الضربات الإسرائيلية في سورية: تحذير لإيران وكبت مليشياتها

الضربات الإسرائيلية في سورية: تحذير لإيران وكبت مليشياتها

شهدت سورية خلال عام 2023 عشرات الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عدة فيها، وطاولت بشكل رئيسي المليشيات التي تدعمها إيران المنتشرة إلى جانب قوات النظام السوري في جنوب وشرق ووسط البلاد.

وفي حين سجل العام الماضي تزايداً في الضربات الإسرائيلية التي طاولت الجغرافيا السورية، واكتفى النظام على أثرها بالشجب والتنديد والتهديد مع وقف التنفيذ والرد، فإن تلك الضربات لم تفض لتحجيم الوجود الإيراني في سورية، بل على العكس، لوحظ التمدد المطرد لمليشيات إيرانية لا سيما شرقي سورية وجنوبها. كما أخذت تلك المليشيات دورها كأوراق ضغط إيرانية بعد بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، إذ نفذت هجمات تستهدف الوجود الأميركي في البلاد.

وأصدر “مركز جسور للدراسات”، خريطة تحليلية حول الضربات الإسرائيلية في سورية خلال عام 2023، وكشفت الخريطة زيادة كبيرة في عدد الضربات الإسرائيلية مقارنة بالعامين 2022 و2021. إذ أشارت الخريطة التحليلية إلى أنه تم تسجيل 40 ضربة عام 2023 مقارنة مع 28 ضربة عام 2022 ومثلها عام 2021، وتنوعت الضربات عام 2023 بين القصف الجوي والقصف البحري والقصف البري، وقد طاولت بعض الضربات أكثر من محافظة في وقت واحد، واستهدفت بمجموعها 95 موقعاً ودمرت ما يقارب 297 هدفاً.

مركز “جسور” ضربت إسرائيل سورية 40 مرة في عام 2023 طاولت 297 هدفاً

ونوه المركز في تفصيل الخريطة إلى أن “هذه الزيادة ترتبط بتوسيع إيران أنشطتها الهادفة لتحويل سورية إلى قاعدة متقدّمة لعملياتها عبر الوكلاء ضد إسرائيل، التي تتعامل مع هذه المساعي منذ عام 2013 على أنها تهديد أمني، لكنها ما تزال تواجه صعوبة وضع حد فاصل بين الوقاية المطلوبة والتصعيد غير المرغوب”.

وتيرة الضربات الإسرائيلية
وأضاف المركز أن إسرائيل زادت من وتيرة ضرباتها في سورية بعد كارثة الزلزال (6 فبراير/شباط الماضي) والعدوان على غزة، إذ ارتفعت من 6 إلى 11 ضربة مقارنة بذات الفترة الزمنية بين عامي 2022 و2023. وجاء ذلك في ظل استغلال إيران تلك الظروف، وزادت عدد مواقعها العسكرية فوصلت إلى 570 نقطة وقاعدة أكثرها في الجنوب السوري.

كما وسّعت طهران من عمليات إمداد مليشياتها بالأسلحة عبر الطرق الجوية والبرية، وادّعت تزويدها قوات النظام السوري بمنظومة “خرداد 15” للدفاع الجوي، وأجرت مناورات عسكرية مشتركة مع قوات النظام تزامناً مع زيارة كبار مسؤوليها العسكريين إلى سورية، وأبرزهم قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” إسماعيل قاآني.

من تشييع موسوي في طهران، أمس (عطا كيناري/فرانس برس)
تقارير عربية
هل تصبح سورية ساحة مواجهة إيرانية إسرائيلية؟
وبحسب الخريطة، فإن “إسرائيل اعتمدت على طائرات أف 16 بشكل كبير مرتبط على ما يبدو بإعلان إيران تزويد قوات النظام بمنظومة الدفاع الجوي خرداد 15، أي أنها أخذت هذه المزاعم على محمل الجد، وكثّفت من عمليات المراقبة الجوية لأنشطة المليشيات الإيرانية.

وتؤمن طائرات أف 16 المزودة بمنظومة إلكترونية للدفاع قدرة عالية على تحديد الأهداف الميدانية في جميع الظروف الجوية، والطيران على ارتفاعات منخفضة لتفادي الرادارات الأرضية، ومهاجمة الأهداف الأرضية باستخدام صواريخ جو ـ أرض أو القنابل فضلاً عن إلحاق التدمير الجزئي أو الكلي بالأهداف”.

ووفق المركز، فإن استخدام إسرائيل لطائرات “أف 16” يدل على تراجع المخاطر والتهديدات المحتملة خلال تنفيذ الضربات الجوية، على خلاف ما تم تنفيذه عام 2022 بواسطة طائرات “أف 35” على أهداف للمليشيات الإيرانية في ريف دمشق ومصياف. كما استخدمت إسرائيل الطيران المسير في توجيه بعض عمليات المراقبة وتوجيه بعض الضربات وهو الأقل كلفة من باقي الخيارات، وفق المركز.

ونفذ الجيش الإسرائيلي عمليات توغل بري محدودة، لكن وبحسب “جسور”، فإن الضربات الجوية والتوغلات البرية المحدودة لم تؤد إلى تقويض أنشطة المليشيات الإيرانية في سورية، التي لجأت إلى تنفيذ هجمات متكررة انطلاقاً من سورية ضد الأهداف الإسرائيلي في الجولان المحتل بالاعتماد على الطيران المسيّر والقذائف الصاروخية والمدفعية.

ورغم أن إسرائيل تصدّت وأحبطت معظم تلك الهجمات، لكن استمرارها أشار إلى استخدامها الوحدات العسكرية التابعة للنظام مثل مطار الضبعة في حمص واللواء 12 في درعا لتصنيع وتخزين الأسلحة، لا سيما الطيران المسيّر من أجل استخدامها ضد إسرائيل.

رشيد حوراني: الضربات الإسرائيلية لن تؤثر على الانتشار الإيراني

وعن طبيعة المواقع والأهداف التي استهدفتها إسرائيل العام الماضي، فإن أكثر المواقع المستهدفة في دمشق وريفها ثم حلب، تليها القنيطرة والسويداء ودرعا وحمص، وأخيراً طرطوس ودير الزور وحماة. وطاولت مستودعات الأسلحة ومراكز التصنيع والتجميع وطرق الإمداد والنقل البري والجوي التي تستخدمها المليشيات الإيرانية وغيرها، لا سيما الاستهداف المتكرر لمطاري حلب ودمشق الدوليين اللذين تم قصفهما 12 مرة على الأقل، 5 منها لمطار حلب و7 لمطار دمشق. ويُشير هذا النوع من الضربات إلى تقدير إسرائيل لاستخدام إيران بشكل مكثّف للمطارات المدنية، بما تحتويه من عتاد لوجستي (خطوط الصيانة والمروحيات) في إنتاج وتطوير وتجميع الصواريخ ونشرها في سورية أو لبنان.

استهداف المستشارين الإيرانيين
كما استمرت تلك الضربات في 2023 باستهداف المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية من قادة وتقنيين، في حين لم تركز الضربات على استهداف قوات النظام السوري، باستثناء بعض المواقع والمنشآت التي يستخدمها الحرس الثوري في تخزين وتصنيع ونقل الأسلحة وعمليات التدريب، مثل اللواء 75 من الفرقة الأولى في جبل المانع في ريف دمشق، واللواء 106 حرس جمهوري، والفرقة الخامسة في تل الجموع.

وبحسب المركز فإن هذا النوع من الاستهداف يشير إلى أن النظام لم يعد يُشكّل بقواته التقليدية أي تهديد عسكري على إسرائيل، التي تستهدف الوحدات والمنشآت المستخدمة من قبل إيران.

وفي تعليق على الخريطة التحليلية التي شارك فيها، ورداً على سؤال “العربي الجديد” عن عدم استخدام النظام السوري أنظمة الدفاع الجوي روسية الصنع، لا سيما من طراز “إس 300” لصد الضربات، قال الباحث رشيد حوراني، إن “عدم مشاركة أنظمة الدفاع الجوي بكافة أصنافها في التصدي للضربات يكمن في أن كل هذه الأنظمة تخضع من حيث الاستخدام والتدريب والصيانة لمجموعة من الخبراء الروس المنتشرين على الأراضي السورية والموجودين في الهيئات القيادية لوحدات جيش النظام، وهذا حاصل حتى ما قبل 2011، ومهمتهم متابعة عمليات التدريب والصيانة واستخدام هذه الأسلحة”. وأوضح أن “90 في المائة من سلاح الدفاع الجوي لدى النظام من منشأ روسي”.

وحول ما إذا تلك الضربات توصف بالتكتيكية أم استراتيجية، أي أن أهدافها إنهاء الوجود الإيراني في بعض المواقع وصولاً إلى الإنهاء الكامل، أو أنها تأتي فقط كضربات تحذيرية، رأى حوراني أن “إيران عززت وجودها في سورية، والضربات الإسرائيلية لن تؤثر على هذا الانتشار والوجود في حال استمرت الضربات بذات الوتيرة، لأن إيران تعتمد على الخطوات التراكمية في بناء نفوذها”.

لكن حوراني أعرب عن اعتقاده بأن “الضربات الإسرائيلية بدأت تأخذ شكلاً مختلفاً بعد حرب غزة، باستهداف الشخصيات الفاعلة التي تحرك ما يعرف أدوات محور المقاومة الذي تدعمه إيران بهدف تفكيكها، ومنها استهداف القيادي البارز في الحرس الثوري رضي موسوي”.