إيران تكسب من الغارات الجوية الأميركية على الحوثيين في اليمن‏

إيران تكسب من الغارات الجوية الأميركية على الحوثيين في اليمن‏

كان الرد الأميركي-البريطاني على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أمرًا لا مفر منه، ولكن، يظل من غير المرجح أن يحقق أهداف الولايات المتحدة.‏

*   *   *
‏ثمة وجهتا نظر على الأقل يمكن للمرء أن يتبناهما بشأن قرار الولايات المتحدة، الذي انضمت إليه بريطانيا، بضرب أهداف للحوثيين في اليمن في وقت مبكر من يوم الجمعة الماضي. وعلى الرغم من أنهما نظرتان متناقضتان تمامًا، فإن كلاً منهما يمكن أن تكون صحيحة.

الأولى هي أن هذا العمل كان حتميا لا مفر منه. وسواء كان ذلك من الناحية السياسية، أو للاحتفاظ بموقف ردع موثوق ضد المزيد من الأعمال العدائية التي تقوم بها إيران ووكلاؤها، فإن عدم القيام بأي شيء لم يكن ببساطة خيارًا للرئيس جو بايدن. أما وجهة النظر الثانية، والتي كانت بلا شك السبب الذي جعله مترددًا في البداية، فهي أن هناك احتمالاً ضئيلاً للنجاح وخطر تصعيد قابلا للقياس.‏

إذا كانت الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة هي استعادة التدفق الحر للتجارة عبر البحر الأحمر، ومنع الحرب بين حماس وإسرائيل في غزة من إشعال حريق إقليمي، وإحباط الجهود الإيرانية لوقف‏‏ ‏‏تطبيع إسرائيل في شرق أوسط جديد أكثر استقرارًا وازدهارًا، فيغلب أن تؤدي النار والكبريت التي اشتعلت صباح الجمعة إلى نتائج عكسية.‏

‏في الواقع، لا يسع المرء إلا أن يشعر بأن الولايات المتحدة، مثل إسرائيل بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ترقص على نغمة كتبتها لها ميليشيا متمردة في شبه دولة فاشلة ليس لديها الكثير لتخسره.‏

إن النجاح هنا لا يقاس من حيث تفجير الأشياء. سوف تكون صدمة حقيقية إذا لم يقم الطيارون وطواقم المدافع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بعملهم بشكل جيد؛ وربما يكونون هم الأفضل تدريبًا وتجهيزًا في العالم.

 

لكن فرص أن يفقد الحوثيون كل قدراتهم على توجيه الضربات الصاروخية بين عشية وضحاها، والكثير منها متحرك وبالتالي يصعب استهدافه من دون وجود أعداد كبيرة من قوات الحلفاء على الأرض، هي بالتأكيد صفر.

 

لقد نجوا وتمكنوا من البقاء بعد سنوات من القصف الجوي من الطائرات الأميركية المتقدمة التي يقودها طيارون سعوديون وإماراتيون. وإذا تغير أي شيء، فهو أن البحر الأحمر قد يكون في طريقه إلى أن يصبح منطقة حرب.‏

ينطوي هذا الواقع على إمكانية زيادة التأثير على الأسواق العالمية. وعلى الرغم من أن أسعار شحن الحاويات ارتفعت بشكل حاد منذ أن بدأ الحوثيون مضايقاتهم، إلا أنهم لم يستهدفوا ناقلات النفط بعد.

 

ولم تكن أسواق النفط تأثرت كثيرًا حتى يوم الجمعة، عندما ارتفع خام برنت بنسبة 3.5 في المائة ليتجاوز سعره 80 دولارًا للبرميل في لندن لأول مرة هذا العام. وبعد الضربات يوم الجمعة، حذرت الولايات المتحدة جميع السفن التجارية من توخي الحذر لدى التواجد في المنطقة.‏

سوف يكون استدراج النيران من “الشيطان الأكبر”، كما تُعرف أميركا لدى ما يسمى بـ”محور المقاومة” الإيراني، تحت ستار القتال من أجل القضية الفلسطينية، جزءًا من خطة لعبة الحوثيين.

 

وقد تعهد الحوثيون الآن بالرد، معلنين أن جميع مصالح الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هي أهداف عادلة، وسيكون من “الغباء”، إذا قالوا كلمتهم، أن يجعلوها موضع شك.

 

والحوثيون مثل “حماس”، سيئون للغاية في الحُكم ولا يتمتعون بالشعبية في وقت السلم. لكن من المتوقع أن ترفع هذه المعركة من مكانتهم في الداخل والخارج.‏

يتميز مركز الأبحاث الأميركي المرتبط بمؤسسة راند بول “أولويات الدفاع” بأنه موثوق مثل ساعة التوقيت في معارضته لاستخدام القوة العسكرية الأميركية في الخارج، لكنَّ هذه كانت إحدى المناسبات التي يحدث أن شكوكه بشأنه كانت صحيحة.

 

وفي بيان له صباح يوم الجمعة، قال بنيامين فريدمان، مدير السياسة في مركز الأبحاث: “بالتأكيد على ادعائهم بأنهم يقاتلون إسرائيل وداعميها الأميركيين دفاعًا عن غزة، قد يرحب قادة الحوثيين في الحقيقة بالغارات الجوية”.

 

وبينما يضاعفون الرهان، فإنهم يستدعون المزيد من التصعيد الأميركي. وعلاوة على ذلك، لم يكن التهديد الفعلي الذي يجري التصدي يشكل ذلك المعوق الكبير الذي يشلّ التجارة العالمية.

 

“الحقيقة هي أن هجمات الحوثيين على الشحن لم تكن فعالة بشكل خاص، كما أنها لم تكن قضية اقتصادية كبيرة”.

كان من الممكن كثيرًا أن يتغير ذلك الوضع لو سُمح للحوثيين بالاستمرار. لكنك إذا كنت تشك في أن الهدف الرئيسي لإيران ووكلائها هو تأجيج الغضب ضد الولايات المتحدة، فاستمع إلى رد “حزب الله” اللبناني على الإجراء الأميركي.

 

قالت المجموعة التي تتخذ من لبنان مقرًا لها في بيان يوم الجمعة: “يؤكد العدوان الأميركي مرة أخرى أن الولايات المتحدة هي شريك كامل في المآسي والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني في غزة والمنطقة”.

تتطلع‏‏ ‏‏”حماس” وإيران وحلفاؤهما إلى تأجيج مشاعر انعدام الثقة والكراهية تجاه إسرائيل والولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إلى الحد الذي يجعل أي اتصال بهما‏‏ ‏‏يصبح سامًا لدرجة تجعل القادة، من المملكة العربية السعودية إلى مصر يضطرون إلى النأي بأنفسهم عنهما.

 

كان ما يسمى “الشارع العربي” غاضبًا مُسبقًا من إسرائيل، وفضَّل أعمال الحوثيين في البحر الأحمر كدفاع عن السكان الفلسطينيين الذين يعانون في غزة.

 

وسوف يصبح هذا النوع من التقارب الاقتصادي والأمني الذي كان جاريًا بين بعض الدول العربية وإسرائيل قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) مستحيلا سياسيا.

في ‏‏استطلاع للرأي‏‏ شمل 8.000 شخص في 16 دولة عربية، نشره “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” ومقره الدوحة في 10 كانون الثاني (يناير)، اعتبر 36 في المائة تعليق العلاقات أو التطبيع مع إسرائيل إجراءً رئيسيًا للضغط عليها من أجل إنهاء حربها في غزة.

 

ومن بين الخيارات الثمانية الأخرى المعروضة، سجل الخيار التالي الأكثر شعبية -إيصال المساعدات إلى غزة من دون موافقة‏‏ ‏‏إسرائيل-‏‏ ‏‏أقل بكثير من نصف هذا الرقم. في حين عارض ما نسبته 89 في المائة الاعتراف بإسرائيل، ورأت نسبة 97 في المائة أن الولايات المتحدة أو إسرائيل هي التي تشكل التهديد الأمني الأكبر في المنطقة.

وعلى النقيض من ذلك، رأى 7 في المائة فقط أن إيران، المنافس العربي القديم والحالي، هي التهديد الأكبر للاستقرار. لقد حولت الحرب في غزة هذه الأرقام ضد الولايات المتحدة بشكل كبير.‏ليست السياسة الخارجية منافسَة على الشعبية، لكنَّ القوة الناعمة تشكل أهمية كبيرة، كما أن كراهية الولايات المتحدة وإسرائيل تقيد ما يستطيع القادة العرب أن يقولوه ويفعلوه.

ولا يوجد دليل حتى الآن على أن إيران حرضت على هجوم “حماس” (الوحشي) في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، لكنها استفادت حتى الآن من الردود الإسرائيلية والأميركية.وبغض النظر عن الحكم الذي يصدر، فإن حقيقة أن إسرائيل -من بين جميع الدول- تحاكم الآن بتهمة الإبادة الجماعية المزعومة في محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في لاهاي هي انتصار آخر لمعارضي الدولة اليهودية.‏

الرد على كل هذا، بطبيعة الحال، هو أن عدم قيام الولايات المتحدة وحلفائها بعمل عسكري في السابق لم يعمل.

 

لقد أصبح الحوثيون أكثر جرأة في ضرباتهم ضد الشحن الدولي، بما في ذلك السفن البحرية التي أرسلتها الولايات المتحدة وغيرها لحماية ما يقرب من 12 في المائة من التجارة العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر كل يوم.

 

وعلى الرغم من أن الحوثيين أثبتوا أنهم مرنون وعنيدون بشكل غير عادي كقوة مقاتلة، إلا أنهم ليسوا محصنين ضد الهجوم.‏

‏وكما قال لي سيث جونز، مدير برامج الأمن الدولي والتهديدات العابرة للحدود في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” ومقره واشنطن، قبل ساعات فقط من تنفيذ الضربات الجوية الأميركية: “الطموح هنا ليس وقف هجمات الحوثيين -لست متأكدًا من أن بالإمكان تحقيق ذلك- وإنما إضعاف قدرتهم على تنفيذها ومعاقبتهم عليها”.‏

ويتوقع جونز أن يطلق الحوثيون النار على ممرات الشحن مرة أخرى، وأن تستمر الولايات المتحدة في ضرب منصات الإطلاق ومستودعات الصواريخ ردا على ذلك، بهدف فرض تكلفة كافية على قدرات الحوثيين الصاروخية التي قد تؤدي في النهاية إلى تآكل إرادتهم للاستمرار.

 

وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يشير هذا لإيران و”حزب الله” بأنه عندما تضع الولايات المتحدة خطوطًا حمراء ضد توسع حرب غزة، فإنها سوف تحميها وتمنع تخطيها.

 

وأنا أتوقع الشيء نفسه، للأفضل أو الأسوأ. وكذلك يفعل أيضًا، من دون شك، الإيرانيون والحوثيون.