هل ستوقف الضربات الأمريكية البريطانية هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر؟

هل ستوقف الضربات الأمريكية البريطانية هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر؟

لم تتضح بعد مدى فعالية العملية المشتركة ضد الحوثيين، ولكن على أي حال، من شبه المؤكد أنها لم تكن الحلقة الختامية في لعبة إيران الطويلة الأمد القائمة على الحرب بالوكالة في الخليج.

بعد أسابيع من الهجمات على سفن الشحن التجارية في البحر الأحمر تخللتها ردود متفرقة من قبل القوات البحرية الأمريكية وغيرها، شنتالقوات الغربية في 11 كانون الثاني/يناير سلسلة كبيرة من الهجمات في اليمن ضد قوات الحوثيين الموالية لإيران. وبطبيعة الحال، يُطرح هنا السؤالان البديهيان التاليان: “ما مدى حجمها؟” و”ما مدى فعاليتها؟”

من الصعب الإجابة في هذه المرحلة، ولكن يمكن تحديد بعض المعايير. تُعتبر النتائج الأولية متباينة. فقد تم الإبلاغ عن ضربات صاروخية أو غارات بالطائرات على أهداف في أكثر من عشرة مناطق، من بينها العاصمة صنعاء، ومدينة صعدة الحوثية، وميناء الحديدة على البحر الأحمر. ونحن بانتظار الحكم على مدى فعاليتها. وقد مزجت التعليقات الأولية للحوثيين بين الغضب والتحدي.

ومن الواضح أن طموح الجهتَين الفاعلتَين الرئيسيتَين، واشنطن ولندن، “باتخاذ إجراءات” كان عظيماً. فتعطيل التجارة الدولية على يد مجموعة من المتمردين الذين لم يكن لديهم قبل بضع سنوات سوى بنادق كلاشينكوف في ترساناتهم، هو أمر شنيع. لكن درجة الدعم الدولي لم تكن مشجعة بصورة كافية، حيث غالباً ما كان هذا الدعم شفهياً في أحسن الأحوال.

منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، عندما انطلق إرهابيو “حماس” من غزة لقتل الإسرائيليين وأخذهم رهائن، احتجز الحوثيون فعلياً سفن الشحن الدولية كرهينة في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، وهو نقطة دخول السفن المتجهة شمالاً إلى قناة السويس، كما أنه نقطة خروج سفن الشحن المتجهة من أوروبا إلى آسيا. ويقول الحوثيون إنهم يقومون بذلك من أجل الفلسطينيين، إذ يتحركون ضد السفن التي “تقدم الدعم للكيان الصهيوني”. لكن هذا التهديد بإلحاق الضرر أو حتى الاستيلاء على السفن كان سبباً في اختلال نحو 15 في المائة من التجارة الدولية. ومنذ ذلك الحين لجأ مالكو الكثير من شركات وسفن الشحن التجارية وشركات التأمين إلى إعادة توجيه مسار الشحنات حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، في خطوة تُعد أكثر أماناً، ولكنها أكثر تكلفة لأنها تطيل الرحلة لعدة أيام، وبالتالي تزيد من التكاليف.

وبعد ساعة من الهجمات، أصدر البيت الأبيض بياناً للرئيس بايدن، جاء فيه: “نجحت القوات العسكرية الأمريكية – بالتعاون مع المملكة المتحدة وبدعم من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا – في تنفيذ ضربات ضد عدد من الأهداف في اليمن التي يستخدمها المتمردون الحوثيون لتعريض حرية الملاحة للخطر في أحد الممرات المائية الأكثر حيوية في العالم”. لكن الرسالة كانت مبهمة نظراً لافتقارها إلى التفاصيل.

ويبدو أن بريطانيا وحدها شاركت في الضربات إلى جانب القوات الأمريكية – فقد شاركت سفينة حربية واحدة على الأقل، بالإضافة إلى أربع قاذفات مقاتلة من طراز “تايفون” تم نقلها جواً من القاعدة الجوية البريطانية في قبرص، وتزودت بالوقود في الجو في طريقها إلى المنطقة. أما ما ساهمت به أستراليا وكندا وهولندا فهو أقل وضوحاً. وتم فرضياً إدراج البحرين، الدولة العربية الوحيدة المذكورة، لأنها تستضيف “القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية” (NAVCENT)، وهي المقر الإقليمي لهذه القوات.

وجاء في بيان الرئيس بايدن: “لقد تأثرت أكثر من 50 دولة في 27 هجوماً على الشحن التجاري. وتعرضت أطقم من أكثر من 20 دولة للتهديد أو تم أخذ أفرادها رهائن في أعمال قرصنة”. وتابع: “في الشهر الماضي، أطلقت الولايات المتحدة عملية “حارس الازدهار”، وهي تحالف يضم أكثر من 20 دولة ملتزمة بالدفاع عن الشحن الدولي…، وانضمت إلينا أيضاً أكثر من 40 دولة في إدانة التهديدات الحوثية. وفي الأسبوع الماضي، أصدرنا، بالتعاون مع 13 حليفاً وشريكاً، تحذيراً لا لبس فيه بأن المتمردين الحوثيين سيتحملون العواقب إذا لم يوقفوا هجماتهم”. ولكن على أي حال، في نهاية المطاف، فإن الدولة الوحيدة التي تقف إلى جانب الولايات المتحدة في قلب الأحداث هي بريطانيا.

وتشمل الجهات الفاعلة الإقليمية البارزة التي بقيت على الحياد المملكة العربية السعودية، التي هي الدولة التي تضم أطول ساحل على البحر الأحمر ومدينة جدة الساحلية – والتي يمكن القول إنها الأكثر تضرراً من التهديدات التي يتعرض لها الشحن البحري في المنطقة. لكن السعوديين في حالة حرب مع الحوثيين منذ ثماني سنوات وهم الآن منخرطون في مفاوضات سلام بطيئة، ومن الواضح أنهم لا يريدون تعريضها للخطر. ويكمن وراء هذا الموقف واقع غير معترف به مفاده أن السعودية، على الرغم من ثروتها ومعداتها العسكرية الغربية الباهظة الثمن، لم تتمكن من إلحاق الهزيمة بجارتها الأقل تطوراً.

أما الجهة الفاعلة الإقليمية الأخرى التي يجب مراقبتها فهي بطبيعة الحال إيران، التي تدعم الحوثيين ويبدو أنها تلعب لعبة مع الولايات المتحدة (وإسرائيل) لتحديد أي من الميليشيات التابعة لها ستقوم بتفعيلها هذا الشهر: “حماس” أو “حزب الله” أو الحوثيين أو غيرهم.

ولم يكن التحرك الأمريكي والبريطاني سوى حلقة من هذه السلسلة طويلة الأمد. ومن شبه المؤكد أن هذا التحرك لم يكن الحلقة الختامية. وربما تكون هناك سلسلة أخرى في أعقاب هذه السلسلة.