في أول أسبوع من العام الجديد تصاعدت التحليلات في واشنطن حول ما ستؤول إليه الأوضاع في 2024 جنوب البحر الأحمر، لا سيما بعد التصعيد الحوثي ضد السفن التجارية الداخلة عبر مضيق باب المندب أو الآتية من قناة السويس.
أدت الهجمات التي شنتها ميليشيات أنصار الله “اليمنية – الإيرانية” ضد السفن الإسرائيلية أولاً، وبعدها الدولية والأميركية، إلى شل جزئي للملاحة الدولية التجارية، مما خلق جواً من القلق العميق في العواصم الغربية بدأ من واشنطن، في ظل تصاعد العمليات التي أدت إلى قطع الشريان الحيوي العالمي، واحتمال دخول إيران إلى منطقة البحر الأحمر وإقامة قواعد بحرية من ساحل القرن الأفريقي إلى الساحل الغربي اليمني.
والقلق الأكبر في الغرب يكمن في الخوف من استدراج حلف الناتو إلى حرب ضروس عبر البحر الأحمر وبحر العرب، ويتحكم بباب المندب الاستراتيجي. إذاً نبدأ باستعراض السيناريوهات التي نسمع عنها في واشنطن، من الأبسط إلى الأكثر تعقيداً، من الاحتمالات المعتدلة إلى نار الحرب الشاملة، فكل السيناريوهات ممكنة، وكل القيادات تتهيأ لشيء ما. فماذا يا ترى سيفتح باب المندب إذا طرقته أيد قوية؟
سيناريو التهدئة
أحد الاحتمالات إذا توصلت أميركا وإيران إلى تسوية ربع الساعة الأخير، ماذا يعني ذلك؟ هذا السيناريو قد ينجم عن التوصل إلى تفاهم فك الاشتباك بين واشنطن وطهران حول الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر، لكن لماذا تقبل الإدارة بتفاهم كهذا؟ الجواب منطقي، لأن إدارة الرئيس جو بايدن المنهمكة بالتوصل إلى توقيع جديد على الاتفاق النووي، أو على اتفاقات فرعية لتنفيذ الاتفاق الأكبر مع طهران، من دون توقيعه مباشرة، ستسعى بكل جهدها إلى أن تصل إلى التفاهم، حتى ولو حشدت قواتها البحرية في جنوب البحر الأحمر استعداداً للمواجهة.
وإذ حصل سيناريو كهذا، بالطبع سيرتاح العالم ويتنفس الصعداء، وتعود الملاحة الدولية إلى عبور باب المندب من جديد، ولكن واقعاً جديداً سينشأ وليس بما يطمئن الناس، لأن الشرط الإيراني الأساس سيكون بتشريع القوات الحوثية كجيش شرعي معترف به، ومحاولة إيرانية لفرض وجود “مشترك” في باب المندب للبحريات الإيرانية والحوثية ربما “مداخيل” تجارة إضافية. وإن حصل ذلك، فسيوفر للجمهورية الإسلامية تقدماً كبيراً في المنطقة وسيبقي لطهران القدرة على إعادة الكرة مرة جديدة، أي حل “تضميدي” لمرض مزمن.
سيناريو المواجهة
أما هذا السيناريو فيحوي خطتين، الأولى تقضي بالرد العسكري على أي هجوم تكتيكي حوثي – إيراني كان على القطع البحرية الأميركية والأطلسية والدولية، أم السفن التجارية، ولكن من دون إطلاق حملة استراتيجية ضد القواعد العسكرية داخل اليمن الغربي.
وبالفعل هذا السيناريو “الدفاعي” سيسمح للتحالف البحري بتقليم الأظافر الهجومية الحوثية أو الإيرانية، كما حصل في الأيام الماضية، حين أطلقت زوارق حوثية سريعة النار باتجاه أهداف عسكرية أميركية، فردت المنصات الأميركية ودمرت فوراً ثلاثة زوارق، وقتلت طواقمها، بينما هربت الزوارق الأخرى.
إلا أن مثل هذه الخطة لن تذهب أكثر من ذلك، أي أن تقيم خطاً دفاعياً حول السفن، وليس خطاً هجومياً ضد القواعد، أما السيناريو الثاني فقد يسمح ليس فقط بالرد على المهاجمين، بل بإطلاق حملات صاروخية وطلعات جوية فوق “اليمن الحوثي” لضرب الماكينة العسكرية الاستراتيجية بكاملها.
أي خيار؟
إذا حصلت تسوية، تستمر البحرية الأميركية في البحر الأحمر لبعض الوقت، وتحصل إيران على تنازلات، لقاء فتح المرور أمام النقل التجاري العالمي، وهذا الخيار يفضله طبعاً اللوبي الإيراني في واشنطن، ويوصي به الفريق المفاوض مع طهران، ولكن إذا استمر الحوثيون على عنادهم في الهجوم سيضطر البيت الأبيض لأمر البنتاغون بالرد الدفاعي، وإن حصل ذلك سترد إيران استراتيجياً في البحر الأحمر، وترغم واشنطن على تدمير دفاعات ومنصات الحوثيين، ولكن طهران قد تتجه إلى التفاوض للحد من الخسائر، أو العكس تماماً، أي تفجير كل الجبهات بما فيها الخليج والعراق وسوريا وجنوب لبنان.
وهذا بالضبط ما يخشاه اللوبي الإيراني والقوة السياسية التي تحمي الاتفاق النووي. إذاً قرار السلم والحرب إيراني، في الأقل ممتد حتى عام من اليوم. فهل تلعب طهران لعبة الضغط الأقصى للاستفادة من آخر عام للإدارة الحالية، أم تتأنى لتتفادى رد الإدارة المقبلة المفترضة؟ سنرى.