من مخيم جنين شمالاً، إلى مخيم بلاطة قرب نابلس ومخيم عقبة جبر قرب أريحا شرقاً، ومن بلدة سعير في محافظة الخليل إلى مخيم الفوار وبلدة برقة، فضلاً عن مدن جنين وطولكرم ونابلس والخليل، تتواصل في سائر مناطق الضفة الغربية جرائم حرب يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بصفة يومية منتظمة ومنهجية.
وهي إذ تتبع سياسات قديمة تبدأ من تاريخ وقوع الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، فإنها لا تتزايد وتتنوع وتتضاعف أعداد ضحاياها من المدنيين الفلسطينيين فحسب، بل باتت تتخذ طابع الشراكة التامة بين جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية المختلفة من جهة أولى، وقطعان مئات الآلاف من المستوطنين سكان نحو 250 مستوطنة في مناطق الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية من جهة ثانية.
جانب آخر من هذه الشراكة الإجرامية يتمثل في أنها افتتحت ساحة أخرى من حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، تجاور وتستكمل جرائم الحرب والمجازر وعمليات القصف والتدمير الهمجية التي يواصل جيش الاحتلال ارتكابها ضدّ المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة. وليست مرافقة مفارز الجيش الإسرائيلي لاعتداءات المستوطنين الوحشية، التي تبدأ من التصفيات الجسدية وحرق القرى والبلدات ولا تنتهي عند تدمير المساكن ونهب البيوت واقتلاع الأشجار، سوى الدليل الأوضح على أن سلطات الاحتلال لا تقرّ هذه الانتهاكات والفظائع فقط، بل توفّر لها التشجيع والحماية أيضاً.
وإذْ ترتفع أعداد ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة إلى أكثر من 20 ألف شهيد، بينهم أكثر من 7 آلاف طفل، فإن أحدث إحصاء لأعداد القتلى الفلسطينيين برصاص الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية بلغ 483 شهيداً بينهم 63 طفلاً، وأكثر من 12 ألف جريح. معدل المباني التي تهدمها جرافات الاحتلال لأسباب متعددة يبلغ 673 سنوياً، تتفاوت بين بيوت سكنية أو أملاك ومنشآت تجارية، ومنذ عام 2009 تجاوز الرقم 10 آلاف مبنى.
والأمم المتحدة سجلت أن عنف المستوطنين ارتفع في عام 2023 من متوسط 3 حوادث يومياً إلى 7 منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، كما وثّقت أنه في نصف الحالات تقريباً كانت وحدات من الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن «ترافق المهاجمين أو تدعمهم بشكل فعال». وكل هذا بصرف النظر عن المناطق التي تشهدها الانتهاكات، سواء كانت بحكم اتفاقيات أوسلو تحت السيطرة الفلسطينية أو الإسرائيلية أو المشتركة.
وكما أن انحياز الولايات المتحدة وديمقراطيات غربية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ومنظمات مثل الاتحاد الأوروبي، منح دولة الاحتلال ترخيصاً صريحاً بارتكاب حرب الإبادة تحت ستار أكذوبة الدفاع عن النفس، فإن نفاق هذه الدول والمنظمات إزاء الشطر الخاص بالضفة الغربية من جرائم الحرب الإسرائيلية، اقتصر على التلويح بفرض «عقوبات» على المستوطنين مرتكبي الاعتداءات.
وإذا كانت غالبية وسائل الإعلام الأمريكية والغربية تبرر عدم تغطية المجازر والدمار والمآسي داخل قطاع غزة بعدم وجود ممثليها على الأرض، فإن زيف هذه الادعاءات ينكشف على نحو فاضح في الضفة الغربية حين يتواصل شطر آخر من حرب الإبادة الإسرائيلية تحت سمع وبصر وعدسات وميكروفونات عشرات المراسلين.