في المئة من الأمريكيين (حسب استطلاع أجرته “وول ستريت جورنال”) فإن الأمر الذي يجب أن يقلق إسرائيل ليس العداء لها ودعم الفلسطينيين من قبل اليسار التقدمي الأمريكي.
المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية وفي المدن الكبرى، حرفت الأنظار عن الصورة الكبيرة التي لا تزال إسرائيل تتمتع فيها بدعم أمريكي كبير جداً. القمصان السوداء والدرع الواقي لنتنياهو لن تخلق اتجاهاً جديداً، لكن ما دامت إسرائيل تحارب محور الشر، حماس و”حزب الله” وإيران، فستحصل دائماً على دعم من البيت الأبيض ومن الحزبين الرئيسيين في الكونغرس.
المشكلة أن نتنياهو، مثل زيلينسكي، خلق توقعات كبيرة بخصوص الإنجازات المتوقعة لإسرائيل في المعركة العسكرية في غزة، على رأسها تدمير حماس وتصفية قادتها ومعالجة جذرية لتهديد “حزب الله” في الشمال. المواطن الأمريكي العادي يؤمن بأن قتل المدنيين في غزة هو الثمن الذي يجب دفعه من أجل تحقيق هذه الأهداف والوصول إلى الانتصار الواضح كما وعدت إسرائيل.
لكن صواريخ حماس في هذه الأثناء ما زالت تسقط على تل أبيب وعسقلان، وصواريخ “حزب الله” على شمال إسرائيل، ولا علامة ملموسة بأن حماس “انهارت”، باستثناء صور الغزيين بالملابس الداخلية. الثمن الباهظ الذي تدفعه إسرائيل في حرب غزة -ولا نريد الحديث عن فشل الجهود العسكرية للعثور على المخطوفين وإطلاق سراحهم- يطرح علامات استفهام حول قدرة الجيش الإسرائيلي على الانتصار في الحرب. إسرائيل ما زالت بعيدة عن أن تعيد لنفسها قوة الردع التي فقدتها في 7 أكتوبر، واعتمادها العسكري والدبلوماسي على أمريكا يعكس ضعف إسرائيل استراتيجياً، الذي سيصبح أكثر وضوحاً بدون أي تغيير في سير الحرب.
في مثل هذه الحالة، يبدو أن توقعات إسرائيل ستعمل ضدها. ولمنع ذلك، يجب عليها ربما البدء في خفضها، بحيث إذا لم يتم تحقيق الانتصار الموعود، فعلى الأقل لن تظهر كخاسرة مثل أوكرانيا.