بعد 15 – 20 سنة، وبعد التوقيع على اتفاق تاريخي برعاية الجامعة العربية والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين (الاتفاق الذي ستضطر الحكومة الإسرائيلية للمصادقة عليه في الوقت الذي ستقف على طول حدودها جيوش إيران والعراق ومصر وسوريا ولبنان، التي جاءت لمساعدة منظمة “شهداء مكة” في الضفة والقطاع) ستكون هناك بضعة أشهر تهدئة قصيرة في الأراضي المقدسة.
ستوافق إسرائيل على الاتفاق الذي سيلغي مكانتها كدولة مستقلة بعد إعلان الولايات المتحدة الحياد، وسيوضح الجيش الإسرائيلي بأنه لا إمكانية للانتصار في هذه الحرب. الاتفاق، الذي قد يحمل عنوان “دولة إبراهيم من النهر إلى البحر”، سيؤدي إلى تهدئة قصيرة؛ لأنه سيوضح فوراً بأن هذه الدولة الحرة لا تختلف كثيراً عن دول تجريبية أخرى مثل يوغسلافيا أو أرمينيا أو لبنان أو السودان، التي حاولوا فيها تجميع مجموعات سكانية متعادية من ناحية عرقية ودينية في دولة واحدة.
رغم ذلك، ربما تكون هذه دولة مختلفة بسبب الكراهية غير العادية بين المجموعتين السكانيتين اللتين ستشكلان دولة إبراهيم، ستكون دولة دموية، سيكون القتل فيها بين الطرفين يومياً وكثيفاً. ستكون دولة مع ناتج محلي خام أقل مما في نيجيريا، وسيضطر المواطنون فيها، يهوداً وعرباً، للسفر من أجل تلقي العلاج الكيميائي في مستشفى في العريش للحصول على بضعة أشهر أخرى من الحياة. ستكون دولة يتعلم فيها معلمو المدارس الثانوية ويعلمون الدفاع عن النفس والقرآن والتوراة. هكذا ستظهر دولة إبراهيم، لا لعدم وجود كفاءات بين مواطنيها اليهود والعرب، بل لأن جميع قدراتهم وكفاءاتهم ستُستثمر في العداء والكراهية ولعدم القدرة على اتخاذ قرارات حكومية حتى في المواضيع الصغيرة جداً. الفوضى التي ستكون في دولة إبراهيم ستعتم على الفوضى التي سادت في الدولة اليهودية التي وصلت إلى الذروة في صيف 2023.
ستكون دولة إبراهيم ساحة للجلادين الذين لا يكفوا بأن فرض عليهم تقاسم قطعة الأرض نفسها، بل سيضطرون أيضاً إلى تقاسم دولة واحدة. بعد ذلك، سينشر ذات يوم في صفحة الآراء في صحيفة “هآرتس” في العام 2045، الصفحة الأخيرة، مقال قصير لعومر إيميت، يسأل فيه كيف حدث كل ذلك. كيف لم ينجح سكان دولة إسرائيل في منع الخراب، ولم يطبقوا فكرة الدولتين.
حتى خطة التقسيم من العام 1947 بكاملها تظل أفضل من الواقع الآن، سيكتب، أو تسوية خطوط العام 1967 التي رفضنا الموافقة عليها أكثر من 80 سنة، وعادت إلى جدول الأعمال بشكل ناجع بعد مذبحة 7 أكتوبر في العشرينيات.
وحتى بعد يوم السبت اللعين، سيسألون أيضاً كيف بقي 90 في المئة من أعضاء الكنيست في الدولة اليهودية يعارضون حل الدولتين على أمل وهمي بحكم يهودي من النهر إلى البحر. وكيف حدث أن جزءاً كبيراً من اليسار في تلك السنوات كان أسيراً لفكرة رومانسية، لا تقل أهمية عن الأولى، عن دولة يهودية – عربية، ديمقراطية وحرة، تقوم هي أيضاً من النهر إلى البحر.
بعد بضعة أيام، سيظهر في الصفحة الأخيرة في “هآرتس” مقال رد لبتسلئيل سموتريتش، الذي سيقول في الحقيقة وضعنا أسوأ بكثير، لكن لم يكن أمامنا خيار، لأن الضعف الذي أظهرته إسرائيل أمام الفلسطينيين زاد شهيتهم إلى أن محا خيار الدولتين من الوجود.
بعد بضعة أيام، سيظهر مقال رأي لجدعون ليفي في الصفحة الأولى يقول إن سموتريتش على حق 100 في المئة، لأنه يخالف صديقه الرأي بأن عدم الخيار لم يكن هو السبب؛ لأن السبب الحقيقي هو كره إسرائيل للفلسطينيين ومواصلة احتلالهم إلى درجة اعتبار حل الدولتين استمرارية للاحتلال.
إذا كنت قد تسببت بالذعر للقراء بسبب توقعاتي الفظيعة فسأنتقل إلى توقعات متفائلة أكثر، التي تقل احتماليتها يوماً بعد يوم. ولكن من المحتمل أن مذبحة 7 أكتوبر والحرب قد أحدثتا شرخاً في وعي من يحبون دولة من النهر إلى البحر لأسباب مختلفة، وهو الشرخ الذي يمكن للضوء أن يمر من خلاله.
الحروب بطبيعتها تخلق فرصاً جديدة للاتفاقات، والزعماء الذين اعتقدوا بأن المشكلة الفلسطينية هي حبة البطاطا الساخنة التي يفضّل إبقاؤها في الفرن وعدم الاقتراب منها، يدركون الآن بأنه إذا لم يتم إخراجها من الفرن فستحرق البيت كله، وربما القرية العالمية قاطبة. وإذا حدث ذلك، يتوقع أن نشاهد نبوءة مختلفة، ستكون بدايتها اتفاقاً آخر، اتفاق الدولتين، اتفاقاً ربما ستغيب عنه إيران وروسيا، لكن الجامعة العربية والولايات المتحدة وأوروبا ستدعمه سياسياً ومالياً بالتأكيد.
خلافاً للاتفاق السابق الذي وصفته، في الأشهر الأولى بعد التوقيع على هذا الاتفاق بالتحديد لن يحدث أي هدوء. وستكون عمليات إرهابية واستفزازات من قبل المستوطنين، لكن التصميم والاستمرار سيؤديان إلى خفوت الارهاب. أسطوانة الأوكسجين التي تتغذى بالمعاناة والفقر والإهانة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ستفرغ. وعندما سيترسخ الهدوء ويصبح عادة قبل 2045 بكثير، وسينشر مقال رأي لعومر ايميت في صحيفة “هآرتس”، يسأل فيه كيف استغرقنا 100 سنة كي نصل إلى حل الدولتين؟ ولماذا كلما حاولنا التقدم من هذا الحل استسلمنا للمتطرفين الذين حاولوا إفشاله؟
لماذا تم طرح فكرة غبية لدولة “من النهر إلى البحر” التي صاغها المتطرفون من اليسار واليمين. وكيف شرحنا لأغلبية الجمهور العقلاني بأن الحل الأفضل هو أنه لا يوجد حل. ولن يكون حينئذ مقال رد على مقال عومر ايميت هذا، سواء من سموتريش أو ليفي.