طرابلس- يبحث مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا عبدالله باتيلي عن أفق جديد للحل السياسي من خلال العمل على إنقاذ مبادرته التي كان طرحها في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي، وذلك بتشكيل حالة من الضغط الإقليمي والدولي على الفرقاء السياسيين الرافضين لفكرة الاجتماع حول الطاولة الخماسية.
وقال باتيلي إثر لقاء مع السفير الفرنسي مصطفى مهراج، إنه جرى بحث وجهات النظر حول الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في ليبيا، وتمّ التجديد على الالتزام المشترك بجميع محاور عملية السلام، بما في ذلك المسار الأمني، حاثين جميع القادة الليبيين على الارتقاء إلى مستوى التحدي المتمثل في الدخول في حوار لتجنب المخاطر العديدة التي تتهدد ليبيا.
كما استعرض باتيلي مع السفير الألماني ميخائيل أونماخت الوضع في ليبيا، مجددا دعوة القادة الليبيين إلى الانضمام إلى عملية الحوار لإنهاء الأزمة السياسية، وإجراء الانتخابات، وإعطاء فرصة للسلام والاستقرار والازدهار في ليبيا.
وفي لقاء مع سفير هولندا يوست كلارنبيك، اتفق الطرفان على دعوة القادة الليبيين إلى الالتزام بالتوصل إلى تسوية لإنهاء الأزمة الراهنة، وذلك من خلال الاتفاق على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وأطلق باتيلي في نوفمبر الماضي، مبادرة من أجل عقد قمة بين الأطراف الرئيسية الخمسة في الأزمة الليبية، للاتفاق على المسائل العالقة بشأن الانتخابات، وتشمل المبادرة كلا من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح والقائد العام للجيش الجنرال خليفة حفتر ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة.
ولم تجد هذه المبادرة التجاوب المطلوب من قبل الفرقاء الليبيين، وقد وجه المبعوث الأممي انتقادات لبعض القادة المحليين، في إحاطته إلى مجلس الأمن الشهر الماضي، الذين “يراوحون مكانهم، ولم يبدوا التزاما قاطعا بإنهاء حالة الإنسداد السياسي في البلاد”، مشيرا إلى أنهم لم “يرفضوا الدعوة إلى الاجتماع الخماسي بشكل مباشر، لكن البعض منهم وضع شروطا للمشاركة”.
وفي لقاء مع السفير المصري تامر مصطفى، استعرض المبعوث الأممي التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية الجارية في ليبيا، مشددا خلال اللقاء على ضرورة مشاركة جميع الشركاء الإقليميين والدوليين بشكل إيجابي في العملية الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية من شأنها أن تمهد الطريق لإجراء الانتخابات.
وقال باتيلي لقد “تشاورت أيضا مع السفير التونسي الأسعد العجيلي واستعرضت بمعيته الوضع الراهن في ليبيا، وكذلك استجابة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للتحديات الحالية”.
وقبل ذلك، ناقش باتيلي مع السفير الروسي لدى ليبيا حيدر أغانين الوضع السياسي والأمني الراهن في البلاد، وأكد اتفاقهما على الضرورة الملحة لانخراط الأطراف الليبية الفاعلة في التوصل إلى تسوية سياسية لإجراء انتخابات عامة.
وتحدث باتيلي مع سفير الاتحاد الأوروبي نيكولا أورلاندو عن “الوضع المقلق السائد في ليبيا”، وقال إنهما اتفقا على “ضرورة قيام القادة الليبيين والشركاء الدوليين بتجديد التزامهم بالتوصل إلى تسوية سياسية تهدف إلى إنهاء الأزمة المستعصية”. وتابع أن “المسؤولية السياسية والأخلاقية للقادة الليبيين تقتضي أن يعملوا على تلبية تطلعات شعبهم إلى مؤسسات موحدة وشرعية وإدارة فعالة للموارد الوطنية”، مشددا على ضرورة أن “يتحدث المجتمع الدولي بصوت موحد في دعم هذا المسعى”.
وكان المبعوث الأممي أكد أن للأطراف الخمسة التي جرى اختيارها القدرة إما على التوصل إلى توافق وإحراز تقدم في العملية السياسية أو إطالة الانسداد ومنع ليبيا من إجراء انتخابات سلمية. وأضاف من على منبر مجلس الأمن، إن التنافس فيما بينهم وانعدام الثقة هو أساس الأزمة التي طال أمدها، ويقف على الطرف النقيض للوحدة التي يتوق لها المواطنون الليبيون.
ويرى مراقبون، أن باتيلي عجز عن تحقيق أهدافه التي جاء من أجلها ممثلا للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا منذ اكتوبر 2022، وأن الشعارات التي رفعها بما فيها تنظيم انتخابات في 2023 انتهت بالفشل الذريع ، كما أن مبادرته بالدعوة إلى الطاولة الخماسية كانت أبعد ما تكون عن فهم طبيعة الصراع الليبي وحيثياته.
◙ الأطراف الخارجية لا تزال غير متحمسة لإخراج ليبيا من الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها منذ ثلاثة عشر عاما
ووجه باتيلي في مناسبات عدة اتهامات للقادة الليبيين بأنهم لا يريدون حلا لأزمة بلادهم، ولا يرغبون في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، وأشار إلى أن حجة التدخل الخارجي وسيلة مناسبة للمسؤولين الليبيين لإخفاء إخفاقاتهم، مضيفا أن معظم القادة لا يريدون الانتخابات وعودة الاستقرار، ما يهمهم هو المكاسب غير المتوقعة من النفط، والاستمرار في ضمان الوصول إلى جزء من هذا المورد.
وشدد باتيلي، على أن الصراع الذي اندلع في 7 أكتوبر الماضي بين حماس وإسرائيل، أدى إلى تعقيد مهمته الصعبة بالفعل، كما أن خطته لخروج مسلحي السودان وتشاد والنيجر من الأراضي الليبية تعقدت بعد اندلاع اشتباكات السودان .
ويسعى باتيلي إلى إقناع قوى إقليمية ودولية بالضغط على الفرقاء الليبيين للقبول بمبادرته، وعادة ما يسمع ما يرضيه لكن لا يرى على أرض الواقع ما يريحه، خصوصا وأن الأطراف الخارجية لا تزال غير متحمسة لإخراج ليبيا من أزمتها الخانقة التي لا تزال تتخبط فيها منذ 13 عاما، فيما يرى عدد من المحللين، بأن المجتمع الدولي فشل بالفعل في التعاطي مع الفرقاء الأساسيين غير الراغبين في التخلي عن الامتيازات التي يحظون بها ويتقاسمونها، وهم يمسكون بمفاتيح الثروة ويضعون أياديهم على مقاليد السلطة.
العرب