لا يوجد على طاولة الحكومة الإسرائيلية، مع دخول العدوان على غزة شهره الرابع، أيّ خطط سياسية لما بات يُعرف بـ “اليوم التالي” للحرب، ولا يزال تهجير الغزّيين المشروع الوحيد الذي تدعو إليه إسرائيل وتعمل على تكريسه كأمر واقع.
لم تؤثّر الإدانة الدولية لأيّ من أشكال الهجرة القسرية أو الطوعية لسكان غزة، على دعوات وزراء الحكومة الإسرائيلية وأعضاء الكنيست إلى ضرورة تنفيذ المشروع، وقد عاد الزخم لها في الأسبوع الأخير على غرار ما جرى في بداية الحرب، وربّما هذا ما عبّر عنه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في 2 كانون الثاني عبر منصة إكس قائلاً: “الولايات المتحدة هي أفضل أصدقائنا، لكنّنا سنقوم قبل كلّ شيء بما هو لمصلحة دولة إسرائيل: هجرة مئات الآلاف من غزة ستسمح للسكان في الغلاف بالعودة إلى منازلهم والعيش بأمان وستحمي جنود الجيش الإسرائيلي”.
ألسنتهم تدينهم
عاد بن غفير ليجدّد في تصريحات عبر الإذاعة الإسرائيلية في 7 كانون الثاني تمسّكه بمخطّط تهجير الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة، وإقامة مستوطنات في القطاع، قائلاً إنّ العودة إلى الاستيطان في القطاع هو “الأمر المطلوب الآن”، مضيفاً: “أعتقد أنّ الحلّ الصحيح هو تشجيع الهجرة الطوعية. أن نأخذهم ونرسلهم، إذ توجد ادّعاءات مختلفة حول ظروف إنسانية، ومئات الآلاف منهم سيغادرون الآن”.
وتابع كلامه: “إنّني أحاول إقناع زملائي في الكابينيت والحكومة بأن دعونا نجرّب تنفيذ خطوة كهذه، دعونا نتوجّه إلى عواصم في العالم. دعونا نسمح بخطوة كهذه، وهي، بالمناسبة، ستسمح لنا بإعادة سكان الغلاف، وسكان بئيري وكفار عزّا”.
ما يزال التهجير هو هدف الحرب على غزة، فإسرائيل حوّلت القطاع الى مكان غير صالح للحياة، جرّاء الدمار الكبير للبنية التحتية والمنازل، وتدمير كلّ مرافق الحياة
يتبنّى وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش خطة التهجير، وقد قال في مقابلة تلفزيونية عبر القناة 14 في 7 كانون الثاني إنّه “يجب على إسرائيل أن تسيطر على قطاع غزة طوال الوقت، والعودة للاستيطان اليهودي داخل القطاع”، وإنّ “إسرائيل لن تستطيع السيطرة الدائمة على غزة من دون وجود مدني، كي لا يكون للإرهاب مكان ينمو فيه”، بينما قال وزير التراث الإسرائيليعميحاي إلياهوإنّ على إسرائيل “إيجاد طرق مؤلمة أكثر من الموت” بالنسبة للفلسطينيين بهدف حسم المعركة وهزيمتهم وكسر معنويّاتهم، كما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان.
وقال إلياهو، في تصريحات لإذاعة “103 إف إم” الإسرائيلية، إنّ على إسرائيل حسم المعركة من خلال كسر معنويات الفلسطينيين في غزة وإيلامهم بما يؤلمهم كالأرض وتدمير البيت وكسر حلمهم القومي والهجرة الطوعية، وتشجيع سكان غزة على الهجرة لبلدان أخرى ضمن إجراءات الانتقام منهم بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ما يزال التهجير هو هدف الحرب على غزة، فإسرائيل حوّلت القطاع الى مكان غير صالح للحياة، جرّاء الدمار الكبير للبنية التحتية والمنازل، وتدمير كلّ مرافق الحياة، مع الدفع بنحو مليونَي نسمة إلى جنوب القطاع وحشرهم هناك للضغط عليهم للخروج الى مصر، في ظلّ منع الجيش النازحين من العودة إلى بيوتهم في شمال القطاع.
لقد تبنّى نتانياهو مشروع التهجير منذ بدء العدوان على غزة، بل كان أكثر وضوحاً حين طلب من مصر والأردن والعديد من دول العالم تبنّي مشروعه، مقابل مساعدات اقتصادية، قائلاً: “مشكلتنا ليست بعدم السماح بخروجهم، وإنّما أن تكون هناك دول مستعدّة لاستقبالهم”، وذهبت الأوساط العبرية للحديث عن وجود اتصالات إسرائيلية مع العديد من دول العالم لاستقبال الغزّيين، وهو ما أكّده عضو الكنيست داني دانون بتصريح قال فيه: “توجد هناك خطة لتهجير سكان قطاع غزة، وعبّرت دول في إفريقيا وأميركا الجنوبية عن استعدادها لاستقبال مهجّرين”.
لقد تبنّى نتانياهو مشروع التهجير منذ بدء العدوان على غزة، بل كان أكثر وضوحاً حين طلب من مصر والأردن والعديد من دول العالم تبنّي مشروعه، مقابل مساعدات اقتصادية
شراكة دوليّة في التهجير
ظهرت أخيراً بوادر حراك إسرائيلي لإشراك جهات دولية في إنجاح هذا المشروع، وعيّنت رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير رئيساً لطاقمٍ مهمّته إقناع دول باستيعاب لاجئين من القطاع بعد تهجيرهم. وذكرت القناة 12 أنّ “بلير زار إسرائيل الأسبوع الماضي، والتقى مع نتانياهو وعضو “كابينيت” الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، وسيشكّل بلير وسيطاً بين أهداف إسرائيل في “اليوم التالي” بعد الحرب وبين “دول عربية معتدلة”، وسيبحث إمكانية استقبال فلسطينيين من غزة في أنحاء العالم”.
يستند هذا الحراك الإسرائيلي إلى خطّة أعدّتها الاستخبارات الإسرائيلية كان جليّاً أنّ جيش الاحتلال يعمل على تنفيذها منذ أوّل أيام الحرب، هدفها “إخلاء السكان الغزّيين إلى سيناء” أثناء الحرب، وإقامة مدن خيام ومدن جديدة في شمالي سيناء لهم، ثمّ “إنشاء منطقة عازلة بطول عدّة كيلومترات داخل مصر وعدم السماح بعودة السكان للقيام بنشاط أو السكن قريباً من حدود إسرائيل”.
لم تكن الضفة الغربية بعيدةً عن مخطّطات التهجير، التي أطلّت برأسها من جديد، أو بالأحرى نفض المستوطنون الغبار عن المخطّطات القديمة الداعية إلى طردهم من الضفة الغربية. فقد ارتفعت هجمات المستوطنين على الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر، ونشروا منشورات تهديد عبر الشوارع الرئيسية في الضفة جاء فيها “أردتم نكبة مثيلة بعام 1948 فواللّه ستنزل على رؤوسكم الطامّة الكبرى قريباً، لديكم آخر فرصة للهروب إلى الأردنّ بشكل منظّم وبعدها سنجهز على كلّ عدوّ وسنطردكم بقوّة من أرضنا المقدّسة الّتي كتبها اللّه لنا”.
أكّدت منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية أنّ “المستوطنين داخل الضفة الغربية يستغلّون الحرب على غزة لتهجير الفلسطينيين من ديارهم بدعم وغطاء من عناصر في الشرطة والجيش الإسرائيليَّين”، بينما كشف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا) في تشرين الثاني الماضي أنّ ما يقارب ألف فلسطيني أُجبروا على مغادرة منازلهم في التجمّعات البدوية جرّاء هجمات المستوطنين وتهديدهم.
قالت بتسيلم إنّه منذ 7 أكتوبر حتى منتصف تشرين الثاني تمّ فعليّاً تهجير خمسة تجمّعات في منطقة تلال جنوب الخليل، بعضها هرب سكانها قبل أن يتمكّنوا من تخليص كلّ ممتلكاتهم التي قام المستوطنون بسرقتها وتدميرها. وقد فقد سكان هذه التجمّعات مصادر رزقهم، حقول المراعي والحقول التي كانوا يزرعون فيها الغذاء لقطعان المواشي، إضافة إلى آبار المياه التي استخدموها، المعدّات الزراعية، الخيام، الألواح الشمسية والهواتف الخلويّة.
إقرأ أيضاً: واشنطن اقترحت وثلاث دول عربيّة رفضت استقبال نازحي غزّة
ما يجري في غزة والضفة ليس بعيداً عن الفلسطينيين داخل الخطّ الأخضر، إذ تجد إسرائيل في الحرب فرصة للتضييق عليهم وطرد بعضهم، عبر تشريع سلسلة من القوانين العنصرية، التي كان آخرها تقديم نواب يمينيين تعديلاً لقانون “المواطنة” يقضي بترحيل وإبعاد كلّ فلسطيني يحمل الهويّة أو الجنسية الإسرائيلية، وأُدين بتهم توصف بالإرهابية، وسيطال القرار في حال إقراره مئات الفلسطينيين القاطنين داخل الخطّ الأخضر والقدس المحتلّة، وهذا يأتي استكمالاً للقانون الذي صادق عليه الكنيست قبل شهور والذي يسمح لوزير الداخلية بسحب الجنسية أو الإقامة من الأسرى ومن تدّعي سلطات الاحتلال ممارستهم “نشاطات إرهابية”، ويسكنون “داخل حدود إسرائيل” ويتلقّون الأموال من السلطة الفلسطينية. كما قدّم وزير الداخلية الإسرائيلي في تشرين الثاني مذكّرة قانون تسمح بسحب الإقامة والجنسية من مواطنين إسرائيليين بدعوى “التحريض على الإرهاب أو التعبير عن دعم الإرهاب في وقت الحرب”.