تحت عنوان: “استراتيجية إسرائيل الانتحارية”، اعتبر الكاتب في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية رينو جيرار، في عمود رأيه، أن تكرار الحكومة الإسرائيلية أن فلسطينيي غزة رهائن لدى حماس وأن الحركة لم تكلف نفسها عناء التشاور بشكل ديمقراطي مع سكان القطاع لا يبرر تدمير البنية التحتية والمباني السكنية بشكل مُمنهج في هذه الأرض التي تبلغ مساحتها 365 كيلومترا مربعا، والتي يسكنها مليونا فلسطيني، والتي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
وطرح رينو جيرار مجموعة الأسئلة التالية: ألا يُبالغ الجيش الإسرائيلي في تكتيك نقل المخاطر؟ ألا تشعر إسرائيل بالحرج من حجم الأضرار الجانبية التي ترتكبها في ملاحقتها لمقاتلي حماس؟ فهل من المشروع تدمير مائة منزل لمجرد أننا نلاحق مقاتلاً من حماس، ولا سيما أنه علاوة على ذلك، فرصتنا ضئيلة في القبض عليه؟
وتابع الكاتب القول إن الأضرار البشرية والمادية كبيرة للغاية في غزة، وأصبحت حياة السكان الفلسطينيين محفوفة بالمخاطر – ليس لديهم مكان يذهبون إليه. فبعد الفشل الأمني الذريع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، سمحت الحكومة الإسرائيلية، المحبطة سياسيا، لنفسها بإنزال عقاب جماعي بالفلسطينيين.
لكن متى نجح العقاب الجماعي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية؟ ومتى نجح في تحسين وضع السكان المعنيين، بما في ذلك أولئك الذين يرتكبونه والذين يعانون منه؟ يتساءل رينو جيرار.
واعتبر الكاتب أن من بين الأهداف الثلاثة التي حددها بنيامين نتنياهو في 25 من ديسمبر/ كانون الأول عام 2023 ضمن مقال نشرته صحيفة ”وول ستريت جورنال”، وهي: “تدمير حماس وتجريد قطاع غزة من السلاح واستئصال التطرف بين سكان غزة”؛ فإنه يتبين بعد فحص دقيق أن الهدف الثاني (تجريد قطاع غزة من السلاح) هو الذي يمكن تحقيقه من الناحية الواقعية. فالجيش الإسرائيلي قادرٌ عسكرياً بالفعل على تحويل قطاع غزة إلى حقل من الخراب، وجعله منطقة منزوعة السلاح فعلياً لفترة من الوقت على الأقل، وفق رينو جيرار.
ومن ناحية أخرى، أكد الكاتب على أن إطالة أمد الحرب – دون محادثات أو تأملات سياسية حول مستقبل القضية الفلسطينية – قد تزيد من شعبية حركة حماس بين السكان الفلسطينيين وجميع الدول الإسلامية، موضحاً أن حماس تجسد إيديولوجية، والقنابل عاجزة في مواجهتها. كما أن ذلك يعزز من الرغبة في الانتقام لدى آلاف الأيتام الذين مات آباؤهم تحت الأنقاض جراء قصف الجيش الإسرائيلي.
وذهب وزير المالية الإسرائيلي إلى أبعد من رئيس حكومته، حيث دعا بتسلئيل سموتريتش، في مقابلة مع الإذاعة العسكرية الإسرائيلية في 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، سكان غزة إلى الهجرة إلى الخارج وتحدث عن عودة المستوطنين الإسرائيليين وعن أنه لن يكون هناك سوى “مائة ألف أو مائتي ألف عربي في القطاع”.
وأكد الكاتب: “لتكن لنا الجرأة على القول إن صهيونية الغزو هذه تعدّ انتحارية لإسرائيل وللغرب الذي يدعمها. فالأمن الحقيقي للدولة هو عندما تنسجم بشكل جيد مع جميع جيرانها. ومع ذلك، فإن مثل هذه الإستراتيجية المتمثلة في الطرد القسري لأحفاد السكان الذين عاشوا لعدة قرون في فلسطين لديها فرصة ضئيلة للغاية لقبولها من قبل جيران إسرائيل، سواء القريبين أو البعيدين. فهذه هي الوصفة المثالية للحرب الأبدية.. وحتى الولايات المتحدة قد تتعب يوماً ما من غطرسة اليمين الإسرائيلي الذي يحرم الفلسطينيين من حقيقة تشكيل أمة”.
وشدد على أن “إطالة أمد هذه الحرب يعد بمثابة انتحار بالنسبة للغرب، لأنه يقدم لفلاديمير بوتين على طبق من فضة هدية مزدوجة: الدليل اليومي على ازدواجية المعايير في الدروس الأخلاقية الغربية؛ ونتيجة لهذه الهدية، حشد “جنوب العالم” بحكم الأمر الواقع للمحور الاستبدادي بين روسيا وإيران والصين”.