طالعنا صباح اليوم -الأربعاء- المتحدث الرسمي باسم الحرس الثوري الإيراني ( رمضان شريف) بتصريح قال فيه ( أن عملية طوفان الأقصى كانت إحدى عمليات الإنتقام لاغتيال سليماني، وأن هذه الانتقامات ستبقى مستمرة).
وعند قراءتنا لما جاء فيه من موقف يخالف ما أكدته القيادات العليا والشخصيات السياسية والعسكرية في النظام الإيراني وما أعلنه المرشد الأعلى علي خامنئي في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أي بعد ثلاثة أيام من انطلاق عملية الأقصى بنفي أن يكون لطهران أي دور في العملية التي شنتها حركة حماس ضد إسرائيل مؤكداً أن ( أنصار النظام الصهيوني وأخرين نشروا أشاعات خلال اليومين او الثلاثة ايام الماضية ان إيران تقف وراء العملية وأنهم على خطأ)، وما جاء في حديث محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران السابق في الندوة الصحفية التي عقدها في 6 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي في طهران بأن ( الشعب الإيراني ضجر من سياسات النظام تجاه القضية الفلسطينية وأن الشعب سئم أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم) ومدافعا عن سياسة النأي بالنفس التي تقوم بها إيران فيما يخص الحرب في غزة.
فأين ( رمضان شريف) من هذه التصريحات والمواقف الإيرانية! أم اعتادت القيادات العسكرية والأمنية في الحرس الثوري على سياسة المنافع والمكاسب التي تجنيها من أي حدث أو واقعة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي؟ أم هو تأكيد على دور الدولة العميقة في إيران وتخطيها لكل المواقف السياسية المعلنة من النظام الإيراني والعمل على خدمة أهدافها ومشاريعها الداخلية والخارجية ووضوح حالة الصراعات السياسية داخل هيكلية النظام؟
هي تساؤلات عديدة للوصول إلى ما هي دلالات أن تكون المعركة في غزة لأجل غايات إيرانية، وهل الدماء الطاهرة التي أُريقت على أرض فلسطين كانت بالرخص الشديد لتكون انتقاماً لشخصية إيرانية؟ وهل ما تم تهديمه من بنية تحتية واضرار جسيمة واستشهاد لأرواح بريئة واستهداف للمجمعات السكنية والمستشفيات تعزيز لمشروع إيراني يريد الهيمنة والسيطرة والتمديد على حساب تاريخ ووجود الأمة العربية؟
أن طبيعة وأهداف النظام الإيراني أصبحت أكثر وضوحاً في توصيف مجريات أحداث غزة لصالح أهدافه ورؤيته في كيفية التعامل مع الأوضاع الميدانية واكتفائه بكلمات وخطابات مناورات دبلوماسية.
تعمل إيران جاهدة لتكون القضية الفلسطينية طريقها لتحقيق أهدافها وغايتها في الوصول إلى تغيير قناعات الشعب العربي من أبجديات المشروع الإيراني وادعائها في حماية المقدسات الإسلامية في القدس الشريف وتوظيف الدم الفلسطيني وتسخيره لخدمة أهدافها، وهذا لا يمكن أن تقبل به جميع القوى التحررية في الوطن العربي وتحديدا فصائل المقاومة الفلسطينية التي بسكوتها وعدم ادانتها الصريحة لهذه التصريحات إنما تؤكد حقيقة أنها تتحرك وتعمل نيابة عن الدور الإيراني وهذا فيه إساءة واضحة للدور الكفاح والجهادي لأبناء الشعب الفلسطيني واستهانة بالتضحيات الجسام الكبيرة التي قدمها أبناء غزة الأبرار في الأشهر الماضية.
إن العقيدة العسكرية الإيرانية تتسم بدوافع تحديد الأطر الدفاعية والردع المماثل وتبني عنصر الضربة الثانية وانتظار عملية التهديد القادمة لأراضيها وعدم خوض أي معركة إلا إذا حدث اعتداء على أراضيها، وهذا يتنافى مع ما تناقلته الاوساط العسكرية الإيرانية حول انتقامها لمقتل سليماني وانها تدفع بأي خسائر تحصل وتهدد وجودها ونظامها السياسي في طهران خارج حدودها الجغرافية وتعمل على استخدام مساحات وأراضي لدول أخرى فيها من النفوذ الإيراني المتمثل الفصائل المسلحة التابعة لها، وهي تقر بأن ما يحدث في غزة يأتي في سياق الحفاظ على وجودها على حساب الدم الفلسطيني الغالي.
ان القوى الفلسطينية وتحديدا القيادات السياسية والعسكرية في قيادة حركة حماس عليها أن لا تكتفي بالبيان الذي أصدرته وأكدت فيه على أن معركتها ضد الوجود واسرائيل وعليها ان تدرك أن المشروع الإيراني يستهدفها أولاً قبل أي قطر عربي خاض غمار مواجهة النفوذ الإيراني ودفع فيه خيرة شبابه وان إيران لا يهمها الا مصلحتها ومنافعها والحفاظ على دورها الإقليمي وان ادعاء وقوفها الى جانب الحق الفلسطيني إنما هو جزء من البراغماتية والمناورة الميدانية التي تستخدمها في علاقاتها الدولية والإقليمية، وحان الوقت لإدانة هذه المواقف والحفاظ على الثوابت الحقيقية والأهداف المشروعة للقضية الفلسطينية واحترام إرادة وحرية شعبها والتضحيات التي قدمها وان تكون الدماء الزكية غالية على أهلها وليس لغايات سياسية يسعى إليها النظام الإيراني الذي اثبت عدم مصداقيته ومواقفه التي لم ترتقي لمستوى الخطاب الذي يدعيه.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية