كيف تفكر الدول… عقلانية السياسة الخارجية” عنوان كتاب جديد للبروفسورين جون ميرشيمر وسيباستيان روزاتو. المؤلفان يناقضان الرأي القائل إن قرار الرئيس فلاديمير بوتين بشن الحرب على أوكرانيا كان غير عقلاني. ورأيهما هو أن بوتين عمل بنظرية “توازن القوى”، عضوية أوكرانيا في الناتو خط أحمر، وإبقاؤها في الصف الروسي مسألة حياة أو موت. وإذا خسرت روسيا الحرب أو فقد بوتين السلطة بسبب الصراع فلن يكون ذلك لأن الغزو كان لا عقلانياً بل نتيجة عجز أو عدم كفاية الجيش الروسي وجهود الناتو في مساعدة أوكرانيا. والظاهر أن الوقت صار لمصلحة روسيا في الحرب. فما راهن عليه بوتين هو تعب الغرب وقلة الصبر في أميركا، بحيث يخف إرسال الأسلحة والأموال إلى كييف، وذلك بدأ يظهر على السطح. الجمهوريون في الكونغرس يعرقلون طلب الرئيس جو بايدن تخصيص 61 مليار دولار لأوكرانيا بعد 113 مليار دولار خصصت منذ بدء الحرب في فبراير (شباط) 2022. المجر توقف تقديم الاتحاد الأوروبي مبلغ 50 مليار يورو لأوكرانيا. عدد من الدول الأوروبية بدأ يتوقف عن مد كييف بالأسلحة. ورئيس الأركان الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني يعترف في حديث مع “الإيكونوميست” البريطانية بأن الحرب وصلت إلى “جمود”، وهو القائل: “أريد ان يكون الجيش الأوكراني قوياً إلى درجة أن روسيا لا تجرؤ على التطلع صوبنا”.
ذلك أن بوتين الذي صدمه في البدء أداء جيشه، رد على تقويم استخباري أميركي أمام الكونغرس عن “سقوط 315 ألف عسكري بين قتيل وجريح تشكل 90 في المئة من عديد القوات الروسية قبل الحرب، وتدمير 2200 دبابة من أصل 3500″، بالقول: “لدينا على أرض المعركة حالياً 617 ألف عسكري بينهم 244 ألفاً جرى استدعاؤهم للقتال إلى جانب الجيش”. لا بل ذهب إلى حد القول عن أوكرانيا إنه “عندما لا يكون لديك قاعدتك وعقيدتك وصناعتك العسكرية وأموالك الخاصة ولا تملك شيئاً، لا مستقبل لك، ونحن نملك كل ذلك”
رهان بوتين على نتائج الحرب في تغيير النظام العالمي والسماح لروسيا باستعادة دورها المهم على القمة في نظام متعدد الأقطاب، يقابله تصور المؤرخ سيرهي بلوخي في كتاب “الحرب الروسية – الأوكرانية: عودة التاريخ” وهو أن “الحرب دفنت آمال روسيا في أن تصبح مركزاً عالمياً جديداً في عالم متعدد الأقطاب”. لا بل يرى أن الحرب التي حلم غاري كاسباروف لاعب الشطرنج الشهير والمعارض بأن “تحررنا من فاشية بوتين” يمكن أن تقود إلى تطوير مشروع “بناء أمة في روسيا”. لكن بوتين أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية من موقعه كحاكم مطلق منذ عام 2000، مرتين كرئيس للوزراء والباقي كرئيس للجمهورية، وبما يوحي أنه قد يبقى في السلطة أكثر مما بقي ستالين. ويروي ميكومان أن خروشوف قال له في أيامه الأخيرة: “من كان يجرؤ على القول لستالين: عليك أن تتقاعد. الآن صار الأمر ممكناً، وهذا إنجازي”.
شتاء آخر صعب على أوكرانيا، إذ تعمد روسيا إلى تدمير البنية التحتية وحرمان المدنيين من الكهرباء والماء في عز الصقيع. وأكثر المدنيين الذين قضوا في الغارات الروسية كانوا في مناطق بعيدة من مناطق القتال. والمعاناة واحدة في غزة وأوكرانيا، وإن تبدلت الأيدي التي تقصف.