الخرطوم– ينتظر السودانيون عقد أول اجتماع مباشر بين قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي، وسط ترجيحات أن يتصدر وقف إطلاق النار اللقاء الذي يمكن البناء عليه لتفكيك الكثير من القضايا المعقدة بين الطرفين.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن “ترتيبات لقاء البرهان – حميدتي جرى الانتهاء منها بتحديد الموعد والمكان غدا الخميس في جيبوتي، وإن الطرفين تسلما دعوة رسمية من رئيس الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، وجرى التوافق على أن اللقاء دون شروط مسبقة من الجانبين”.
ولم يعلن أي من قائد الجيش أو قائد الدعم السريع مشاركتهما بشكل رسمي في المباحثات، غير أن البرهان خلال كلمة له في منطقة البحر الأحمر العسكرية صرّح بإمكانية انخراطه في مفاوضات سلام مع حميدتي، وأعلن قبوله استئناف التفاوض مرة أخرى، ورحبت قوات الدعم السريع في أكثر من مناسبة بانعقاد اللقاء المباشر بينهما.
ودخلت القوى المدنية السودانية على خط اللقاء المزمع، إذ طلب رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك الاثنين اللقاء بشكل عاجل مع البرهان وحميدتي للتشاور حول سبل وقف الحرب.
وذكر حمدوك على حسابه في منصة إكس أنه بعث رسالتين خطيتين إلى البرهان وحميدتي طلب فيهما اللقاء نيابة عن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم).
ويرى مراقبون أن الأجواء العامة تشير إلى نجاح الاجتماع، وقد يُفضي إلى وقف القتال والاتفاق على أسس مستقبلية للعلاقة بين الجيش والدعم السريع والقوى المدنية، وهي أطراف كانت على رأس المشهد السياسي عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، مع ضرورة وضع أسس تعكس تحولات ما بعد الحرب، ما يجعل القوى المدنية حريصة على أن تجد لها موطئ قدم في الترتيبات الجديدة.
وقال رئيس لجنة السياسات في حزب الأمة القومي إمام الحلو لـ”العرب” إن “لقاء البرهان – حميدتي يجب أن يكون وجها لوجه، كما يؤكد الوسطاء، والأولوية لوقف إطلاق النار، وترتيب أوضاع القوات المتقاتلة ثم فسح المجال للمساعدات الإنسانية، بعد ذلك يمكن أن يتطور الأمر إلى وضع أسس بناء العملية السياسية والحديث عن مستقبل قوات الدعم السريع وعلاقتها بالجيش السوداني”.
وأضاف أن الضغوط التي يتعرض لها الطرفان تجعلهما أكثر تجاوبا مع تقديم تنازلات عبر التفاوض، وحالما يقتنعان بفكرة أن استمرار الحرب يجلب خسائر فادحة تصبح هناك فرصة للتوافق على حلول وسطى، لأن تغليب الحكمة والمصلحة الوطنية يجب أن يسود آراء الجميع في هذه المرحلة.
وأشار لـ”العرب” إلى أن نجاح المفاوضات يتطلب البناء على ما جرى التوصل إليه في الاتفاق الإطاري والوضع في الحسبان تطورات الحرب وأهمية محاصرتها بكافة السبل السياسية، مع وجود دعم دولي يساعد على الاستجابة للنداءات الإنسانية وعودة النازحين والمتضررين واللاجئين إلى منازلهم، ويتوازى مع ذلك إقرار عملية سياسية متطورة بما يتماشى مع ما يتم التوصل إليه من اتفاقات بشأن وقف الحرب.
ودعت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية المجتمع الدولي إلى تكثيف ضغوطه لوقف الأعمال القتالية وتعزيز فرص الحل التفاوضي واتخاذ تدابير جدية لحماية وإغاثة المدنيين، وحذرت من أن بلوغ الحرب ولايات آمنة يؤدي إلى تقسيم البلاد.
وتسعى قوى مدنية لأن تكون شريكة في جهود البحث عن حلول يقتنع بها الجيش والدعم السريع لوقف الحرب، غير أن متابعين لفتوا إلى أن التنسيقية لا تضم كافة القوى المدنية، وهناك صعوبات تحول دون تمكنها من أن تصبح حاضرة كممثل عن جميع القوى.
وتتجه رؤية حزب الأمة القومي نحو عقد مائدة مستديرة تشمل جميع القوى المؤمنة بالتحول الديمقراطي، سواء التابعة للتنسيقية أو التي لم تنضو داخلها، ما يساعد على تشكيل جبهة مدنية عريضة بلا إقصاء، باستثناء منتسبي المؤتمر الوطني المنحل.
وأكد عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) اللواء كمال إسماعيل لـ”العرب” أن “دخول القوى المدنية على خط اللقاء بين البرهان وحميدتي يستهدف نقل رأي الكتلة المدنية إلى الطرفين، وأن التنسيقية التي تمثل الجزء الأكبر من القوى السياسية ترى ضرورة أن تقوم بهذا الدور بحثاً عن حل لإنهاء الحرب”.
وشدد على أن أهداف القوى المدنية من الحوار تتمثل في التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار ووقف العداوات واتخاذ إجراءات لبناء الثقة بين الطرفين، مع وجود قناعة بأن الأجواء مواتية للاستماع إلى وجهة نظر كل القوى الوطنية بعد أن تعرض السودان لدمار هائل يجب أن يصبح حاضراً في أذهان الطرفين المتفاوضين.
وذكر أن القوى السياسية تريد أن تظل قوة ضاغطة لوقف الحرب، وعقب وقف القتال ستبقى متحكمة في سبل تسيير المرحلة المقبلة، وتواجدها على رأس المشهد السياسي مطلب شعبي بفعل الثورة التي أيدت وجود حكومة مدنية.
الأجواء العامة تشير إلى نجاح الاجتماع، وقد يُفضي إلى وقف القتال والاتفاق على أسس مستقبلية للعلاقة بين الجيش والدعم السريع والقوى المدنية
واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل الماضي بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين بسبب خلافات حول خطط دمج الدعم السريع في الجيش، حين كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية للعملية السياسية.
ولفت القيادي في حركة تمازج السودانية عثمان عبدالرحمن إلى أن اللقاء بين البرهان وحميدتي سيكون له دور مهم في تحسين الأوضاع الإنسانية، لكن ثمة مخاوف من تنصل أتباع النظام السابق -الذين لهم وجود بارز داخل الجيش- من أي اتفاق مرتقب وتكرار ما حدث مع اتفاقيات سابقة.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى “وجود قوى محسوبة على الحركة الإسلامية تريد استمرار الحرب، وأن ضمان نجاح المفاوضات لا بد أن يسبقه التزام بإجراءات بناء الثقة بين الطرفين، ولدى بعض القوى السياسية إيمان بالثورة وقدرة مؤيديها على إنهاء الحرب ويجب الاستماع إليهم في أي مفاوضات جادة بين البرهان وحميدتي”.
ويعد وقف إطلاق النار فرصة لالتقاط الأنفاس وعودة مظاهر الحياة بما يتيح القدرة على التفكير في أسس استكمال مراحل التحول الديمقراطي، وأن توقف طلقات الرصاص يقلل من الانقسام الحاد في المجتمع.
ويتمثل هدف القوى المدنية من الاجتماع المرتقب في التوصل إلى اتفاق يلتزم به البرهان وحميدتي لوقف القتال، وبحث آليات إعادة تجميع القوات العسكرية خارج الأحياء والمناطق السكنية وتسهيل مرور المساعدات إلى جميع الولايات السودانية.
العرب