شكلت عملية اغتيال نائب رئيس حركة حماس، التي نفذتها إسرائيل في الضاحية الجنوبية اللبنانية، نقطة محورية في الحرب الدائرة، مع الحديث عن توسع الحرب وتنحية جميع المحاولات السابقة لإقرار هدنة وحل سياسي بين جميع الأطراف.
ففي وقت سابق، توعد رونين بار، رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام (شاباك) بالقضاء على «حماس» «في كل مكان، في غزة، في الضفة الغربية، في لبنان، في تركيا، وفي قطر» مشبها ذلك بـ«عملية ميونيخ» التي قام فيها جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (موساد) بعمليات اغتيال لقيادات فلسطينية بزعم المشاركة في التخطيط لهجوم ميونيخ في أيلول/سبتمبر 1972. زعم بار حينها أن تلك الاغتيالات ستستغرق سنوات، ولكنّ عملية اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس «حماس» وسمير فندي وعزام الأقرع القائدين في «كتائب القسام» في بيروت، أول أمس، جرت بعد شهر فقط من ذلك التصريح.
وقد استحضر هذا الاغتيال وهو الأول من نوعه منذ حرب تموز/ يوليو عام 2006، فصولاً من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أرض لبنان، وعملية اغتيال القادة الفلسطينيين، كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار، في منطقة فردان عام 1973، ثم اغتيال أبو الحسن سلامة عام 1979. كما استحضر تجديداً للدعوات إلى الحياد الذي يشكل الدواء للأزمات، والتوقف عن اتهام دعاة الحياد بالعمالة والخيانة، خصوصاً بعدما جرى من استهداف في معقل حزب الله، وهو أمر لم يكن ليتم لولا حدوث خرق أمني في البيئة الحاضنة.
وما من شك في أن هناك تبعات كثيرة لهذه العملية. فإلى جانب الفرحة العارمة التي سادت وطغت على تل أبيب، بدأت تطرح تساؤلات عمّا إذا كان هذا الاغتيال مغامرة محسوبة أم أنه مقامرة، يمكنها أن تقود إلى شل المفاوضات حول تبادل الأسرى، وكسر القوالب مع «حزب الله» اللبناني، وتوسيع الحرب إلى نطاق حرب إقليمية تهدد الأمن العالمي، كما تطرح سؤالاً آخر حول دور رئيس الوزراء، نتنياهو، في القرار، وهل نبع هذا الدور من «المصلحة الأمنية» و«ضرورات الحرب» التي يحددها الجيش وبقية الأجهزة الأمنية، أم نبع من رغبته في إطالة الحرب لأنه بذلك يطيل عمر حكومته؟
الغالبية المؤيدة للاغتيال ترى أن «قواعد اللعب» تغيرت في السابع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بهجوم حركة حماس الناجح عسكرياً على إسرائيل، والذي وجّه ضربة قاسية إلى هيبتها وشكَّل زلزالاً مهيناً لجيشها ومخابراتها ومكانتهما العالمية، وجعلها تخرج عن طورها في الرد بهجوم مدمّر على أهل غزة، وأن القوالب كُسرت مع «حزب الله» عندما اختار أن ينضم إلى الحرب، وإن كان قد فعل ذلك بمنسوب منخفض يدل على عدم رغبة في حرب واسعة وشاملة.
أن التصريحات شيء والحسابات الاستراتيجية شيء آخر، أو هكذا اعتقد العاروري، على الأقل، لأن سهولة اغتياله كانت صادمة حتى للإسرائيليين؛ فهم يفهمون أن قادة «حماس» في قطر يتجولون تقريباً بلا حراسة في الدوحة، إذ إن قطر تعد وسيطاً أساسياً في المفاوضات بين إسرائيل و«حماس»، وليس من الحكمة اغتيالهم على أرضها. أما تركيا فقد هددت إسرائيل مباشرةً إذا أقدمت على اغتيال قادة «حماس»، وليس من الحكمة الدخول في تجربة مع الرئيس رجب طيب إردوغان. وفي سوريا، لا يوجد حضور حقيقي لـ«حماس». وأما في لبنان، فهناك حسابات أكثر تعقيداً.
صحيفة «يديعوت أحرونوت» قالت (الأربعاء)، إنه في مثل هذه الأيام قبل أربع سنوات، اكتشفت المخابرات الإسرائيلية أن قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، موجود في بيروت، وأبلغت بذلك المخابرات الأميركية. لكنّ عملية اغتياله لم تُنفَّذ هناك، وانتظروا يوماً آخر، حتى انتقل إلى العراق حيث جرى اغتياله. وقد تفادوا اغتياله في لبنان كي يتفادوا رداً من «حزب الله» ضد إسرائيل. فلماذا اختاروا اغتيال العاروري في لبنان؟ هل زال ما يسمى «الردع»؟ ولماذا قرروا في إسرائيل شد الحبل حتى آخر رمق؟ ألم تعد إسرائيل تتحسب من حرب موسعة؟ وإذا كانت مصلحة نتنياهو تقتضي إطالة الحرب لأغراض شخصية وحزبية، فهل الجيش الإسرائيلي قبل أن يكون أداة حزبية لخدمته؟ وإذا كان يبحث عن صورة نصر، فهل تستحق هذه الصورة المغامرة، التي قد تتحول إلى مقامرة، احتمالات الخسارة فيها أكبر من احتمالات الربح؟
وعليه ، هناك عدة تداعيات لاغتيال العاروري، أولها على مستوى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فنتنياهو كان يريد اغتيال رأساً كبيرة في حماس كي ينزل عن الشجرة، على اعتبار أنه حقق إنجازاً بحث عنه منذ بداية الحرب، وقد يكون اغتيال صالح العاروري هو الإنجاز الذي يتغني به نتنياهو أمام الجمهور الإسرائيلي، والذهاب إلى القبول بصفقة تبادل أسرى مع حماس ووقف إطلاق النار.
أما التداعي الثاني، فيرتبط بالإقليم ودورحزب الله، فهل سيوسع دائرة المواجهة، وهو الأمر الذي يبحث عنه نتنياهو، لأن من يقرأ التصريحات الإسرائيلية، وتحديداً ما قاله وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت قبل أيام بإن “إسرائيل” لن تكون في مأمن إلا إذا تحقق النصر في غزة، والوصول إلى حرب أو اتفاق في جبهة الشمال، وهذا يعني أن حكومة الاحتلال قد تكون مستعدة لخوض حرب جديدة في الجبهة الشمالية تساعدها على البقاء وإنهاء حالة الانتقاد الدائم لها.
التداعي الثالث، فهو تحت عنوان “حماس ما بعد العاروري”، فهو الذي فتح أبواب الحركة على محور المقاومة وتصدى لبعض الأصوات داخل الحركة التي كانت تعتقد أنها قادرة على الانفكاك من هذا المحور والذهاب إلى محور آخر يضم بعض الدول السنية، التي طالبت الحركة سابقاً بالتخلي عن علاقتها بإيران، وهذا تساؤل كبير له تداعياته ليس على المستوى القريب، ولكن في المستقبل سيطرح التساؤل الكبير ” هل ستبقى حماس بعد العاروري في محور المقاومة؟”.
وهناك من يرى بأن اغتيال صالح العاروري خسارة كبرى على أكثر من صعيد، أولها ملف الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، فهو كان من أكثر المؤمنين بضرورة إنهاء الانقسام، فيكاد يكون هو الصوت الوحيد داخل حركة حماس الذي تحدث بهذه العقلية والانفتاح في وقت توجد فيه أصوات سواء داخل حماس أو فتح تحاول تعطيل المصالحة.
أما الخسارة الثانية، فهي على الصعيد الحركي، فحماس في الضفة الغربية تفتقد لقيادي بهذا الحجم، وهو الذي كان يرأس الحركة في الضفة، فلن تستطيع تعويضه على المستوى القريب، لكن في المستقبل يمكن تعويضه في حال تمت صفقة تبادل، فهناك شخصيات حركية وازنة داخل الأسر يمكنها القيام بهذا الدور القيادي. إجمالاً، الضفة الغربية خسرت قائداً وطنياً قادراً على صناعة فارق في العلاقة الوطنية.
وتأسيسًا على ما تقدم، يمكن القول قد يكون من السابق لاوانه في هذه اللحظة الفارقة من تطور الأحداث وتصاعدها، تخمين طبيعة ما سوف يكون عليه رد حزب الله على إسرائيل التي تحول اهتمامها الآن تجاه الجبهة اللبنانية ، وان كانت حساباته لقراره بالرد لن تكون بعيدة عن تدخل إيران بقوة فيها وذلك بالنظر إلى ما يمكن أن يفضي اليه هذا الرد من عواقب وتداعيات قد تطال إيران نفسها وتشعل حربا واسعة في المنطقة لن يكون من السهل السيطرة عليها.. وقد يكون هذا السيناريو التصعيدي واردا ضمن أهداف إسرائيل من وراء تنفيذها لعملية اغتيال العاروري على أرض لبنان وسط تحصينات ودفاعات حزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت، اي في عرين الأسد كما يقولون.. . فهي عملية اغتيال غير عادية بكل المقاييس.. ودلالاتها الأمنية والسياسية تتسع لكل التفسيرات والتاويلات والتوقعات..اخذا في الاعتبار ان المنطقة تعيش أجواء حرب حقيقية واصبحت كبرميل البارود القابل للانفجار في اي لحظة رغم كل ما يقال عن جهود الوساطة والتهدئة التي تبذلها بعض الأطراف الإقليمية حاليا..ومن صفقات تبادلية للاسري والمحتجزين ومن وقف طويل الإطلاق النار.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية