منذ سنوات تعتمد دولة الاحتلال الإسرائيلي سياسة منهجية في الإغارة على مواقع انتشار أو تدريب أو تسليح الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في سائر الأراضي السورية، وعمليات الاستهداف تلك تنطلق من الجو والبر والبحر، وتستخدم القاذفات والصواريخ والطائرات المسيرة، وظلت الردود الإيرانية منحصرة في الوعيد اللفظي والمناوشات المعتدلة ضمن انضباط واضح بقواعد اشتباك غير مدوّنة.
غير أن تبديلاً نوعياً طرأ على هذه السيرورة بعد عملية «طوفان الأقصى» ليس من جهة «حزب الله» اللبناني المرتبط بطهران، والذي انتهج خيار تسخين جبهة الجنوب اللبناني من دون خروج صريح أو خرق ملموس لقواعد الاشتباك القائمة، وإنما من جانب دولة الاحتلال التي لم تعتمد رد فعل مماثلاً على المستوى العسكري، بل اختارت التصعيد عن طريق اللجوء إلى طرائق استفزاز بالغة الخطورة، على رأسها الاغتيالات الفردية سواء في العمق السوري أو في حصون «حزب الله» الأكثر مناعة ورمزية.
وهكذا بدأت السلسلة من اغتيال رضى موسوي قيادي «الحرس الثوري» الأبرز والأقدم في المنطقة، ثم عمد الاحتلال إلى اغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» وبالأمس استهدف وسام الطويل القائد الميداني وأحد أبرز المسؤولين العسكريين في «حزب الله».
العنصر الأول اللافت في عمليات الاغتيال الثلاث أنها تمت، تباعاً، في السيدة زينب قرب العاصمة السورية دمشق، والضاحية جنوب العاصمة اللبنانية بيروت، وعلى مبعدة أكثر من 10 كم خلف خطوط التماس على الحدود اللبنانية مع دولة الاحتلال. والدلالة هنا لا تقتصر على قدرة الأداة الإسرائيلية في الوصول حيثما يتعين الإجهاز على الهدف فحسب، بل تشمل أيضاً تحميل الرسالة محتوى استفزازياً إضافياً حول عربدة إرهاب الدولة في عمق يحيل إلى السيادة أو المقام الروحي أو الرمز.
العنصر الثاني اللافت هو أن دولة الاحتلال تختار التوقيت المناسب للضربة من دون أي اكتراث بالسياقات الخارجية، المحلية أو الإقليمية أو الدولية، خاصة تلك التي لا تكف عن المناشدة بعدم توسيع نطاق الحرب في المنطقة، ثمّ بالأخص تلك المطالبات حين تصدر عن الولايات المتحدة بوصفها المساند الأكبر والأول لدولة الاحتلال. قبل أيام كان في لبنان آموس هوكشتين مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الطاقة وعرّاب مساعي التطبيع اللبنانية ـ الإسرائيلية، وبعده باشر وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن جولة رابعة في المنطقة، وكلاهما يلهج بخطاب حصر حروب الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وحده.
وأما العنصر الثالث والأهم ربما فهو حاجة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى التصعيد على جبهة ثالثة، بعد قطاع غزة والضفة الغربية، وربما رابعة وخامسة مع إيران عبر العراق أو سوريا، نظراً إلى حاجته شخصياً إلى الإبقاء على الجبهات مشتعلة أطول فترة ممكنة، لأنها أولى البوابات إلى تهربه من مواجهة مصائر سوداء ضمن تحالفه الحاكم أو أمام القضاء أو المحاسبة والإدانة جراء التقصير الفادح يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أو أمام صندوق الاقتراع.
اغتيال الطويل خطوة أخرى إضافية نحو التصعيد بوصفه مهرب الاحتلال من تراكم الفشل وتفاقم التأزم.