مثَّل تصعيدُ الحوثيين تجاه إسرائيل ومصالحها في البحر الأحمر، منذ 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أحد أبرز الأحداث المرافقة لعملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ضد الجيش الإسرائيلي في منطقة غلاف غزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويرتبط هذا التصعيد وجودًا وعدمًا بأحداث غزة؛ حيث يشترط الحوثيون لوقف هجماتهم على ميناء إيلات (أم الرَّشراش) والسفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وقفًا مقابلًا للعدوان الإسرائيلي على غزة.
تناقش هذه الورقة سياقات هذا التصعيد، وتحدِّد مسارح عملياته وتقنياته العسكرية، وتُبرز التداعيات السياسية والعسكرية والأمنية الناشئة عنه، ثم تستعرض حدود الاستجابة الإسرائيلية والدولية، ما وقع منها وما هو متوقع مستقبلًا.
أولًا: السياقات السياسية للتصعيد
تمثِّل الهُدنة الإنسانية الجارية، واستحقاقاتها، بين الحكومة اليمنية والحوثيين، منذ دخولها حيِّز النفاذ في 2 أبريل/نيسان 2022، أهم متغير محلي قائم ومرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتصعيد العسكري للحوثيين تجاه إسرائيل ومصالحها ومصالح الدول المرتبطة بها، في البحر الأحمر وخليج عدن، خلال الربع الأخير من هذا العام (2023). وكانت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزَّة فرصةً ثمينة للحوثيين لكسب عدة نقاط وفي مستويات مختلفة، ومن أبرزها تحريك عملية السلام في اتجاه إرادتهم السياسية المتصلبة، ومِن خلفهم إيران، أو العودة إلى مسلك الحرب، وتسجيل موقف صلب يُبرزهم قوةً عربيةً شجاعة، مقابل إحجام كافة الدول العربية عن اتخاذ مثل هذا الموقف أو أقل منه.
لعل مما يؤكد ذلك، حالة الخفوت الميداني التي غرق فيها الحوثيون، خلال العشرين شهرًا من عمر الهدنة، وتعثر مطالبهم الإضافية، التي وضعوها شروطًا لتجديد الهدنة بشكل رسمي(1). فقد أعاقت الهدنة اندفاعهم في الجغرافيا الغنية بالثروات النفطية وغيرها التي تسيطر عليها الحكومة، وأعطت خصومهم في هذه الحكومة، وقتًا كافيًا لترتيب أوراقهم المبعثرة، سواءً كل طرف مناوئ منهم على حِدَة، أو جميعًا ضمن مجلس القيادة الرئاسي الذي تشكَّل عقب إعلان الهدنة بخمسة أيام. كذلك، حالة القلق التي انتابت الحوثيين جرَّاء تصاعد الروح الثورية تجاههم في مناطق حكمهم؛ نتيجةً لسوء الأوضاع الاقتصادية والتعليمية والصحية، وعجزهم عن صرف رواتب القطاع العام منذ عام 2016، وتضييقهم للحريات التي تجلَّت في قمع المحتفلين بالذكرى الحادية والستين لثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962(2).
لقد ظل الحوثيون، طيلة الفترة المنقضية من الهدنة، يؤكدون على أنَّ اليمن لا يزال تحت طائلة العدوان السعودي والأميركي والإسرائيلي، حسب توصيف خطابهم الرسمي، ولم تخلُ خطابات زعيمهم، عبد الملك الحوثي، وخطابات رئيس مجلسهم السياسي الأعلى، مهدي المشَّاط، من التلويح باستئناف الحرب(3). وهذا ما يتناقض مع الواقع، فالاشتباكات بين الطرفين، مستمرة في مختلف نقاط التَّماس، بل قام الحوثيون باستهداف ميناء الضبَّة النفطي، بالصواريخ الباليستية والطائرات غير المأهولة، خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
على الصعيد الإقليمي والدولي، تبرز المصالحة السعودية-الإيرانية، بوصفها متغيرًا سياسيًّا وثيق الصلة بتصعيد الحوثيين. فمن جانبٍ، يضعهم هذا التصعيد في محور المقاومة الذي يحضر فيه حليفهم الدولي الأوحد، إيران، ويؤكد ارتباطهم الوثيق بها، ويمنحها فرصًا إضافية لتعزيز موقفها أمام أطراف الاتفاق النووي لعام 2015، والولايات المتحدة التي خرجت منه. ومن جانب آخر، يسعى الحوثيون لتضييق الخيارات أمام الحكومة اليمنية، بدفع السعودية والولايات المتحدة للضغط على هذه الحكومة للتسليم بمطالبهم المتعلقة بتمديد الهدنة والدخول في عملية السلام. فالحوثيون يعرفون حرص السعوديين على صمود هذه المصالحة، وسعيهم لإخماد بؤر التوتر التي أبطأت تنفيذ مشروعات إستراتيجية عملاقة، في مقدمتها رؤية السعودية 2030(4).
في سياق سياسي حاكم لمعظم ما سبق، تحرص الولايات المتحدة على التعامل مع الحوثيين بشيء من الصبر الإستراتيجي، بناء على مجموعة من حساباتها الإقليمية تجاه الحلفاء، مثل دول الخليج وإسرائيل، وتجاه الخصوم والمنافسين الدوليين، مثل إيران والصين، والجماعات الموصوفة بالإرهاب خاصة القاعدة وداعش. إضافة إلى حسابات إدارة الرئيس، جو بايدن، تجاه بؤر العنف المشتعلة في السودان وأوكرانيا وغزَّة، وتجاه الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها أواخر العام القادم 2024، التي أعلن، في أبريل/نيسان 2023، عن ترشُّحِه فيها؛ حيث وعد ناخبيه خلال انتخابات عام 2020، بالعمل على وقف الحرب في اليمن، والحد من الدعم العسكري الأميركي للسعودية فيها.
الواضح أنَّ الحوثيين يدركون هذه الأبعاد، لكنهم يعملون لحساب اللحظة، فيعملون على الاستفادة الكاملة منها(5). ولعلَّ قيام إدارة بايدن بإزالتهم من قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية، أقوى ما يمكن الأخذ به في تفسير الموقف الأميركي الراهن منهم، وتفسير موقف الحوثيين، أنفسهم، من الولايات المتحدة؛ إذ إنهم يناورون بمختلف القضايا المحلية والإقليمية، ولكن في حدود ما تتيحه لهم الفرص، ودُون المساس بجوهر المصالح الإستراتيجية الأميركية. وفي الأخير، نجد أنَّ محصلة عدائهم للولايات المتحدة، خلال فترة هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، تساوي (صفرًا) خسارة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وهناك حالة واحدة فوق المجال البحري لسيطرتهم، وهي إسقاطهم طائرة غير مأهولة، من طراز “إم كيو-9 رابير”، كانت تقوم بمهمة استطلاعية، ووقع حطامها في البحر الأحمر(6).
ثانيًا: مسارح عمليات التصعيد والوسائل المستخدمة
مسارح عمليات التصعيد
تركَّزت بؤر تصعيد الحوثيين في منطقتين أو اتجاهين، أولهما: المجالان، البحري والقاري، لميناء إيلات (أم الرَّشراش) شمالي خليج العقبة، مع تجاوز ذلك إلى منطقة طابا المصرية، جنوب غربي الميناء. وإضافة إلى الأراضي الجنوبية الشرقية من الأردن، بالقرب من الحدود البرية السعودية(7). وثانيهما: القطاع الجنوبي من الخط الملاحي البحري، ابتداءً من شمال غربي خليج عدن، وحتى قُبالة ميناء الصليف. وسيطرة الحوثيين في هذا القطاع ليست كلها مباشرة، ولكن عبر قدرتهم الصاروخية التي تصل المكان، وتثير التهديد. أما السيطرة المباشرة فتمتد بين جزيرتي زُقَر والزُّبير، قبالة السواحل الجنوبية للحُديِّدة، ثم بين جزيرة الزبير وجُزُر بَكْلان، ورافع، وزَمْهر شمالًا، علمًا بأن هذه الجزر في قبضة التشكيل البحري الحكومي(8).
وهكذا، فإن سيطرة الحوثيين، القارية والبحرية، وما يمتلكون من إمكانيات صاروخية باليستية وطائرات غير مأهولة انتحارية وقدرات بحرية قديمة وحديثة ودعم لوجستي واستخباري إيراني؛ كلها فرضت حدود تهديداتهم الأمنية، شمالي البحر الأحمر وجنوبه، وحددت طبيعة الأغراض المستهدفة؛ إذ تبلغ أمدية مقذوفاتهم، من هذه الأسلحة، بين 1900- 2000 كلم، وهي، تقريبًا، المسافة نفسها بين صنعاء أو ميناء الحُديِّدة، وميناء إيلات(9)، فيما المسافة بين آخر نقطة ساحلية لتمركزهم جنوبي الحُديدة، وبين أي نقطة في خليج عدن تقع في موازاة ميناء عدن، تقدَّر بين 340-370 كلم(10). وهذه المسافة تتيح الوصول الجوي للصواريخ والطائرات غير المأهولة الانتحارية.
في الاتجاه الأول للتصعيد، ممثَّلًا في ميناء إيلات ومُحيطيه، القاري والبحري، شنَّ الحوثيون أولى هجماتهم، بنحو 15 صاروخًا باليستيًّا، وثلاث طائرات غير مأهولة انتحارية، وذلك في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد اعترضت المدمرة الأميركية “يو إس إس كارني”، بعضًا منها في أجواء البحر الأحمر، ناسبةً مصدر إطلاقها إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وأنَّ وجهتها كانت إسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلة)(11). ثم تكرَّرت مثل هذه الهجمات، خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول، على فترات غير منتظمة، مع اعتراف الحوثيين بوقوفهم وراءها، وربطوا ذلك بتحولات العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة. وتضمنت الهجمات نحو تسعين صاروخًا باليستيًّا، وطائرة غير مأهولة انتحارية. كان آخر ما اعتُرض في اتجاه إيلات، نحو 15 مقذوفًا، أعلنت القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية عن إسقاطها في 16 ديسمبر/كانون الأول 2023.
أمَّا الاتجاه الثاني لتصعيد الحوثيين، فيتمثل في القطاع الجنوبي من الخط الملاحي، على طول سيطرتهم الساحلية وامتداده جنوبًا حتى خليج عدن، مع تمركُز التصعيد على جانبي مضيق باب المندب. ففي هذا القطاع استهدفت الهجمات سفنًا تجارية ذات صلة مباشرة، وغير مباشرة، بالحكومة الإسرائيلية، وتلك التي تقصد موانئها أو تغادرها عبر المرور بمضيق باب المندب. وتنوَّعت الهجمات بين الاستهداف بالطائرات غير المأهولة الانتحارية، وبين الصواريخ الباليستية والمجنَّحة (كروز) التي اعتَرضت مجموعات متتالية منها، خلال فترة التصعيد، المدمِّرات الأميركية “يو إس إس كارني”، و”يو إس إس لابون” في البحر الأحمر، و”يو إس إس ماسون”، في خليج عدن، وبلغ عدد الهجمات في هذا الاتجاه، نحو 15 هجمة، حتى 23 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وفقًا للقيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية(12).
برزت عدة محاولات للحوثيين لاختطاف السفن التجارية وطواقمها، أو أحيانًا تغيير مساراتها إلى موانئ الحُديِّدة، أو إلى وجهات نقيضة لاتجاه سيرها، بوصف ذلك أنماطًا أخرى للتهديد الذي تدرَّج في مستويات تصاعدية، بدأت بتوجيه التحذيرات المقرونة بفرض مطالب وقف العدوان على غزة، والسماح بدخول قوافل الغذاء إليها، ثم الانتقال إلى إعمال التهديد على أرض الواقع، عندما لم يُلتفت إلى التحذيرات. ومثَّلت هجمات 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رغم تجاهل الحوثيين الاعتراف بها، أول إنفاذ لهذه التحذيرات، ثم تلاها التركيز على اختطاف السفن التجارية ذات الصلة بالحكومة الإسرائيلية، أيًّا كانت هذه الصلة، والتي وقعت فيها السفينة “غالاكسي ليدر”، بعد شهر من أول هجوم صاروخي للحوثيين على إسرائيل، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ثم أضحت الهجمات بالصواريخ والطائرات، غير المأهولة، الانتحارية، على السفن التجارية، سلوكًا اعتياديًّا للحوثيين، نتيجةً لعدم تعرُّضهم لأي استجابة إسرائيلية عنيفة.
يلخص الجدول التالي تفاصيل كاملة عن الهجمات الموجهة نحو السفن، التي اعترف بها الحوثيون، وأكدت عليها القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، وذلك خلال الفترة من 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023-26 ديسمبر/كانون الأول 2023.
جدول: هجمات الحوثيين على السفن التجارية خلال الفترة من 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 26 ديسمبر/كانون الأول 2023
1
(المصدر: الباحث)
الوسائل العسكرية المستخدمة في التصعيد
استخدم الحوثيون مجموعة من الأسلحة والتقنيات، ضمن صنفين رئيسين من القوات الرسمية التي تتحكم فيها، وهما: القوات البحرية وقوات الدفاع الساحلي، والقوات الجوية وقوات الدفاع الجوي، ممثلةً في القوة الصاروخية والطيران المسيَّر (الطائرات غير المأهولة الانتحارية والصواريخ الباليستية والمجنَّحة). وإلى ذلك، قوات خفر السواحل التي تؤمِّن المنطقة البحرية الإقليمية، في القطاع البحري الخاضع لسيطرتهم.
خلال التصعيد، برز نوع جديد من الصواريخ الباليستية، يُعرف باسم “طوفان”، أرض-أرض، الذي يُعدُّ نسخة من صواريخ “قَدَر”، التي تمتلكها إيران، ويصل مداه إلى 1950 كلم. وهذا الصاروخ، وفقًا لاستعراضات الحوثيين العسكرية، وما كشفته مجريات الحرب، طيلة تسع سنوات؛ يجري إطلاقه عبر منصة إطلاق أرضية متحركة. كذلك استُخدمت صواريخ “قُدس”، المجنَّحة، من نوع “كروز”، التي يزيد مداها عن 1650 كلم(13).
إلى ذلك، الطائرات غير المأهولة الانتحارية، ومنها: طائرات “صَمَّاد” التي يرواح مداها بين (1200-1500) كلم، وكانت “صَمَّاد-3″، النَّوع المتداول اسمه منها، خلال تصعيد الحوثيين تجاه إسرائيل، وفي البحر الأحمر. ويُشار إلى أنها تطابق النسخة الإيرانية من الطائرات غير المأهولة الانتحارية المعروفة باسم “شاهد”. ولا يُعرف إن كان الحوثيون استخدموا نوعًا من الطائرات الانتحارية، التي سبق أن أعلنوا عن امتلاكهم إياها، وعرَّفوها باسم “وعيد”، وأنَّ مداها يصل إلى 2500 كلم، وهي تُطابق النسخة الإيرانية من طائرات “شاهد 136” الانتحارية غير المأهولة(14).
عادةً ما كان إطلاق هذه الصواريخ أو الطائرات، على هيئة رشقات أو دفعات أكبرها 15 صاروخًا وطائرة انتحارية، حسب حجم الهدف وأهميته وبُعده؛ حيث كانت الهجمات على ميناء إيلات تَضمُّ أكبر قدر من هذه المقذوفات، وتنوَّعت بين الصواريخ الباليستية والمجنَّحة والطائرات الانتحارية، أمَّا الأهداف البحرية فكان استهدافها بواسطة مقذوفات فردية، وأحيانًا زوجية أو فردية، دون الستَّة مقذوفات، وفي كلا الاتجاهين كانت رؤوسها الانفجارية تقليدية ومتوسطة الشِّدة في الانفجار.
في الهجمات والعمليات البحرية، استخدم الحوثيون مجموعة من الأسلحة، والوسائل المساعدة، البحرية والجوية، التي سبق وأن استعرضوها في ميادين عامة، أثناء إحياء مناسبات سياسية ودينية خاصة بهم. وفي كل الأحوال، فإنهم يشنُّون هجماتهم باستخدام زوارق قتالية محدودة التسليح، ومن ذلك: ملَّاح، وعاصف، ونذير. ويتضمَّن تسليحها “البندقية الآلية إيه كيه-47″، عيار (7.62 – 39 ملم(، والمدفع الرشاش “دُوشكا” عيار ( 12.7 – 108 ملم)، والقاذف الصاروخي “آر بي جي-7”. ويبدو أن ثمة من يوفر لهم سفينة كبيرة راسية في البحر، تقوم بدور السفينة الأم التي تنطلق منها هذه الزوارق، وهنا يكثر الجدل حول دور السفن الإيرانية في البحر الأحمر التي كان لها إسهامات لوجستية داعمة للحوثيين، خلال السنوات التسع الماضية من الحرب. وهذا الدور يكون في منطقة أعالي البحار التي تعجز زوارق الحوثيين عن الوصول إليها، لاعتراض السفن، والعودة إلى مرابطها في الساحل.
لم يكشف الحوثيون عن الصواريخ البحرية المستخدمة في هجماتهم علىى السفن، رغم قلَّة استخدامها؛ ذلك أنَّ ما يطلقونه من مقذوفات، إنما هي صواريخ باليستية وطائرات غير مأهولة انتحارية، تتمركز على البر الرئيس للبلاد. وقد يكون نوع أحد الصواريخ المستخدمة في مهاجمة السفن، صاروخ كروز “قُدس-4” الذي يبلغ مداه نحو 800 كلم، وهذا الصاروخ يمكنه التعامل مع الأهداف البحرية والبرية معًا(15).
ثالثًا: التداعيات الداخلية والخارجية للتصعيد
أدَّت هجمات الحوثيين على أهداف عسكرية، وأعيان مدنية عامة في إيلات، وهجماتهم على السفن التجارية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بإسرائيل، إلى تداعيات عديدة معلَنة وغير معلنة تندرج جميعًا ضمن أربعة مجالات، وهي: السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.
التداعيات السياسية
أسهم تصعيد الحوثيين العسكري تجاه إسرائيل، ومصالحها التجارية، والمصالح الدولية ذات الصلة بها، جنوبي البحر الأحمر، في كسر حالة الجمود السياسي التي أحاطت بالأزمة اليمنية قُرابة سنتين. فَبعدَ حوالي شهرين من هجماتهم على ميناء إيلات، والسُّفن التجارية في البحر الأحمر؛ كشف المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن التزام أطراف الحرب بمجموعة من التدابير التي تتضمن وقف إطلاق النار، وتحسين الظروف المعيشية، والانخراط في الاستعداد لعملية سياسية برعاية الأمم المتحدة(16). وقد رافق هذا الإعلان نشاط سياسي مكثف داخل مختلف أطراف الحرب، وداعميهم الخارجيين، بما يَشِي بقرب تسوية سياسية جزئية، معالمها الأبرز: الشأن الإنساني، وبناء الثقة بين هذه الأطراف، غير أن أطرافًا ضمن الحكومة اليمنية لا تزال غير متحمسة لهذا الإعلان، وإن أبدت ترحيبها به، معتقدة أن ذلك يقود إلى تعقيدات ميدانية في ظل انعدام الضمانات المؤيدة إلى سلام حقيقي دائم(17).
سبق ذلك تحركات كثيفة للمبعوث الأممي، طيلة فترة عدوان إسرائيل على غزة، وما تخللها من هجمات للحوثيين هنا وهناك. وشملت التحركات عواصم الدول المؤثرة في أطراف الصراع، ومنها: الرياض، وأبوظبي، ومسقط، وواشنطن، ولندن. وبالمثل، برز دور المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيموثي ليندر كينغ، والدور السعودي، ممثلًا بنشاط وزير الدفاع، خالد بن سلمان، وسفير السعودية لدى اليمن، محمد آل جابر، اللذين التقيا رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وبقية أعضاء المجلس، خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول 2023. فيما مثَّل الدور العُماني حلقةَ وصل بين جميع الأطراف، شاملًا ذلك الحوثيين(18). وخلال النصف الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2023، التقى ممثلون عن جماعة الحوثي مسؤولين أميركيين في مسقط، وربما كان ذلك دافعًا قويًّا لإعلان المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، بشأن استئناف عملية السلام(18).
في اتجاه تصعيد إسرائيل على غزة، عَمِل تصعيد الحوثيين، بجانب عوامل أخرى، على دفع إسرائيل والقوى الدولية المتعاطفة معها، إلى إعادة التفكير في جدوى استمرار هذا العدوان، باللجوء إلى الحل السياسي القائم على المفاوضات غير المباشرة، مع حركة حماس، وإن مثَّل ذلك مراوغة سياسية، لكنه لا ينفك عن خشيةٍ من تولُّد بؤر عنف في محيط إسرائيل، بجانب ما يمثِّله حزب الله اللبناني من تهديد. وفي الوقت الذي تعاني فيه حكومة نتنياهو أزمة سياسية مؤجلة، مثَّلت عملية طوفان الأقصى، والاستجابة لها، مهربًا من هذه الأزمة. وحتى الآن، لا يزال التأثير المباشر لموقف الحوثيين في هذا الشأن محدودًا؛ فما يُلحظ من ميول لخفض العنف تجاه غزة، ليس سوى مراوغة؛ إذ لا يزال نصف الأسرى الإسرائيليين، جرَّاء عملية طوفان الأقصى، في قبضة حماس، ولا تزال قدرات حماس العسكرية، وبناها ومواردها اللوجستية، تشكل تهديدًا جديًّا لإسرائيل(19).
التداعيات العسكرية
رغم تصاعد هجمات الحوثيين باتجاه ميناء إيلات، والسفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، إلا أنَّ إسرائيل لم تقُم بأي عمل عسكري تردُّ به على الحوثيين، واكتفت بإطلاق التحذيرات من مغبَّة الاستمرار في ذلك، ودعوة دولها الصديقة إلى العمل على وقف تهديدات الحوثيين(20). ويبدو أن هذا الرد سيكون مؤجلًا، وبالطرق والوسائل والزمان الذي تريده إسرائيل، ومتى ما اقتضى الأمر ذلك؛ حيث لا تزال الآن غارقة في مستنقع غزة الذي تعانيه بشدة، لما لحق بالجيش الإسرائيلي من خسائر مادية وبشرية ونفسية.
على صعيد التأثير العسكري لهجمات الحوثيين، فإنها لم تحقق أثرًا عسكريًّا مباشرًا، يحدُّ من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وإن كانت الجهود السياسية ماضية في تحقيق ذلك. وإنَّ ما يمكن تقديره من أثر عسكري مباشر، أن الهجمات التي استهدفت منطقة إيلات، استنزف اعتراضها جهودًا ووسائل دفاعية مكلفة، ومثال ذلك أن كلفة الصاروخ الاعتراضي “أرو- 2 ، وأرو- 3″، في منظومة “آرو-3″، تبلغ نحو 1.5 إلى 2 مليون دولار أميركي(21). ولا نغفل في هذا الشأن، أن استمرار تعرُّض ميناء إيلات لهجمات الحوثيين، يُضعف عائداته ووارداته القادمة من الشرق، والتي يُوظَّف جانبٌ منها في دعم اقتصاد الحرب، والعمليات اللوجستية للقوات المنخرطة في الحرب على غزة.
في اتجاه آخر، لم تشهد منطقة جنوبي البحر الأحمر عسكرة دولية مثلما تشهده اليوم، إلى جانب القواعد العسكرية الأجنبية الثابتة في بعض من دولها. فقد أرسلت الولايات المتحدة سُفنًا حربية متطورة لتعمل ضمن مسرح عمليات الأسطول الخامس الذي يدخل في نطاقه البحر الأحمر وخليج عدن، ومن هذه السفن المدمرة “يو إس إس كارني”، والمدمرة “يو إس إس ماسون”. ويُعَد هذا التوجه مدخلًا خطيرًا لتعزيز الوجود العسكري الأميركي السابق في المنطقة، ومن ذلك القواعد الأميركية في جيبوتي، والصومال. ومحطة التحكُّم والاتصال الأرضية الموجودة في جزيرة سيشل، والتي تربط بين القواعد الأميركية في المحيط الهندي وخارجه، بما فيها قيادة الأسطول الخامس الأميركي في المنامة، وتراقب المحطة كذلك، الأقمار الاصطناعية المتخصصة في الاتصالات الفضائية(22).
التداعيات الأمنية
أدَّت عمليات الحوثيين تجاه السفن، إلى استئناف القراصنة الصوماليين نشاطهم قبالة إقليم بونت لاند الصومالي، شمال شرقي البلاد، وظهرت وقائع لمثل هذا النشاط، والسطو المسلح على السفن؛ حيث مثَّل النشاط التهديدي البحري للحوثيين، جنوبي البحر الأحمر، غطاءً لهذه المناشط، وقد تكون وثيقة الصلة بالحوثيين، أو ردًّا، غير معلن، على العدوان الإسرائيلي على غزة. فقد حاولت مجموعة مسلحة اختطاف السفينة “سنترال بارك”، في خليج عدن، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلا أن سفينة تابعة للقيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، أحبطت ذلك، وألقت القبض عليهم، ولم يُفصَح بعد عن نتائج التحقيق. وفي 14 ديسمبر/ كانون الأول 2023، اختطف قراصنة صوماليون سفينة البضائع السائبة “روين”، في موقع يبعد نحو 400 ميل بحري شرقي جزيرة سقطرى، ثم قاموا باقتيادها مع 17 بحارًا إلى قبالة ساحل بونتلاند(23).
إزاء ذلك، أعلنت الولايات المتحدة، أواسط ديسمبر/كانون الأول 2023، إنشاء التحالف الأمني البحري الموصوف بـ”حارس الازدهار” الذي ضمَّ دولة 12 دولة، من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والبحرين وسيشل. وبالنسبة إلى مشاركة الدولتين الأخيرتين، رغم صغرهما، فيمكن أن يُعزى ذلك إلى أن البحرين تقع فيها قيادة الأسطول الخامس الأميركي، وأن سيشل توجد فيها محطة أميركية للتحكم في الاتصالات الدولية، والقواعد العسكرية الأميركية في المحيط الهندي والأقاليم المحيطة به.
إن تزاحم ترسانة هذه القوات، من شأنه التأثير سلبيًّا في أمن المنطقة، لاسيما أن من بين أهدافه قطع الطريق على تطلعات إيران البحرية، بعدما باتت حاضرة بالوكالة، عبر الحوثيين، وتُصرُّ على لسان عدد من قادتها السياسيين والعسكريين، على أن البحر الأحمر جزء لا يتجزأ من مجالها البحري. وحذر مساعد قائد الحرس الثوري، محمد رضا نقدي، بأن مضائق بحرية يمكن أن تُغلق(24). وهذا القول إنما يشير إلى إمكانياتها في استغلال جماعات العنف المسلحة وإمدادها بالطائرات غير المأهولة الانتحارية التي باتت أخطر سلاح في الوقت الراهن.
التداعيات الاقتصادية
لا تزال التداعيات الاقتصادية على دول إقليم البحر الأحمر في الحدود الدنيا لها لكنها ربما تزداد سوءًا إذا ما توسع العنف بين الحوثيين والقوى الدولية والإقليمية المناوئة لهم. وتأتي هذه التداعيات في ظل ما يواجهه الاقتصاد العالمي من تحديات جرَّاء الحرب الروسية-الأوكرانية، والآثار السيئة المتبقية من جائحة كورونا “كوفيد 19”. فحتى الآن لا يزال الحوثيون يتعاملون مع السفن التجارية بانتقائية؛ حيث يركِّزون على السفن ذات الصلة بالحكومة الإسرائيلية. لذلك، فإنه، ما عدا إسرائيل ومصر، لم تتأثر كثيرًا دول الإقليم، بما فيها موانئ الحديدة التابعة للحوثيين أنفسهم، وفقًا لبياناتها المعروضة(25).
في مصر، كشفت رئاسة هيئة قناة السويس، عن تحوِّل السفن التجارية إلى طريق رأس الرجاء الصالح، غربي إفريقيا، بدلًا من المرور عبر القناة، وأنَّ نحو 55 سفينة تجارية لجأت إلى ذلك منذ واقعة اختطاف السفينة غالاكسي ليدر، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني(26). وسيتضاعف هذا العدد إذا لم يحدث تحول في قرار أزيد من عشر شركات دولية في مجال الشحن البحري، إيقاف عبور سفنها في البحر الأحمر، والتي كان من أبرزها: شركة ميرسك الدنماركية، وشركة سي إم إيه-سي جي الفرنسية، وشركة بريتش بتروليوم البريطانية، وشركة هاباج لويد الألمانية، وشركة يانغ مينغ التايوانية، وشركة أورينت أوفرسيز كونتينر لاين في هونغ كونغ(27). وهناك ما يشير إلى تراجع شركة ميرسك عن قرارها، لكن سفنها التي يرتبط نشاطها بموانئ إسرائيل، لن تكون ضمن هذا التراجع.
بطبيعة الحال، فإن التحول باتجاه رأس الرجاء الصالح، سيضاعف من التداعيات الاقتصادية السيئة على قناة السويس، وموانئ دول البحر الأحمر، حتى وإن كان ذلك مؤقتًا. أمَّا ميناء إيلات فقد تراجع نشاطه بنسبة 85%(28). ولأن تهديد الحوثيين تجاهه سيظل قائمًا، إذا ما استمر عدوان إسرائيل على غزَّة، وفقًا لما يصرح به الحوثيون، فإن الخسائر المتعلقة بنشاط هذا الميناء ستتضاعف؛ ليس لتراجع تدفق السفن إليه فحسب، بل واستمرار تعرُّضه للهجمات، وتطلُّب وصول السفن القادمة إليه من شرق آسيا، سلوك مساراتٍ بعيدة خارج البحر الأحمر، عبر البحر الأبيض المتوسط، بعبور جبل طارق، ثم قناة السويس وصولًا إلى ميناء إيلات.
رابعًا: حدود الاستجابات الإسرائيلية والأميركية للتصعيد
لا تزال الاستجابات الإسرائيلية والأميركية تجاه تصعيد الحوثيين، دون مستوى التهديدات الناشئة عنهم، وهذا الوضع يفتح المجال أمام سيناريوهات مختلفة للاستجابات العنيفة، لكن ذلك قد يكون مؤشرًا على تلاشي الأزمة قريبًا. وحدود الاستجابات هذه منها ما لُمس واقعيًّا، ومنها ما يُتَوقع حدوثه.
تدابير الدفاع والردع ما دون المواجهة
في سياق الاستجابة الدفاعية الاعتراضية لهجمات الحوثيين، خلال ثلاثة الأشهر الأخيرة من عام 2023، اعترضت سفن القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، العديد من الصواريخ والطائرات غير المأهولة، الموجهة نحو إسرائيل والسفن التجارية، عبر قِطَعها البحرية المنتشرة في البحر الأحمر وخليج عدن. وكان مبررها في ذلك، الدفاع عن النفس، وحماية أمن وسلامة الملاحة البحرية. وقد أشارت القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، التي تقع المنطقة ضمن مسرح عملياتها، إلى أنها استطاعت احتواء العديد من تهديدات الحوثيين، ومن ذلك إسقاط معظم القذائف الموجهة نحو السفن، وإحباط عمليات القرصنة إزاءها، وإلقاء القبض على عدد من القراصنة، وتحرير سفينة محتجزة.
المواجهة المتوقعة (سيناريوهات)
في ضوء الظروف المرتبطة بتصعيد الحوثيين، محليًّا وخارجيًّا، وسياسات القوى العظمي تجاه البحر الأحمر وخليج عدن، يمكن تصور خيارات الرد ضمن السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: الثبات على مسلك الدفاع المنخفض
يضع هذا المسلك أولوية للتعامل المتريِّث مع هجمات الحوثيين، من خلال اعتراضها دفاعيًّا، لكونها ذات طابع ظرفي مؤقت، وستزول بمجرد تقدم العملية السياسية في اليمن، وعودة الاستقرار النسبي إلى غزة، وهذا ما يجري العمل لأجله. وهذا المسلك يكافئ حجم تأثير التهديد، قياسًا مع حجم نتائج أي مسلك عنيف فوق هذا المستوى. ويمكن أن يليه، بمراحل، فرض عقوبات على هيئات أو عناصر قيادية في جماعة الحوثي، لارتباطها مباشرة بالهجمات، وهذا ما دأبت عليه الولايات المتحدة منذ سبع سنوات وفي ظروف قريبة من التهديدات الراهنة.
يُعَد هذا السيناريو أقرب التصورات على المدى المتوسط الأقرب.
السيناريو الثاني: مسلك الدفاع الجماعي
يعتمد هذا المسلك على التحالف البحري الذي بدأت الولايات المتحدة بتشكيله، ليعمل في إطار عملية أو مهمة مؤقتة، قصيرة أو طويلة، على نمط عمليات مكافحة القرصنة الصومالية، خلال العشرية الأولى من هذا القرن، مثل عملية “درع المحيط” التي نفذتها قوات من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعملية “أتلانتك” التي نفذتها قوات من الاتحاد الأوروبي؛ حيث يمكن لسفن هذا التحالف مرافقة السفن التجارية والدفاع عنها بمختلف الوسائل، المناسبة والممكنة، وذلك بعد تنظيم سيرها على هيئة قوافل، في خليج عدن والبحر الأحمر. وهذا الإجراء ليس لحمايتها من الحوثيين فحسب، بل ومن أيِّ تهديد غير تقليدي قد ينشأ بفعل تطور العنف في السودان، وأيِّ تحولات عنيفة في اليمن وغزة.
يعد هذا السيناريو خيارًا مؤقتًا، لكنه أطول أمدًا من السيناريو الثاني، وأقل منه، في الأعباء، التي على الولايات المتحدة تحملها. ويؤيد ذلك سياسة العصا والجزرة التي تسلكها الولايات المتحدة مع الحوثيين؛ ففي الوقت الذي تشكل فيه تحالفًا لحماية الملاحة البحرية، فتحت باب التفاوض مع الحوثيين في عُمان.
السيناريو الثالث: مسلك الدفاع فوق العنيف
يتمثل هذا المسلك في العمل العسكري الدفاعي العنيف، من بُعد، أي: دون التوغل البري. وذلك بالاستهداف المُدمِّر لمجموعة من البنى والهياكل، والعناصر المنخرطة في التصعيد، داخل جماعة الحوثي، وتعزيز ذلك بفرض عقوبات على هيئات وعناصر أخرى تابعة لها، أو متحالفة أو مرتبطة معها بمناشط ذات صلة بالتصعيد. ويتحقق هذا المسلك بتزايد الشعور بأنَّ جماعة الحوثي باتت مصدر خطر على المصالح الغربية والأميركية، وأنَّ هذا الخطر تجاوز ثمن الإبقاء عليه، ومن ذلك توظيف الجماعة في قمع تنظيمي القاعدة وداعش.
يعتمد هذا السيناريو على استمرار الوضع المأزوم في اليمن وغزة، وبقاء النشاط التهديدي للحوثيين على حالته، في اتجاه إسرائيل، أو في اتجاه جنوبي البحر الأحمر وخليج عدن، وتعاظم الدور الإيراني، أو الدخول مع إيران في مواجهة عنيفة فوق جغرافيتها وبحرها الإقليمي. لكن هذا السيناريو غير وارد على المدى الأقرب؛ لأن ظروف توافره شحيحة.
خاتمة
لا يزال تصعيد الحوثيين تجاه إسرائيل ومصالحها في البحر الأحمر، باعثًا للقلق، رغم خفوته في الأسبوع الأخير من العام 2023. وفي هذا الصدد ناقشت الورقة التصعيد من زواياه المهمة، وكشفت عن أن مناخاته الداخلية، مثَّلت أقوى دافع من المناخات الخارجية. فتوقُّف الحرب وجمود العملية السياسية أفقد الحوثيين حالة الاندفاع في الجغرافيا الغنية بالنفط والثروات، طرف الحكومة، وبات الحوثيون في وضع تهديدي داخلي قابل للانفجار.
وقد كان عدوان إسرائيل على غزة، فرصة لإعادة الأمور إلى نصابها. ولعلَّ ضَعْف التداعيات المحفزِّة للرد على تهديدات الحوثيين، أوضح مؤشر على ذلك، ومثَّلت التداعيات السياسية دليلًا آخر على هذا المذهب. أما مستقبل التصعيد فقد ينفتح على ثلاثة سيناريوهات يتخللها العنف الدفاعي، وأقرب تصوُّر أن تسيطر الترتيبات الأمنية الدفاعية في البحر الأحمر على الوضع، ويتراجع التصعيد إلى العدم، بشرط استئناف العملية السياسية في اليمن، وتراجع العدوان الإسرائيلي في غزة.