المتتبع لتناولات الإعلام البريطاني والأمريكي للعملية التي شهدها جنوب البحر الأحمر، الأحد، بين قوات جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) والبحرية الأمريكية، والتي سقط فيها 10 من منتسبي الجماعة، سيلاحظ أن ثمة نوايا (مترددة أمريكيًا متقدمة بريطانيا) لإنشاء تحالف داخل التحالف مهمته تنفيذ عمليات جوية ضد أهداف للحوثيين في البحر وداخل اليمن؛ وهو ما تحدث عنه صراحة وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس، في مقال بصحيفة تلغراف.
فيما قالت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها، الأحد، بهذا الشأن “يشكل الحادث الآن خيارًا صعبًا بالنسبة للسيد بايدن وإدارته. قال مسؤولون كبار إنه يتعين عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيضربون مواقع الحوثيين للصواريخ والطائرات بدون طيار في اليمن، أو ينتظرون ليروا ما إذا كان الحوثيون سيتراجعون بعد غرق ثلاثة من زوارقهم السريعة ومقتل مقاتليهم”.
وقالت صحيفة تلغراف البريطانية، الأحد، إن الحكومة “تفكر في توجيه ضربة جوية لجماعة الحوثي اليمنية الموالية لإيران، في ظل التهديدات التي تمثلها لحركة الملاحة جنوبي البحر الأحمر”.
وقال وزير الدفاع البريطاني إن الحكومة “لن تتردد في اتخاذ إجراء مباشر” لمنع أي هجمات أخرى.
في ذات السياق أكدت تلغراف أن “المملكة المتحدة والولايات المتحدة تجهزان بيانا مشتركا لتوجيه تحذير أخير للحوثيين”.
يأتي ذلك بعد إعلان الولايات المتحدة إغراق 3 زوارق حوثية إثر محاولة من على متنها الاستيلاء على إحدى السفن جنوبي البحر الأحمر.
وفي تعليقهم على ذلك، حمّل الحوثيون الولايات المتحدة مسؤولية وتبعات ما حصل في البحر الأحمر أمس الأحد.
وتبنت الجماعة استهداف سفينة حاويات “ميرسك هانغتشو”، التي قالوا إنها كانت متجهة لموانئ إسرائيلية. وأكدت استمرار عملياتها في منع عبور السفن الإسرائيلية أو التي تتجه إلى الموانئ الإسرائيلية في سياق ما اعتبرته الجماعة الدعم المستمر للفلسطينيين في قطاع غزة.
نبرة تهديد
كما ارتفعت نبرة التهديد فيما صدر عن قيادات الجماعة في منصات التواصل الاجتماعي.
وقال نائب وزير الخارجية في حكومة الجماعة، حسين العزي، في تدوينة على منصة إكس: “حتى لا تخونكم الذاكرة في المستقبل: أمريكا (وليس صنعاء) هي من بدأت القتل وسفكت الدم، وأعتقد كل سكان الكرة الأرضية الآن يعرفون هذه الحقيقة بشكل جيد. إن كل ما نرجوه هو عدم نسيان هذه الحقيقة فقط لا غير “.
فيما قال عضو المكتب السياسي للجماعة، محمد البخيتي:” رغم أننا قمنا بواجبنا الديني والاخلاقي والانساني تجاه إخواننا الفلسطينيين إلا اننا كنا نشعر بالخجل ونحن نشاهد شهداء فلسطين خصوصًا من النساء والأطفال، ولكن بعد أن اختلطت دماؤنا اليوم بدمائهم فإن هذا خفف عنا كثيرًا و(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)”.
ينضح من تلك التدوينات أن الرد على ما حصل أمس بات واردًا، ومن خلال تتبع علاقة الحوثيين برد الفعل؛ سيجد المراقب أنهم لا ينسون ثأرهم، ولا يفوتون فرصة الرد؛ وهو أمر لو حصل سيزيد من تعقيد الأوضاع؛ لأن ما شهده البحر الأحمر، الأحد، يمثل أول مواجهة مباشرة بين الطرفين في البحر؛ لن تمر دون تداعيات؛ وهي التداعيات التي بدأت تطل برأسها.
هذه المواجهة قرأها الأمريكيون بأنها جاءت في سياق “الدفاع عن النفس”؛ وهو مبرر يرفضه بعض المراقبين بالنظر للرواية الحوثية التي لم تتطرق إلى أن زوارق الجماعة أطلقت النيران على المروحيات.
ماذا بعد؟
السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا بعد، وهل التهديدات التي أطلقها البريطانيون والأمريكيون تمثل محاولة “لا أكثر” لردع الحوثيين لتجنب الرد؟ لأن الرد في حال حصل فسيكون له رد فعل؛ وبالتالي تكون الحرب قد اندلعت بشكل رسمي في جنوب البحر الأحمر.
بات الوضع حاليًا أكثر تعقيدًا، لاسيما وأن التصريحات البريطانية بتنفيذ ضربات جوية ضد الحوثيين كانت واضحة، بل إن صحيفة التايمز تحدثت عن تحالف بريطاني- أمريكي، وربما مع دولة أوروبية أخرى لم تسمها، لإطلاق وابل من الصواريخ على أهداف مخطط لها مسبقًا للحوثيين إما في البحر أو داخل اليمن. وقالت إن الضربات ستنفذها بريطانيا للمرة الأولى من خلال سلاح الجو البريطاني أو من خلال المدمرة البريطانية HMS Diamond.
على الرغم من ذلك ما زال الأمريكيون مترددين في الحديث عن ذلك صراحة، و يظهر التردد من خلال ما صدر عن بعض قياداتهم؛ إذ يعرفون أن ذلك يمثل توسيعًا لدائرة حرب غزة؛ وهو ما لا يريدونه، علاوة على مطالب السعودية الخاصة بهذا الجانب.
إلا أن تصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، الأحد، حمل نبرة تهديد، وفي نفس الوقت نبرة رفض فيها توسيع الصراع في المنطقة، إذ قال إن الولايات المتحدة ستواصل التصرف دفاعًا عن نفسها. وأضاف لشبكة ABC: “لا نسعى إلى صراع أوسع في المنطقة، ولا نسعى إلى صراع مع الحوثيين”. وأضاف أن “أفضل نتيجة هنا هي أن يوقف الحوثيون هذه الهجمات، كما أوضحنا مرارًا وتكرارا “.
وقال البيت الأبيض، الأحد، إنه لا يسعى إلى صراع أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط.
ثمة رغبة بريطانية لتوجيه ضربة للحوثيين، إلا أن الأمريكيين ليسوا واضحين في هذا الأمر بقدر الوضوح البريطاني
ما يمكن فهمه مما صدر عن الأمريكيين والبريطانيين أن ثمة رغبة بريطانية لتوجيه ضربة للحوثيين، إلا أن الأمريكيين ليسوا واضحين في هذا الأمر بقدر الوضوح البريطاني؛ وهذا في ذات الوقت لا يلغي أن ثمة تنسيقا مشتركا بينهما في هذا الشأن؛ لأنهم يعرفون أن ما بعد إغراق زوارق حوثية سيكون تصعيدًا حوثيًا؛ وهذا التصعيد سيضع تحالف “حارس الازدهار” في مأزق؛ لأن معظم من تبقى من أعضائه يرفضون أن يكون تحالف حرب؛ وبالتالي فلا بد من إنشاء تحالف داخل تحالف؛ والمتمثل في تحالف أمريكي بريطاني مع دولة أوروبية، يُرجح أن تكون فرنسا، لتوجيه ضربات ضد الحوثيين؛ كما أن واشنطن كعادتها لا تخوض حروبها خارج حدودها إلا من خلال تحالفات، كما حصل في العراق وأفغانستان وغيرهما، إلا أن تأسيس تحالف لاستهداف الحوثيين سيكون توسيعًا للصراع بلا شك؛ وهذا يجعلها بالإضافة إلى المطالب السعودية أكثر ترددًا من غيرها في قطع خطوة للأمام في هذا الجانب.
ووفق مراقبين، فإن نتائج الحرب المفترضة ستكون أكثر سلبية على المستوى الشعبي العربي والإسلامي في ظل القمة العربية والإسلامية تجاه موقف الغرب من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة.
الصعيد العسكري
على الصعيد العسكري، يمكن القول إن الحوثيين خاضوا حروبًا عديدة آخرها ضد التحالف العربي بقيادة السعودية، وأصبحوا يمتلكون خبرات متراكمة في إدارة الحرب، وكيفية امتصاص تأثيراتها على قدراتهم؛ وبالتالي فإن الحرب المفترضة مع التحالف الجديد لن تنحصر في توجيه ضربات لأهداف محددة، بل سيكون هناك رد ربما يكون في مستواه مفاجئا للمتابعين؛ لأن الحوثيين يعملون باستمرار على تطوير قدراتهم؛ وبخاصة فيما يتعلق بقدراتهم الصاروخية، وعلى الرغم من أنها تمثل قدرات تقليدية بالنظر للسلاح الذي يمتلكه الطرف الآخر، إلا أن هذا النوع من الأسلحة ما زال له قدرة على تحويل كفة المعركة لصالحه.
الكاتب الصحافي والباحث الأمريكي، مايكل هورتون، وهو باحث في مؤسسة جيمس تاون قال: “في حين أن التكاليف العالمية لهجمات الحوثيين على الشحن البحري تتزايد بشكل مطرد، فإن الهجمات تحقق مكاسب سياسية وحتى استراتيجية كبيرة للحوثيين، الذين يبدو أنهم ينتصرون على جبهة العلاقات العامة داخل اليمن وخارجه. وفي اليمن، ازداد الدعم للحوثيين، حتى بين بعض الأعداء”.
وقال في تقرير نشرته مجلة ريسبونسبل ستاتكرافت الأمريكية، الأسبوع الماضي: “إن الحوثيين يتمتعون بقدرة قوية على الصمود والقدرة على التكيف. لقد أدى ما يقرب من عقدين من الحرب إلى شحذ القدرات القتالية للحوثيين”.
مايكل هورتون: تحقق الهجمات مكاسب سياسية واستراتيجية كبيرة للحوثيين، الذين يبدو أنهم ينتصرون على جبهة العلاقات العامة داخل اليمن وخارجه، إذ ازداد الدعم لهم حتى بين بعض الأعداء
وذكر التقرير: “أن الحوثيين لم يستخدموا طائراتهم بدون طيار وصواريخهم الأكثر تطوراً بعيدة المدى. كما يمتلك الحوثيون أعداداً كبيرة من الألغام البحرية، بما في ذلك الألغام النفوذية التي يصعب اكتشافها”.
وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن سفينة الحاويات “ميرسك هانغتشو” تعرضت لقصف صاروخي أثناء إبحارها جنوب البحر الأحمر بعد ظهر السبت. وبث طاقم السفينة نداءات استغاثة وطلب مساعدة. وجاءت ثلاث سفن تابعة للبحرية الأمريكية للإنقاذ، واعترضت المدمرة “جريفلي” صاروخين باليستيين آخرين.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن كبار قادة البنتاغون يضغطون من أجل اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية ضد الوكلاء الإيرانيين الذين يهاجمون القوات الأمريكية، بما في ذلك في سوريا والعراق. وفي الأسبوع الماضي، ضربت الولايات المتحدة قاعدة في العراق تستخدمها كتائب حزب الله بعد هجوم أدى إلى إصابة ثلاثة جنود أمريكيين، وترك أحدهم في حالة حرجة.
نيويورك تايمز: الحذر الأمريكي تجاه الحوثيين مدفوع باعتبارات عديدة، أهمها هو أن المملكة العربية السعودية تريد تجاوز حربها المكلفة في اليمن
وأضاف تقرير للصحيفة: لكن يبدو أن المشكلة الأكثر إلحاحا تكمن في البحر الأحمر، حيث أطلق الحوثيون العشرات من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار ضد السفن التجارية ردًا على حرب إسرائيل ضد جماعة أخرى مدعومة من إيران، حماس، على حد تعبير الصحيفة.
وبينما قصفت القوات الأمريكية مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار في سوريا والعراق، كان بايدن – حسب الصحيفة – مترددًا في إصدار الأمر نفسه ضد قواعد الحوثيين في اليمن، “هذا الحذر مدفوع باعتبارات عديدة، لكن أهمها هو أن المملكة العربية السعودية تريد تجاوز حربها المكلفة في اليمن”.