خسائر إيران في سوريا تدفعها إلى تغيير خططها

خسائر إيران في سوريا تدفعها إلى تغيير خططها

_69201_63

كانت العربة التي تقل الضابط الإيراني جنرال حسين حمداني تمر في منطقة على مشارف حلب عصر يوم الثامن من أكتوبر عندما أطلق عليها مقاتلو الدولة الإسلامية النار. أصيب حمداني برصاصة في عينه اليسري ومات بعد أن فقد السائق السيطرة على العربة. وأصبح بذلك أرفع قائد في الحرس الثوري الإيراني يلقى مصرعه في سوريا حتى الآن كما أنه أصبح واحدا من عدد متزايد من العسكريين الإيرانيين الذين يفقدون حياتهم في الصراع السوري.

وكان مصرعه بمثابة بداية لتطور جديد في الدور العسكري الإيراني في سوريا التي يعتقد خبراء أن طهران أرسلت إليها ما يصل إلى 3000 جندي. وتوضح حصيلة تم جمعها من مواقع إيرانية أن ما يقرب من 100 مقاتل أو مستشار عسكري من الحرس الثوري من بينهم أربعة على الأقل من كبار القادة قتلوا في سوريا منذ أوائل أكتوبر. وهذا العدد يقارب مجموع الخسائر البشرية التي مني بها الحرس في سوريا منذ بداية عام 2012.

وكشفت مصادر قيادية إعلامية في حزب الله اللبناني في نوفمبر الماضي، أن إيران خسرت في سوريا “ستين جنرالا رفيع المستوى” في الحرب الدائرة منذ أربع سنوات ونصف السنة، وقالت إن طهران لم تُعلن رسميا سوى عن أسماء 18 منهم من المقربين من القيادة الإيرانية.

من بين الإيرانيين القتلى أصحاب الرتب العسكرية الرفيعة التي اعترفت بهم إيران في سوريا وجميعهم من الحرس الثوري الإيراني وقوات التعبئة الشعبية (الباسيج) الجنرالات علي أصغري، حسن شاطري (حسام خوش نويس)، مهدي خراساني، حسين بادبا، أصفر شيردل، جبار دريساري، محمد علي الله دادي، عباس عبداللهي، علي مرادي، محمد صاحب كرم أردكاني، علي رضا توسلي، إسماعيل حيدري، عبدالله إسكندري، محمد جمالي، حميد طبطبائي ميهر، أمير رضا علي زادة، داد الله شيباني، رضا حسين موقدديم.

وعنونت وكالة إسبوتنيك الروسية الأسبوع الماضي تقريرها بـ“إيران في سوريا، الذهاب من أجل البقاء”، وأفادت نقلا عن فلاديمير يفسييف الخبير الروسي أن طهران خفضت عدد قواتها في سوريا بنسبة 10 أضعاف خلال الفترة القليلة الماضية بعد تلقيها خسائر فادحة، ليصل عدد قوات الحرس الثوري إلى أقل من 700 شخص بعد أن كان 7000 شخص. وأضاف أن قوات النخبة للحرس الثوري لا تتمتع بالخبرة اللازمة.

ثمن فادح

ويعد مقتل أفراد في الحرس الثوري مؤشرا على تزايد الدور الإيراني في القتال الدائر في سوريا والثمن الفادح الذي يدفعه جنود الحرس لدعم الجيش السوري الذي يعاني تحت وطأة حرب مستمرة منذ ما يقرب من خمس سنوات.

وقال هلال خشان أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت “زاد الإيرانيون نطاق مشاركتهم العسكرية المباشرة في الصراع في الغالب للتعويض عن الاستنزاف الشديد بين وحدات الجيش السوري”.

واضطر الجيش السوري في الآونة الأخيرة للعب دور ثانوي بينما اضطلعت إيران والميليشيات المتحالفة معها بالدور القيادي في الحرب على المعارضة. وقال دبلوماسي غربي في بيروت طلب عدم الكشف عن هويته “الجيش العربي السوري مؤسسة محبطة. ثمة عمليات هروب من الخدمة وفرار من القتال.

وتم توقيت زيادة المشاركة الإيرانية في الصراع خاصة في القتال من أجل السيطرة على مدينة حلب بالتنسيق مع بدء حملة القصف الجوي الروسية.

وقد أبدى الإيرانيون التزامهم بالجهد الجديد والعمليات المنسقة على الأرض وذلك بإرسال قادة كبار مثل حمداني الذي لعب دورا رئيسيا في قمع الاحتجاجات في أعقاب انتخابات الرئاسة عام 2009 في إيران. وسمح تدفق القوات الإيرانية واقترانها بالدعم الجوي الروسي للجيش السوري بكسر حصار قاعدة “كويريس” الجوية في محافظة حلب أوائل نوفمبر غير أن التحالف الجديد لم يحقق في ما عدا ذلك سوى مكاسب إضافية حول حلب.

وفي حين أن حمداني استهدفه تنظيم الدولة الإسلامية فقد لقي معظم من مات من قادة الحرس الثوري في الآونة الأخيرة مصرعهم في القتال. وقال رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يرصد تطورات الحرب عن قتلى إيران إنهم “قتلوا في الاشتباكات”.

وهذا ليس بالتطور الجديد بالنسبة لإيران إذ أن قادة الحرس كانوا يزورون القوات على الخطوط الأمامية بانتظام خلال الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات. وكانت تلك الزيارات وسيلة لرفع المعنويات للقادة والجنود العاديين. وقال محسن سازجارا الذي شارك في تأسيس الحرس الثوري وأصبح الآن منشقا يعيش في الولايات المتحدة “خلال الحرب الإيرانية العراقية كان الوضع هو نفسه حيث كان ضباط كبار من الحرس الثوري يتوجهون للخطوط الأمامية وكانوا يقتلون في بعض الأحيان”.

الخطوط الأمامية

من بين القادة الذين عمدوا إلى زيارة الخطوط الأمامية في سوريا قاسم سليماني قائد فيلق القدس المكلف بتنفيذ مهام الحرس خارج الحدود الإيرانية.

وفي الشهر الماضي قالت جماعة معارضة إيرانية إن سليماني أصيب بجروح في اشتباكات بالقرب من حلب وذلك رغم أن وسائل الإعلام الإيرانية نقلت في ما بعد عنه قوله إنه لم يصب بسوء. والإيرانيون الذين يلقون حتفهم في سوريا الآن ليسوا من فيلق القدس وحده. فمنذ شهور يرسل الحرس الثوري أفرادا من مقاتليه العاديين ليست لهم أي خبرة بالقتال خارج حدود بلادهم وذلك للمشاركة في الحرب الدائرة في سوريا. ونتيجة لذلك اضطرت مؤسسة الحرس للتكيف مع التطورات.

وقال علي الفونة الباحث بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والخبير في شؤون الحرس الثوري “الحرس الثوري يتغير نتيجة الحرب في سوريا لكن الحرب في سوريا تعمل أيضا على تغيير طبيعة الحرس الثوري”.

وأضاف أن “عواقب الحرب في سوريا على الحرس الثوري ضخمة. ففيلق القدس اعتاد أن يكون جزءا صغيرا جدا من الحرس الثوري، وأنتم تشهدون الآن تحول الحرس الثوري إلى فيلق قدس كبير”. وفي الوقت الحالي لا يبدو أن العدد الكبير من الوفيات في فترة قصيرة نسبيا قلل التزام الحرس الثوري بالصراع في سوريا.