هل تعيد إيران النظر في استراتيجيتها الأمنية بسوريا؟

هل تعيد إيران النظر في استراتيجيتها الأمنية بسوريا؟

ليس قبل 20 من يناير (كانون الثاني) الجاري كما بعده بالنسبة إلى السوريين، يوم تلقى قلب العاصمة دمشق ضربة موجعة، والأكثر قساوة بالنسبة إلى الحليف الاستراتيجي الإيراني حين قصفت إسرائيل مقراً عملياتياً لاستخبارات فيلق القدس التابع للحرس الثوري وسوته بالأرض عبر صواريخ موجهة، بغارة وصفت بأكبر انتهاك للسيادة السورية، وخرقاً لقواعد الاشتباك.

وتزايدت حصيلة انفجار مبنى حي المزة الدمشقي إلى 13 شخصاً إثر استهدافه بصواريخ موجهة بواسطة غارة إسرائيلية أول من أمس السبت بينهم خمسة مستشارين عسكريين من الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى سبعة من المسلحين الموالين لطهران هم أربعة سوريين ولبنانيان وعراقي، وفق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” ومقره بريطانيا، في وقت رفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي التعليق على الضربة الجوية.

يأتي ذلك وسط تصعيد زاد حدته بين تل أبيب وطهران في أعقاب اشتعال حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ أعلنت إيران دعمها للفصائل المسلحة في كل من فلسطين وسوريا ولبنان والعراق، علاوة على رغبتها بفتح جبهات متاخمة لإسرائيل. ودفع ذلك تل أبيب إلى ضرب أهداف إيرانية بكل المطارح التي توجد بها ورفع مستوى التوتر.

تغيير بالتكتيك الأمني

في غضون ذلك، وإثر الضربة الإسرائيلية الأخيرة، عملت الفصائل المدعومة إيرانياً إلى إجراءات أمنية واستخباراتية عبر تكثيف الإجراءات الوقائية والاحترازية بمواقع وقطاعات عملها، علاوة على تنقلات سريعة وضبط الاتصالات منعاً للاختراق الاستخباراتي.

وأشار الباحث والمتخصص في شؤون السياسة الإيرانية، سعد الشارع في حديثه لـ”اندبندنت عربية”، إلى وجود تحركات عسكرية وليست أمنية فحسب وفق مصادر على إطلاع منها تغيير المواقع وتغيير الأسماء والألقاب التي يتعاملون بها.

وأضاف، “وشمل التغيير أيضاً طرقاً وأساليب ووسائل الاتصال سواء سلكية أو غير سلكية، ومن الممكن أن تبدأ إيران جدياً هذه المرة بأن تقلل الاحتكاك الأمني مع دمشق، وهذا النهج الجديد سيتضمن الابتعاد أمنياً حفاظاً على وجودهم وعلى شخصياتهم، بخاصة في العاصمة السورية”.
ولفت الشارع الانتباه إلى مساعي إيران لتغيير استراتيجية عملها الأمني عبر تغيير التكتيكات والتحركات الأمنية، من دون تغيير بالسياسة العامة لطهران بالمنطقة.

وتابع، “هذه الإجراءات ليست مقتصرة بالحالة الإيرانية وحسب بل كل جهة عندما تتعرض لضربة – تشبه تلك الأخيرة التي تعرضت لها دمشق – يكون من اللازم عليها إدخال تغييرات يمكن وصفها بوقائية لأن الطرف الآخر لا يمكن الوصول وتنفيذ ما نفذه لو لم يكن لديه قاعدة أمنية دقيقة جداً، ولا تريد إيران بالوقت نفسه أن تمنح الإسرائيليين فرصة جديدة بالحفاظ على المعلومات وتستخدمها بعمليات أمنية لاحقاً”.

أصابع الاتهام وأطراف دولية

في المقابل، ما زالت ارتدادات الضربة المؤلمة تتردد أصداؤها في الداخل الإيراني، والمراقبون في الأوساط الإيرانية لا يستبعدون من جانب ثان الاختراق الأمني الحاصل من الجانب الروسي في محاولة للانفراد بالساحة السورية ومحاولة تحقيق مصالحهم بعيداً من إيران، وسط تعقيدات المشهد الإقليمي في المنطقة العربية، لا سيما اندلاع الحرب بن الفلسطينيين والإسرائيليين.

في غضون ذلك، أعرب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، عن عزم بلاده الإبقاء على استراتيجيتها الأمنية عقب اغتيال المستشارين الخمسة في تفجير مبنى (المزة) في دمشق. وأكد في تصريحات صحافية الاستمرار في إرسال المستشارين العسكريين، وما وصفه “بمتابعة محاربة الإرهاب وتأمين الأمن في المنطقة”.

الكشف عن العملاء والمعركة

وتتأهب الأوساط السياسية في طهران من حدوث الأصعب والأقسى، ولعل تقارير لوسائل إعلام وجدت من الضروري أن يراجع المسؤولون الأمنيون في بلادهم الخطط الأمنية وطريقة عملهم، والأطراف التي تحيط بهم.

في الوقت ذاته، لفتت صحيفة “جمهوري إسلامي” نقلاً عن موقع “إنترناشونال إيران” عن وجود خلل أمني واضح ينبغي العمل على إصلاحه، ومعرفة نقاط الضعف، وضرورة البحث عما وصفتهم بـ”المندسين” في الداخل الإيراني والنظر كذلك في شأن العملاء الأجانب من الأفراد المحليين أو “الروس” واحتمالية هؤلاء من يقدم هذه المعلومات الدقيقة.

وفي السياق ذاته، يستدعي مراقبون في طهران استفسارات تتعلق بضرورة تحديد من يقدم لإسرائيل هذه المعلومات الدقيقة عن مكان هؤلاء وعددهم واجتماعاتهم، في حين يسود القلق في الشارع السياسي السوري حول أجواء التوتر السائدة واتساع رقعة الحرب وفتح جبهة الجولان، بالتالي الزج بالفصائل الموالية لإيران بزيادة وتيرة القصف المدفعي والصاروخي، وتسيير المزيد من الطائرات المسيرة عبر الحدود الشمالية الإسرائيلية بالتوازي مع اشتعال جبهة جنوب لبنان.

ومع كل ذلك، يرجح متابعون من دمشق أنه وبغض النظر عن الاختراق الاستخباراتي للقادة الإيرانيين ومواقعهم المتمركزة في حي فيه مواقع لحركات فلسطينية وإيرانية إلى الهدف الإسرائيلي بتحقق انتصار على الأرض وتوسيع وتيرة الصراع إلى خارج غزة.

في هذه الأثناء، تسعى طهران إلى تحقيق سياسة “خير وسيلة للدفاع الهجوم” بعد تهديدات تل أبيب المتلاحقة بقصف مفاعلاتها النووية، بالتالي تتجه إلى خلق جبهات قتالية على تخوم إسرائيل وتهديد مستمر لأمنها القومي، من دون تمكنها بالرد لأسباب جغرافية تتعلق باتساع الأراضي الإيرانية والتي تأتي بالمرتبة الثانية بالحجم على مستوى الشرق الأوسط، وهذا يمنع الطائرات الإسرائيلية من تحقيق هدفها، أو استخدام صواريخ لاكتشافها من قبل الدفاعات المضادة، وكذلك لشدة تعقيد التضاريس الجبلية، والتي تشكل تحصيناً بالغ الأهمية للمفاعلات النووية، والمواقع الاستراتيجية العسكرية.