هل يشكّل العدوان الإسرائيلي على غزة منصّة تتويج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه على أوكرانيا؟
تموّل الولايات المتحدة أوكرانيا ماليّاً وسياسياً وعسكرياً. لكن بعد الحرب الإسرائيلية على غزة انتقلت أولوية الدعم الأميركي من أوكرانيا إلى إسرائيل. كانت أوكرانيا موعودة بدعم أميركي جديد يبلغ 60 مليار دولار، وبدعم أوروبي يبلغ 56 مليار دولار. لكنّ معظم هذه الأموال تحوّلت إلى إسرائيل.. أو هي في طريقها إليها.
قدمّت الولايات المتحدة لأوكرانيا منذ نشوب الحرب حتى الآن 75 مليار دولار. وقدّمت لها المجموعة الأوروبية 100 مليار دولار. واستناداً إلى البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) لم يبقَ في موازنة تسليح أوكرانيا سوى خمسة مليارات دولار فقط. أدّى ذلك إلى مشكلة داخلية في أوكرانيا تمثّلت بانفجار العلاقة بين الرئيس فولوديمير زيلينسكي ووزير الدفاع. وهو أمر يصبّ في مصلحة الرئيس بوتين أيضاً.
بايدن يريد… لكن “أميركا” لا تريد؟
قبل الحرب الإسرائيلية على غزة كان الرئيس الأميركي جو بايدن طلب من الكونغرس إقرار مبلغ إضافي يبلغ 106 مليارات دولار. لكن خلافاً لحساباته فإنّ الحزب الجمهوري الأميركي المعارض يريد هذا المبلغ لمعالجة قضايا الهجرة غير الشرعية من دول أميركا الجنوبية. وفي معركة الانتخابات الرئاسية، فإنّ الأولوية انتقلت من أوكرانيا إلى الداخل الأميركي ببعدَيْه: الهجرة واسرائيل.
تموّل الولايات المتحدة أوكرانيا ماليّاً وسياسياً وعسكرياً. لكن بعد الحرب الإسرائيلية على غزة انتقلت أولوية الدعم الأميركي من أوكرانيا إلى إسرائيل
يشكّل هذا التحوّل هبة مجّانية للرئيس بوتين. من أجل ذلك توجّه الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى واشنطن.. ومن أجل ذلك أيضاً عاد منها إلى كييف مكسور الجناح. وفي محاولة لاسترضائه قرّرت المجموعة الأوروبية قبول عضوية أوكرانيا. لكن أيّ أوكرانيا هي تلك التي أصبحت عضواً؟ أوكرانيا ما قبل الحرب الروسية.. أو أوكرانيا الحالية بعد الضمّ الروسيّ لأجزاء واسعة من مناطقها الشرقية؟
في الحسابات السياسية تشكّل الحرب الروسية في أوكرانيا أولوية أوروبية. وتشكّل الحرب الإسرائيلية في غزة أولوية أميركية. صحيح أنّ الأولويّتين متداخلتان، إلا أنّه بالنسبة لروسيا، وللرئيس بوتين تحديداً، فإنّ تغيير الأولويات في الحربين يقدّم له جوائز مجّانية.
تراجع تدفّق الأسلحة الأوروبية
يقول الأوكرانيون إنّ السلاح والذخيرة كانا يتدفّقان عليهم من الولايات المتحدة ومن دول الاتحاد الأوروبي “كالنهر الجارف”. ثمّ تراجعا وبدآ يتدفّقان “كمجرى ساقية”. أمّا الآن فيصلان إليهم “بالقطّارة”!.. أدّى ذلك إلى توقّف وحتى إلى تراجع الهجوم الأوكراني المعاكس، الأمر الذي يتلقّاه الرئيس بوتين ووزارة الدفاع الروسية بالرضى والارتياح.
فقد انتقلت أولوية التسليح إلى إسرائيل لأنّ معركة إسرائيل في غزة طويلة ومكلفة جداً. وكشفت عمليات القصف الإسرائيلي التي استهدفت مدن قطاع غزة ومخيّماته مدى راحة إسرائيل في إطلاق القذائف دون حساب، ذلك أنّه إضافة إلى المخزون الإسرائيلي، هناك مخزون أميركي في قواعد أميركية داخل إسرائيل، وهناك عمليات الشحن من الولايات المتحدة مباشرة. وربّما كمّيات الذخيرة التي عملت المصانع العسكرية الأميركية على إنتاجها لدعم الجبهة الأوكرانية تحوّلت إلى الشرق الأوسط لدعم الجبهة الإسرائيلية.
من أجل ذلك يبدي الرئيس بوتين ارتياحه، ويدعو إلى العودة إلى طاولة المفاوضات لحلّ القضية الأوكرانية سياسياً.
بوتين يعزّز قبضته على الداخل
كان الرئيس الروسي يراهن أو يتمنّى أن تنفجر العلاقات الأميركية – الصينية في تايوان، وأن تنقل واشنطن اهتماماتها العسكرية والسياسية من أوكرانيا إلى تلك الجزيرة التي يشكّل الخلاف عليها مع الصين قنبلة موقوتة. لكن جاء الانفجار في قطاع غزة ليقدّم على طبق من فضة مكاسب للرئيس الروسي لم تكن في حساباته ولا في حسابات غريمه الرئيس الأميركي جو بايدن.
في 24 شباط من عام 2022 بدأ الرئيس بوتين حربه على أوكرانيا. ومنذ ذلك الوقت لم يقبض على زمام الأمور في الداخل الروسي كما هو اليوم، ولم يعزّز علاقات روسيا مع عالم الجنوب، وخاصة دول العالم العربي، إفريقيا، أميركا اللاتينية، كما يعزّزها اليوم. لقد تحوّلت تركيا وكازاخستان إلى “دول ممرّ” لتمويل روسيا وجيشها بصورة خاصة بما تحتاج إليه لتعزيز جبهتها العسكرية، وفشلت محاولة الضغط لخفض سعر البترول الروسي إلى ما دون ستّين دولاراً. والآن جاء التحوّل الأميركي – الأوروبي من أوكرانيا إلى غزة ومن شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط ليزيد من حجم انتصارات بوتين المجّانية. فالولايات المتحدة تدفع ثمن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وروسيا تسجّل الأرباح السياسية والعسكرية في أوكرانيا.
إنّها لعبة الأمم!!