ازدهار تجارة الظل يفاقم تشوهات الاقتصاد الليبي

ازدهار تجارة الظل يفاقم تشوهات الاقتصاد الليبي

فاقم ازدهار تجارة الظل في ليبيا شكوك الخبراء في قدرة المسؤولين على شن حرب فعلية على شبكات التهريب التي تهدد اقتصاد البلد النفطي الذي يمر بأسوأ حالاته، رغم المحاولات لمعالجة التشوهات العميقة نظرا لتأثيرها على التوازنات المالية ومعيشة الناس.

بنغازي (ليبيا) – تشكل قضية تهريب الوقود والمواد الغذائية أحد أكبر التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه ليبيا، وذلك في ظل تراجع السيطرة الأمنية على المناطق الحدودية البرية والبحرية.

ويعيد قصور الإجراءات والمراقبة مع انفتاح الحدود المشتركة مع البلدان المجاورة لاسيما على الامتداد الجنوبي للبلاد، وهي تشاد والنيجر والسودان والتي تبلغ 1720 كيلومترا، التساؤلات حول فشل ملاحقة مافيا التهريب والتجارة السوداء إلى الواجهة.

وفي بلد يحتل المركز 171 على مستوى العالم في سلم الفساد بين 180 بلدا، حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2022، تعبد الانقسامات السياسة التي أفرزتها الحرب عقب الإطاحة بالزعيم معمر القذافي طريقا إلى امتصاص موارد الدولة.

ويفترض أن تشكّل رسوم الجمارك المصدر الثاني للعائدات في اقتصاد قائم على النفط، وفي ظل ضعف كبير لبقية القطاعات الأخرى وغياب أي إمكانية للحصول على عائدات منهما.

وتخسر البلاد مئات الملايين من الدولارات سنويا بسبب التهريب، ورغم بذل السلطات جهودا لمواجهة المشكلة إلا أن تقارير دولية تشير إلى أنها في تزايد مستمر، خاصة على الحدود الجنوبية.

وبينما تفقد الدولة العضو في أوبك تلك الإيرادات نتيجة أنشطة بيع الوقود في السوق السوداء، زادت مخصصات دعم الوقود لتتجاوز 12 مليار دولار العام الماضي، بزيادة قدرها 5 مليارات دولار على أساس سنوي. ووفقا لمعطيات نشرتها منظمة ذا سنتري المعنية بالتحقيقات الاستقصائية مؤخرا، فإن ليبيا تفقد ما لا يقل عن 750 مليون دولار سنويا بسبب تهريب الوقود.

وأكدت أن تلك العمليات تكبد الاقتصاد خسائر كبيرة، لافتة إلى أنه بسبب تزايدها اضطرت السلطات إلى استيراد منتجات نفطية تقدر بحوالي 19 في المئة من حجم المستورد خلال 2022. ويقول المهتمون بالشأن الاقتصادي الليبي إن هذه المعضلة تثير قلق السلطات وتطرح تساؤلات بشأن الإصلاح المطلوب لتفادي ذلك.

وفي سبتمبر الماضي، ذكرت الأمم المتحدة في تقرير أن عمليات تهريب الوقود من ليبيا تحولت إلى تجارة مزدهرة ومستمرة، مؤكدة أنها تتم من مناطق كثيرة في شرق البلاد وغربها.

وليس هذا فقط، بل رصدت المنظمة ناقلات نفط تحمل الوقود الليبي المدعوم عبر البحر بشكل غير قانوني لصالح جهات ومجموعات مسلحة نافذة. وذكرت صحيفة الأنباء الليبية نقلا عن مصادر مطلعة أن الحكومة تدعم الوقود بمبالغ ضخمة، ولا توجد مراقبة حقيقية في التوزيع.

وبحسب تصريحات رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، فإن نصف الميزانية تقريبا تذهب لدعم الوقود، حيث يتم شراء اللتر بنحو 3.5 دينار (0.73 دولار)، ويتم بيعه بنحو 0.15 دينار.

ورغم أن هذا السعر يكاد لا يذكر قياسا بدول أخرى منتجة للنفط، لكن تذبذب قيمة العملة المحلية له تأثير على السكان، وأيضا الدولة، التي تبحث عن دعم احتياطاتها النقدية من العملة الصعبة.

وفي الوقت الذي تكافح فيه ليبيا الخروج من أزماتها المتراكمة، تراود الأوساط الشعبية هواجس حول عوائق اقتصادية في الأفق بدأ بعضها في الظهور بملامح مقلقة مسّت قيمة الدينار في السوق الموازية.

ومنذ أن خفّضت ليبيا سعر صرف الدينار بنسبة 70 في المئة مطلع 2021 لم يشهد تذبذبا في قيمته خارج أسوار البنك المركزي مثل ما حصل خلال الفترة الأخيرة.

وبعد أسعار تتراوح بين 5.05 و5.09 مقابل الدولار خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بدأ الدينار في الارتفاع بشكل مفاجئ لأسباب غير مفهومة، خاصة مع انتظام الصادرات النفطية التي تضمن عادة استقرار الأسعار الرسمية والموازية أيضا.

وكشف بشير الشيخ، منسق ما يُعرف بـ”حراك فزان” هذا الأسبوع عن بعض تفاصيل دروب وطرق المهربين عبر الصحراء الليبية ومنها إلى الصحراء الأفريقية، مؤكدا أن مسار التهريب ينطلق من مصراتة.

وقال في تصريحات لإحدى المحطات التلفزيونية المحلية إن “شاحنات الوقود تبدأ رحلة التهريب منذ وصولها مستودع سبها ومنها إلى منطقة القطرون، وعبر طرق الصحراء تنطلق حتى تصل إلى مناجم التنقيب عن الذهب في دول النيجر ومالي وتشاد”.

وأكد الشيخ أنه نجح في تصوير أعمال التنقيب عن الذهب في دول الجوار الجنوبي، وأن العمل في المناجم مرخص من الدولة، لكن تعمل فيه شركات دولية، وقد أنشأت تجمعات عمالية كبيرة العدد بالقرب من الحدود الليبية.

◙ 35 في المئة نسبة الاقتصاد الموازي بالبلاد بحسب المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات

وقدر الشيخ بلوغ عدد العاملين في بعض المناجم نحو 500 ألف، أي ما يعني أكبر من سكان الجنوب، وهو ما يفسر الحاجة الضخمة إلى كميات الوقود المهرب. وأشار إلى أن بعض المناجم توجد فيها حياة كاملة، حتى إن بعضها توجد بجوارها مستشفيات ومراكز صحية ربما لا يوجد مثيل لها في المناطق الليبية.

وتستغل المجموعات المسؤولة عن تهريب الوقود ضعف التواجد الأمني في بعض المناطق الجنوبية بسبب اتساع الصحراء وقلة عدد السكان، لتهريب ما تريد من المواد البترولية.

وسبق أن أكدت تقارير صحفية ليبية أن نقاط التهريب تتواجد في مدن الزاوية وصبراتة وزوارة، وتديرها بعض المجموعات المسلحة، التي دأبت على الإفلات من العقاب، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة إحكام قبضتها على هذه المواقع.

وتُفقد عمليات التهريب وازدهارها الليبيين جزءا كبيرا من ثرواتهم، وتضطرهم إلى الوقوف في طوابير طويلة للحصول على غالون من البنزين، رغم توافر الكميات التي تحتاجها السوق المحلية.

ولا يمكن تقدير نسبة الاقتصاد الموازي في ليبيا نظرا إلى أن النسبة الأكبر من الاقتصاد فيها يعتمد على النفط، إلى جانب وجود اعتبارات أخرى كالتضخم وحجم الأموال المتداولة في السوق.

ولكن المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات قدر حجم اقتصاد الظل في البلاد بنحو 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ورأى في تقريره الذي نشره في مارس الماضي أنه منخفض مقارنة مع الدول النامية الأخرى. وأرجع معدو الدراسة الأسباب الرئيسية لظهور اقتصاد الظل إلى تضخم دور الدولة في النشاط الاقتصادي وزيادة البيروقراطية والتشريعات والقيود المفروضة.

العرب