جاءت أحداث السابع من تشرين الأول 2023 بمنعطفات مهمة وأحداث ميدانية طغت على الأوضاع السياسية القائمة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ومنحت زخماً سياسياً وعسكرياً وامنياً كانت له أثاره في العديد من الأماكن والمواقع المهمة وساهمت في التأثير على المصالح الدولية والإقليمية لدول العالم، وكان من أبرزها الأحداث التي جرت في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن التي شهدت عمليات تعرض على السفن والناقلات البحرية المتوجهة إلى إسرائيل من قبل الحوثيين واستهدافها وتنفيذ عمليات عسكرية نحوها، وهو ما أثار حفيظة واهتمام الدول الكبرى وسعت لاتخاذ الإجراءات والوسائل لمواجهة هذا التحرك العسكري من قبل الحوثيين بالدعوة التي أتت من الولايات المتحدة الأمريكية بانشاء تحالف بحري لردع هذه الهجمات التي بدأت تهدد التجارة العالمية عبر البحر الأحمر بمشاركة عشر دول رئيسية هي ( بريطانيا وفرنسا وامريكا وإيطاليا وكندا وهولندا والنرويج وإسبانيا والبحرين وسيشيل) ضمن عملية حامي الازدهار، وحدد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن واجبات هذا التحالف عبر حديثه الذي أدلى به في زيارته لإسرائيل بتاريخ 18 كانون الأول 2023 بالتصدي المشترك للتحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وتعزيز الأمن والرخاء الإقليمي وتنسيق الجهد العسكري والعمل مع القوات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل 153 بإطلاق مهامها من القاعدة الأمريكية في البحرين والذي يعتبر امتداد لقوات العمل المشترك التي تقودها الولايات المتحدة بين البحر الأحمر والخليج العربي منذ عقدين من الزمن.
وإذا ما استثنيتا بعض الدول الأخرى فإن غياب الأقطار العربية المطلة على البحر الأحمر والخليج العربي سندرك الأهمية البالغة لهذا الغياب بسبب الأوضاع العسكرية والهجمات البربرية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية مستهدفة المدنيين العزل والبنية التحتية في قطاع غزة واستمرارها في حربها الضروس مع الدعم الكبير الذي تقدمه الإدارة الأمريكية لإسرائيل، وأن اي مشاركة من قبل الأقطار العربية وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية إنما يُقرأ وكأنه تأييد للحرب القائمة في الأراضي الفلسطينية وستؤدي إلى تفويض مسيرة السلام التي ابتدأتها مع الحوثيين بعد الاعلان السعودي الإيراني في أذار 2023 وتريد منع حدوث أي اختلافات قد تؤدي إلى العودة للعمليات العسكرية او الاستهداف الجوي الحوثي للداخل السعودي عبر الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية التي سبق وان أصابت مدن رئيسية ومنها العاصمة الرياض، والحال ينطبق على الإمارات العربية التي لا تريد تكرار ما حدث عام 2022 بالتعرض على منشأتها النفطية وموانئها البحرية، وكذلك مصر التي تعتبر عضو بارز في القوة 153 وكانت لها القيادة مدة ستة أشهر عام 2022 ولكنها تسعى بالحفاظ على مواردها المالية البالغة 8،5 مليار دولار والتي تحصل عليها من واردات قناة السويس بمرور السفن والناقلات البحرية عبرها كونها تمثل 15٪ من حركة الشحن العالمية عبر القناة باعتبارها اقصر ممر ملاحي بين أسيا وأوروبا، ولا زالت الحكومة المصرية ملتزمة موقفها الرسمي بعدم أدانة هجمات الحوثيين في منطقة البحر الأحمر.
ويأتي تحالف الازدهار امتداد لما أعلن عنه
في شهر تشرين ثاني 2019 بتحالف بحري بأسم سانتينال يهدف لتأمين المياه الإقليمية بعد سلسلة هجمات إيرانية استهدفت ناقلات نفط وسفن تجارية في الخليج العربي وخليج عُمان بتعاون دول أوروبية بقيادة فرنسية في مهمة المبادرة الأوروبية للرقابة البحرية في مضيق هرمز بالتنسيق مع القوات الأميركية بهدف تأمين أمن الملاحة وردع التهديدات الإيرانية.
إن من أهداف الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالف حامي الازدهار أنها لا ترغب في إشعال مواجهة مباشرة من قبلها مع جماعة الحوثيين في اليمن واستهداف مقراتهم ومواقعهم العسكرية في العاصمة صنعاء والمحافظات التي تحت سيطرتهم ومنهامحافظة الحديدة الاستراتيجية التي تشرف على البحر الأحمر وتشكل 70٪ من المورد الاقتصادي للحوثيين وعبرها يتم وصول المساعدات الإنسانية وتصدير الطاقة، وهي باستحداثها للتحالف تعمل على استمرار التجارة العالمية وحماية المصالح الدولية وتعزيز الأمن الإقليمي والسلامة الدولية عبر العديد من عمليات التفتيش والمراقبة والقيام بدوريات عسكرية في منطقة البحر الأحمر وإعفاء دول المنطقة من القيام بأي مسؤوليات لمساندة موقف السياسة الأمريكية وما يتعلق بأمن إسرائيل وتوفير غطاء دولي لعملياتها في المنطقة واستخدام سياسة (الاحتواء) التي تساهم في الحد من نشاط وحركة الحوثيين المدعومة من النظام الإيراني وتشكل أحد الأهداف الرئيسية والغايات الميدانية التي تبغي إيران منها السيطرة على المنافذ والممرات البحرية المهمة واستخدامها كأداة ضغط سياسي لتحقيق مشروعها السياسي في التمدد والنفوذ واعتبارها قوة إقليمية لها امتدادها وتأثيرها في منطقة الشرق الأوسط، وإيران تدرك أهمية البحر الأحمر وخليج عدن كونها تحتوي على العديد من القوى البحرية الدولية بوجود (11) قاعدة بحرية في منطقة القرن الأفريقي القريبة من مدخل البحر الأحمر من بينها ( أمريكا والصين وفرنسا وتركيا)، ويأتي تصريح علي شمخاني مستشار المرشد علي خامنئي للشؤون السياسية بالثناء على العمليات العسكرية للحوثيين واصفاً اياها ب( الشجاعة ) وهو يتوافق مع التوجهات العامة للسياسة الإيرانية التي ترى أن القادم من الأحداث يمثل أهمية بالغة في الحفاظ على مصالحها في منطقة مهمة واستراتيجية تمثل إحدى أهم الممرات الرئيسية في العالم.
وإذا ما قرأنا دوافع التحركات الأمريكية رؤيتها لمجمل الأهداف الإيرانية التي يسعى الحوثيين لتنفيذها عبر سيطرتهم على مداخل البحر الأحمر، فإنها قد فهمت الرسالة الإيرانية التي تريد أن تثبت من خلالها دعمها ومساندتها للشعب الفلسطيني في مواجهته القوات الإسرائيلية وعبر أحدى ادواتها المتمثلة بالحوثيين، رغم أن إيران دائما ما تعلن عن تعبئة شعبية دون أي مشاركة فعلية ميدانية بقطاع غزة كما كانت تدعي عبر منابرها الاعلامية ومؤتمراتها الصحفية بتحرير القدس وطرد إسرائيل، وهي بهذه السياسة لا ترغب ان تكون المواجهات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أبعد من هذه التخرصات دون أي معركة حقيقية كما أعلنت قيادتها العسكرية والأمنية بأنها ليس لها الاستعداد على خوض غمار معركة غير مأمونة العواقب.
لم يسعف النظام الإيراني سياسته البراغماتية فإدارة الرئيس جو بايدن تعرضت لانتقادات كثيرة من قبل الجمهوريين حيث انتقد ( مايكل ماكول) رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب بايدن لفشله في وقف هجمات الحوثيين وتشجيعهم على شن هجمات متكررة طالباً اتخاذ قرار مناسب باعتبارهم مجموعة إرهابية، وكذلك فعل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ( ميتش ماكونيل) على ضرورة ردع إيران لأن بإمكانها محاولة قتل الأمريكان والافلات من العقاب، في إشارة لاستهداف الحوثيين للسفن البحرية الأمريكية بإطلاق طائرات مسيرة وإصابة اثنين منها وخطف أخرى في تشرين ثاني 2023.
إن ما يحدث في منطقة البحر الأحمر أنما يأتي في سياق سياسة الاحتواء التي تبديها الولايات المتحدة الأمريكية وسياسة إظهار القوة التي تعلن عنها إيران عبر الحوثيين وبأسلوب الوكالة وهو ما يواكب ويجانس الأهداف المشتركة لكل من امريكا وايران لأن الحوثيين مهما كانت قوتهم ليس لديهم القدرة على إغلاق منافذ البحر الأحمر وخليج عدن لعدم امتلاكهم السفن البحرية الكبيرة وفرض طوق حول المنطقة وإنما مستمرة باستخدام اسلوب الطائرات المسيرة والصواريخ المتوسطة والرشقات النارية لاستهداف السفن والناقلات، كما وأن الدوريات البحرية التي ستنطلق للقوات البريطانية والفرنسية والأمريكية ستجعل الممر المائي للبحر الأحمر مفتوحاً وبهذا سيكون تأثير الحوثيين محدوداً، ولكن أبعاد السياسة الأمريكية التي تستغل أي حدث في منطقة الشرق الأوسط بتكثيف تواجدها العسكري ومنع تأثير أي قوة عالمية أخرى تريد أن تجعل من هذه المنطقة أحد أهدافها الرئيسية، وهذا ما يتوافق مع توجهات النظام الإيراني بتوسيع دائرة المكاسب والمنافع التي يحرص للحصول عليها في أي حدث مهم تشهدها المنطقة وهما بذلك يسعيان إلى ( التخادم السياسي) الذي يخدم مصالحهما الدولية والإقليمية، ولهذا فإن الإدارة الأمريكية مستمرة في سياسة الردع وابقاء القتال عند مستوى مناسب بسبب عدم وجود أي تهديد حقيقي من قبل النظام الإيراني وان هجمات الحوثيين تتجنب قتل أي فرد من أفراد القوات البحرية الأمريكية والحفاظ على فرص السلام في المنطقة.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية