تصاعد التوتر في العراق يفاقم أعباء دول المنطقة

تصاعد التوتر في العراق يفاقم أعباء دول المنطقة

يزيد تصاعد التوتر في العراق بين الفصائل المسلحة والقوات الأميركية على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة، من مخاوف دول المنطقة من تداعيات تلك المواجهات، ونشوب أزمة جديدة تفاقم حجم الأعباء.

وتفرض التطورات الأمنية اللافتة في العراق تحديا جديدا على دول الجوار، خاصة الأردن، لا سيما أن المملكة تعقد آمالا على جارها الشرقي، وتعتمد في سد جزء من احتياجاتها النفطية على ما يأتيها منه، فضلاً عن تحالف مفترض يجمعهما مع مصر، بات يعرف بـ”تحالف الشام”.

واقع العراق
المتأثر الأول من التوتر الأمني هو دول المنطقة، فالعراق هو الساحة البرية الوحيدة للمواجهة الأميركية – الإيرانية

يقول مسؤول المكتب السياسي في هيئة علماء المسلمين بالعراق مثنى حارث الضاري إن “العراق منذ ساعة الاحتلال الأميركي ليس على ما ينبغي، وكل يوم نجد حدثا جديدا وتطورا ما”.

وأضاف الضاري “للأسف مشروع الاحتلال السياسي ما زال عاملا في العراق، والنظام السياسي الذي بُني على عين الاحتلال قائمٌ بتمثيلاته المختلفة وحكومات الاحتلال المتتابعة”.

وزاد “أي متابع للشأن العراقي، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، يقف بسهولة ويسر على الكثير من المآخذ والمصائب والوقائع التي تجعل من العراق يعيش وضعية النكبة، دون أي أفق لحل ما”.

واعتبر أن “الحديث عن حرب جديدة وإخراج قوات الاحتلال لا يمكن أن يصدقه عاقل في العراق وفي المنطقة”.

وبخصوص حديث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن إنهاء وجود التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، قال الضاري “هو لذرّ الرماد في العيون”.

وفي 5 يناير، أعلن السوداني تشكيل لجنة ثنائية لترتيب إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق، مؤكدا موقف بغداد “الثابت والمبدئي” لتحقيقه، وذلك بعد أيام من ضربات أميركية لمواقع عراقية عدّتها بغداد “عدائية ومساسا بالسيادة”.

وفي المقابل وبعدها بأيام، نفت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أي خطط لسحب قواتها من العراق، وهو ما يتعارض مع تصريحات بغداد، كما أعلنت في 5 يناير مقتل أبوتقوى السعيدي، أحد قادة حركة النجباء، وهي قوة مليشيا شيعية تابعة للحشد الشعبي المقرب من إيران، في غارة جوية ببغداد، “لأنها كانت تنظر إليه على أنه يشكل تهديدا”.

وفي 26 ديسمبر، قال البيت الأبيض إن الجيش الأميركي استهدف 3 منشآت تابعة لـ “كتائب حزب الله” في العراق، ردا على هجوم أصاب قاعدة عسكرية للتحالف الدولي.

صراع تخادمي
العراق تحديدا مضبوط إيرانيا وأميركيا لدواعٍ ومصالح خارج الساحة العراقية، تقتضيها ظروف إدامة (التخادم) بين واشنطن وطهران إلى حين

يرى الضاري أن “هذا الخطاب المعلن (لحكومة العراق) يأتي من نظام سياسي عقدت إحدى حكوماته (لم يذكرها) اتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، ومن نظام سياسي يعُد واشنطن صديقا للعراق”.

واعتبر أن “ما يجري في العراق هو مقتضيات الصراع الأميركي الإيراني التخادمي”. وتساءل “كيف لنا أن نفهم تصريح السوداني في ظل الاجتماعات المستمرة مع السفيرة الأميركية آلينا رومانوسكي، والتي تكاد تكون أسبوعية لضبط سياسة الحكم؟”.

وبسؤاله عن دوافع الاستهداف الأميركي لقوات الحشد الشعبي في العراق ما دام هناك “تفاهمات” بين واشنطن وطهران، يقول الضاري “الدوافع معلومة، فكلنا يعلم أن الصراع بين الدول تنتابه أحياناً مراحل من التدافع اللين أو الهين”.

واستطرد “عندما تتقاطع مصالح قوتين أو دولتين في مكان أو زمان ما، تبدأ كل واحدة منهما تدفع الأخرى بطريقة ما”.

وبين “ليس بالضرورة أن يكون هناك جلوس إلى الطاولة وتقسيم للكعكة، فالولايات المتحدة احتلت العراق وهي في المنطقة لأهدافها الخاصة، وإيران أخرجت العراق من معادلة القوة في المنطقة، واستطاعت أن تفرض نفسها قوة كبيرة فيها”.

رسائل متبادلة
تأثيرات الصراع الأميركي الإيراني على المنطقة كبيرة جدا، وتدخلات طهران في صياغة المشاهد في عدد من الدول العربية ظاهرة ومكشوفة

يعتبر الضاري أن أسباب الضربات الأميركية للحشد الشعبي في العراق “وجود قواعد اشتباك ينبغي عدم تجاوزها، وأن هناك رسائل متبادلة بين الطرفين (طهران وواشنطن)”.

وأضاف “العالم يعرف أن إيران تتحكم في مشهد الحرب الخارجية، وهنا أقصد حرب (طوفان الأقصى) في غزة، من خلال ضبط كل وكلائها في المنطقة وعدم الذهاب إلى توسعة الحرب، لأن ذلك سيضر بمصالحها والولايات المتحدة وإسرائيل”.

وتابع “إيران هي التي تحدد لكل أذرعها في المنطقة، وتحديداً في العراق، مديات استهداف القوات الأميركية وطريقته ودرجته، لتوصل إلى المجتمعات العربية والمسلمة بأنها حليفة للمقاومة الفلسطينية وتشارك فيها وفي المعركة معها”.

وتصاعد التوتر في العراق بين الفصائل المسلحة الموالية لإيران والقوات الأميركية، على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة المتواصلة منذ 7 أكتوبر الماضي.

وفي هذا الإطار، أعلن تشكيل “المقاومة الإسلامية العراقية”، وهو إحدى المليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، في بيانات، تنفيذه هجمات على قاعدة التحالف الدولي في مطاري “عين الأسد” و”أربيل” غرب العراق، وكذلك على تل البيدر شمال سوريا، وقاعدة التنف جنوب سوريا، تضامنا مع القطاع.

وأكد الضاري أن “المنطقة ليست ذاهبة إلى حرب، والعراق تحديدا مضبوط إيرانيا وأميركيا لدواعٍ ومصالح خارج الساحة العراقية، تقتضيها ظروف إدامة (التخادم) بين واشنطن وطهران إلى حين، حتى يفرغوا من هذه القضية ثم ينصرفوا”.

واستدل على التفاهم الأميركي الإيراني بأن كليهما لم يدخلا “معركة حقيقة وواسعة فيما بينهما”، مشيراً إلى أنها تقتصر على “تهديدات وضربات، والردّ الأميركي دائما ما يكون منضبطا إلى حد يختلف عن ردها وحلفائها في هجمات أخرى، خاصة فيما يسمى التحالف الدولي ضد الإرهاب”.

إيران هي التي تحدد لكل أذرعها في المنطقة، وتحديداً في العراق، مديات استهداف القوات الأميركية وطريقته ودرجته

وفي توضيحه أشار الضاري إلى أنّ “ما كان يجري في العراق هو افتعال للأزمات هدفها التأثير على دول الجوار”، مشيرا “الغاية الأولى لها مقتضيات في صراع الطرفين (إيران والولايات المتحدة)، فكل طرف يحاول أن يحسّن من وضعه التفاوضي أمام الطرف الثاني عسكريا وسياسيا”.

واستطرد “بالنتيجة، المتأثر الأول في ذلك هو دول المنطقة، فالعراق أولا هو الساحة البرية الوحيدة للمواجهة الأميركية الإيرانية، ثم دول المنطقة”.

وتابع “تأثيرات الصراع الأميركي الإيراني على المنطقة كبيرة جدا، وتدخلات طهران في صياغة المشاهد في عدد من الدول العربية ظاهرة ومكشوفة”.

واستبعد الضاري أن يكون ما يجري في العراق “تشتيت انتباه عما يجري في قطاع غزة”، معتبراً أن ذلك يكون “عبر التضييق على العدو في المناطق التي يمكن الوصول إليها والتي من بينها جنوب لبنان وسوريا”.

وأوضح “الأحداث التي تجري في العراق هي للتشتيت على الدور الإيراني الخطير في المنطقة عموما، والخطر في الإجهاز على المقاومة الفلسطينية في غزة من خلال عدم توسعة نطاق المعركة وضبطها بكل السبل، والايهام بأن إيران منخرطة في هذه المعركة”.

وفجر الثلاثاء، أعلن مجلس أمن إقليم كردستان شمال العراق في بيان، أن الحرس الثوري الإيراني شن هجومًا بصواريخ بالستية على عدة مناطق مدنية في أربيل مساء الاثنين، ما أسفر عن مقتل 4 مدنيين وإصابة 6 آخرين، في عملية تبناها الحرس الثوري الإيراني.

وأوضح الحرس الثوري أنه استهدف “مقرا رئيسيا لجهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية الموساد في أربيل”، بالإضافة إلى أهداف تنظيم “داعش” في الأراضي السورية، وعد المقر “مركزا لأنشطة التجسس والتخطيط لأعمال إرهابية في إيران”، ردا على مقتل بعض قادة الحرس الثوري والجماعات التي تدعمها إيران على يد إسرائيل، فيما اعتبرت حكومة بغداد قصف أربيل “عدوانا” على سيادة البلاد و”إساءة لمبدأ حسن الجوار وأمن المنطقة”.

الأردن لم يستفد شيئا
الأردن لم يستفد الفائدة الاقتصادية الحقيقية التي كان يرجوها من الوعود التي تطلقها الحكومات المتتابعة في العراق

فيما يتعلق بالأردن، أشار الضاري إلى أنه “جزء من الحالة العربية المتأثرة بما يجري في العراق، والمملكة متأثرة منذ ساعة الاحتلال حتى اللحظة”.

لكنه اعتبر أن في الأردن “حالة من الأمن والاستقرار، ولم تتطور الأوضاع فيه إلى حد تدخلات إيرانية كما حصل في بلدان أخرى”.

وشدد على أن “الأردن لم يستفد الفائدة الاقتصادية الحقيقية التي كان يرجوها من الوعود التي تطلقها الحكومات المتتابعة في العراق”.

وتناول الضاري موضوع أنبوب النفط الذي كان من المفترض أن يمتد من العراق إلى الأردن لحل مشكلاته ومشكلة تصدير النفط العراقي، مبيناً أنه “لم يقم حتى الآن”.

وكشف عن أن “هناك دعوات لقوى مليشياوية وأحزاب متشددة وبعض الأذرع الإيرانية ومن يسميهم العراقيون بـ(الولائيين، يدينون بالولاء لنظام ولاية الفقيه بقيادة المرشد الإيراني علي خامنئي) إلى تغيير مسار هذا الأنبوب إلى سوريا، بحجة أن المملكة غير داخلة في سياقات ما يسمونه محور المقاومة”.

ووقّع الأردن والعراق في 9 أبريل 2013، اتفاقية إطار لمد أنبوب لنقل النفط العراقي الخام من البصرة إلى مرافئ التصدير في ميناء العقبة، بكلفة إجمالية للمشروع قُدرت في ذلك الوقت بـ18 مليار دولار.

وأوضح الضاري “إلى الآن لم يحصل الأردن على شيء، وجزء كبير من الناس لا يعلمون أن ما يصل له من النفط العراقي خلال الشاحنات هو 10 في المئة فقط من حاجة المملكة، وممكن لأي دولة عربية أن تقوم بهذا الأمر”.

اقرأ أيضا:

• من يمسك بمطرقة البرلمان العراقي؟

ويرتبط الأردن والعراق باتفاق آخر في المجال النفطي، وهو نقل النفط من كركوك إلى الأردن من خلال الصهاريج، وفق مذكرة التفاهم يعمل الأردن بموجبها على شراء النفط الخام العراقي (خام كركوك) لاستيراد 10 آلاف برميل نفط يوميا.

ولفت الضاري “ستبقى هذه الضغوط على الأردن وعلى المنطقة، ولن يستفيد شيئا يمكن أن يقال بأنه سيحدث نقلة ما في اقتصاده”.

وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الضاري دعا الأردن إلى “أن يُبقي الخطوط متصلة، لأن الأوضاع فيه والمنطقة عموما تقتضي ذلك للاستفادة من تسيير الأمور وبقائها على ما هي عليه إن أمكن”، مردفاً “لكن نتمنى عدم التعويل على الوعود”.

وأما بخصوص انعكاسات الأحداث في العراق على ما بات يعرف بـ”تحالف الشام” مع الأردن ومصر، قال الضاري “هو غير موجود ولم نلمس شيئا منه”.

وأضاف “الأحداث الموجودة نعم تزيد من فرص عدم قيام هكذا تحالف، لكن على فرض أن هذه الأحداث غير موجودة، أنا أقول لن يقوم أي تحالف لأن هناك شريكا مشاكسا مرتبطا بقرار إيراني”، في إشارة إلى العراق.

ورأى “أن القرار العراقي مرتبط بالإيراني، وطهران لن تقدم على خطوة فيها جدوى حقيقية لقيام شراكات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية بالمنطقة”.

و بات يطلق على تحالف الأردن والعراق ومصر، اسم “الشام الجديد”، الذي بدأ الحديث عنه عقب عقد مجموعة من القمم بين الدول الثلاث.